ارتفاع الصادرات التجارية من دمشق لأنقرة.. ما الحقيقة والأسباب؟

مع أنها غير معلنة إلا أن العلاقات التجارية بين سوريا وتركيا تشهد ارتفاعا في الصادرات التجارية من دمشق إلى أنقرة في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، يثير هذا الارتفاع العديد من التساؤلات حول الأسباب والحقيقة وراء هذا النمو الاقتصادي، بما في ذلك زيادة الطلب على المنتجات السورية في تركيا وتحسّن العلاقات التجارية بين البلدين.

من خلال تقارير مؤسسات الإحصاء، فإن حجم التبادل التجاري بين سوريا وتركيا بات أكبر من حجمه قبل توتر العلاقات عام 2011، على الرغم من كل الظروف، حيث بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية السورية، بحسب “المجموعة الإحصائية لعام 2022” والتي صدرت عن “المكتب المركزي للإحصاء” في سوريا نحو 16.97 ترليون ليرة سوريا، إذ سجلت قيمة الصادرات السورية إلى دول العالم 3.82 ترليون ليرة، فيما بلغت قيمة الواردات السورية نحو 13.153 ترليون ليرة.

تعاملات تجارية رسمية مع تركيا

طبقا لما نقله موقع “أثر برس” المحلي عن المكتب أمس الخميس، فإن مجموعة أسواق الدول الآسيوية بالمرتبة الثانية كوجهة للصادرات السورية بعد أسواق المنطقة العربية، حيث بلغت قيمة صادرات البلاد إليها ما قيمته 330.44 مليار ليرة.

ارتفاع الصادرات التجارية من دمشق لأنقرة - إنترنت — ارتفاع الصادرات التجارية من دمشق لأنقرة – إنترنت

من بين إجمالي أسواق هذه المجموعة، تصدرت تركيا القائمة من جهة حجم المستوردات التي تلقتها من سوريا، حيث بلغت قيمة الصادرات السورية إلى تركيا أكثر من 254 مليار ليرة، وهو ما يشكل 77 بالمئة من إجمالي صادرات البلاد إلى الدول الآسيوية.

السؤال المتداول بعد إعلان هذه الاحصائية هو ماذا صدّرت سوريا إلى تركيا، إذ إن الحديث عن تبادل تجاري مع تركيا يترك العديد من إشارات الاستفهام، خاصة أنّ العلاقات التجارية بين البلدين متوقفة منذ خروج معبر “باب الهوى” عن سيطرة الحكومة عام 2012.

الأرقام المتعلقة بالتجارة الخارجية بين سوريا وتركيا تثير العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فبينما يؤكد بعض الخبراء الاقتصاديين وجود تبادل تجاري فعليّ بين البلدين، يشكك آخرون في هذه الأرقام مشيرين إلى أن الصادرات السورية إلى تركيا تدخل الأسواق التركية عبر البحر وليس عبر المعابر البرية.

مع ذلك، فإن إدخال الأرقام على مصفوفات إحصائيات التجارة الخارجية يؤكد بشكل عام أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهو أمر لم يتم تأكيده بشكل علني. ومع ذلك، