القطاع الكيميائي في سوريا بات يجد نفسه مؤخرا على مفترق طرق حرج، حيث يدق الصناعيون ناقوس الخطر بشأن مجموعة من التحديات التي تهدد وجوده وصناعتهم. ومع تزايد المخاوف، يُطرح السؤال، هل هذه التحديات مجرد خرافات، أم أنها تعكس الأسباب الحقيقية وراء تدهور القطاع.

لم يتورع الصناعيون في قطاع الكيماويات عن التعبير عن استيائهم، وسلّطوا الضوء على العوائق العديدة التي تعترض عملهم. ففي ظل عدم وجود حلول نهائية، يبدو أن تدهور القطاع بات وشيكا ما لم يتم توفير الاهتمام والدعم العاجلين. 

تقلب سعر الصرف وأثره

في حديث لصحيفة “البعث” المحلية، أشار العديد من الصناعيين أن على رأس التحديات التي تواجه القطاع في سوريا، تأتي تقلبات أسعار الصرف التي أثّرت بشدة على الصناعة الكيميائية. حيث أدت أسعار صرف العملات المتقلبة إلى عدم استقرار كبير، مما يجعل من الصعب على الشركات بشكل متزايد تخطيط وتنفيذ استراتيجيات طويلة الأجل. 

القطاع الكيميائي في سوريا يقرع أجراس الخطر - إنترنت
القطاع الكيميائي في سوريا يقرع أجراس الخطر – إنترنت

عدم استقرار سعر الصرف بحسب ما لفت إليه الصناعيون يعيق الاستثمارات، ويقلل من القدرة التنافسية، ويقوّض في النهاية إمكانات نمو القطاع. فمشكلات المجتمع هي ذاتها، ولكن برأي الصناعي محمد عثمان المختص بمواد التجميل والزينة،  أغلب المشكلات قد تكون قابلة للحل عدا مشكلة فارق السعر.

الإيجابية الوحيدة وفقا لما ذكره عثمان في الصناعة لسورية، هي أن اليد العاملة رخيصة كثيرا الأمر الذي يساهم بشكل أو بآخر بجعل تكاليف المنتجات أقل، مؤكدا أن صعوبة استيراد المواد الأولية ونقص هذه المواد، إضافة إلى أن اعتماد شرائها من أكثر من مصدر يشكل إرباكا كبيرا بالنسبة لهم.

التقلبات في سعر صرف الليرة السورية وتأثيرها على عمليات القطاع الكيميائي واستمراريته من أبرز المشكلات عموما في سوريا، ولها تأثير أوسع على استيراد المواد الخام وتكاليف الإنتاج والقدرة التنافسية في الأسواق المحلية والدولية.

سعر صرف الدولار في دمشق، ارتفع بمقدار 150 ليرة خلال الساعات الماضية أي بنسبة تقارب 1.67 بالمئة. واستقر عند سعر شراء يبلغ 9025، وسعر مبيع يبلغ 9125 ليرة للدولار الواحد، بمدى يومي بين 8975 و9175 ليرة.

تحديات تأمين المواد الخام

خازن غرفة تجارة حلب، أيمن الباشا، أوضح أن القرار 613 الصادر عن “بنك سوريا المركزي” بخصوص السماح للمستورد المخالف لجهة عدم التزامه بإثبات مصدر تمويل مستورداته آجلة الدفع، بأن يقوم بإجراء تسوية لدى فرع المركزي المعني خلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ انقضاء المهلة، ما يزال يحتاج لنقاش.

المواد الخام للصناعات الكيماوية - إنترنت
المواد الخام للصناعات الكيماوية – إنترنت

آلية تنفيذ القرار وهل سيكون للقرار مفعول رجعي لا يزال يشكل جدلا، وخاصة أنه مع إطلاق تمويل المستوردات عبر المنصة كان التمويل بالليرة السورية ولم يكن يُطلب إثبات مصادر التمويل وبعدها تحوّل التمويل عبر المنصة لـ 50 بالمئة بالليرة السورية و50 بالمئة بالقطع الأجنبي. 

الباشا بيّن أن معظم المستوردين لديهم مشكلة في إثبات مصادر تمويلهم لأن معظمها يعود إما لمدخرات أو ربما يكون حوالات والصعوبة ستكون كيف يمكن توثيق المدخرات على سبيل المثال وبحال تم توثيقها في التمويل لمرة كيف سيتم توثيق مصادر التمويل في المرات المقبلة.

على الرغم من الاعتماد في كثير من الأحيان على مواد أولية محلية الصنع، والتي قد تكون ذات جودة أفضل، إلا أن هذه المواد أيضا باتت قليلة برأي الصناعيين، كما أنها تعاني من صعوبة وصولها للصناعي وارتفاع تكاليف الشحن والنقل وغير ذلك.

معاناة الصناعيين في القطاع الكيميائي بسوريا ذهبت إلى أبعد من ذلك، فمشكلة اختلاف التسعيرة بين الشراء والمبيع يشكل العائق الأكبر بالنسبة للصناعيين، حيث اتسعت الفجوة بين هذين السعرين، فضلا عن عدم قدرة الحكومة ممثلة بوزارة الصناعة على دعم كل القطاع أو حل كل المشاكل التي يعاني منها.

ارتفاع كلف التشغيل وأسعار المواد الأولية وأجور العمال إضافة إلى ارتفاع أجور الشحن كل هذه العوامل التي تزيد تكاليف الإنتاج برأي الصناعيين تنعكس بالتالي على المستهلك.

ارتفاع أسعار المواد الخام

الاقتصاد السوري وقع بين فكّي الخسائر وفق معادلة “خاسر خاسر” ابتداء من تراجع دخل المستهلك وغلاء الأسعار، وصولا إلى فقدان الثقة بالاقتصاد والعملة.

أسعار المواد الخام الأساسية في قطاع الكيماويات وخصوصا المستوردة خلال الفترة الماضية شهدت ارتفاعا خصوصا مع تبني “المركزي” السوري سياسة تسعير صرف الليرة يوميا، ما أثّر على ربحية القطاع واضطرابات سلسلة التوريد إلى البلاد.

هذه التحديات، كما أوضحها الصناعيون في القطاع الكيميائي بسوريا، لا يمكن تجاهلها بسهولة باعتبارها خرافات لأنها تتناسب مع الحقائق اليومية التي تواجهها الشركات العاملة في هذا القطاع. ويعكس جرس الإنذار الذي يقرعه هؤلاء الصناعيون مخاوفهم الحقيقية بشأن الجدوى المستقبلية لمؤسساتهم والحياة العامة للصناعة الكيميائية.

نسبة ارتفاع أسعار المواد الخام في سوريا ارتفعت منذ بداية العام الجاري من 20 إلى 40 بالمئة، في حين ارتفعت أسعار بعض السلع إلى 80 و100 بالمئة في ضوء ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة؛ ليسجل سعر صرف الدولار 7350 ليرة بتاريخ 20 فبراير/شباط الفائت.

الحلول الممكنة لقطاع الكيماويات في سوريا

مع تزايد المخاوف بشأن التحديات التي يواجهها قطاع الكيماويات في سوريا، يصبح من الضروري استكشاف الحلول المحتملة التي يمكن أن تعالج هذه القضايا وتحسن الآفاق المستقبلية للصناعة.

محلات مستحضرات التجميل في سوريا - إنترنت
محلات مستحضرات التجميل في سوريا – إنترنت

يمكن أن يؤدي تخصيص الموارد لأنشطة البحث والتطوير إلى تعزيز الابتكار ودفع القدرة التنافسية داخل قطاع المواد الكيميائية، وفق ما يعتقده الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، خلال حديثه لـ”الحل نت”. ومن خلال الاستثمار في مرافق البحث، ودعم التعاون العلمي، وتحفيز الشراكات بين الأوساط الأكاديمية والصناعية، يمكن لسوريا تعزيز قدراتها التكنولوجية. 

كما يرى الحمصي أنه يجب أن تركز جهود البحث والتطوير على تطوير منتجات جديدة، وتحسين عمليات الإنتاج، ومعالجة الشواغل البيئية. الأمر الذي سيمكن هذا القطاع من مواكبة التطورات العالمية وتلبية متطلبات السوق المتطورة.

أيضا بحسب الحمصي يشكل الاعتماد المفرط على عدد محدود من المورّدين مخاطر كبيرة على الصناعة الكيميائية، وللتخفيف من هذا الضعف، يجب على سوريا أن تسعى بنشاط إلى تنويع قاعدة مورّديها. ويمكن أن يضمن التعامل مع مورّدين متعددين من مناطق مختلفة إمدادات مستقرة ومتواصلة من المواد الخام.

الحكومة بدورها تلعب دورا محوريا في خلق بيئة مواتية لازدهار قطاع الكيماويات. ولجذب الاستثمار، يجب أن تركز إصلاحات السياسات على الحد من البيروقراطية، وتبسيط اللوائح، وتوفير الحوافز المالية للشركات داخل القطاع. ويمكن أن تؤدي الجهود التعاونية بين القطاعين العام والخاص إلى تطوير المناطق الصناعية المتخصصة والبنية التحتية التي تلبي على وجه التحديد احتياجات التصنيع الكيميائي.

في حين أن هذه الحلول المحتملة تبشّر بمستقبل قطاع المواد الكيميائية ، فإن تنفيذها الناجح يتطلب جهودا متضافرة من جميع أصحاب المصلحة المعنيين عبر الرصد والتقييم والتكيف المستمر للاستراتيجيات لضمان فعاليتها وتأثيرها على استدامة القطاع على المدى الطويل، أو أن أجراس موت هذه الصناعة ستُقرع قريبا في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات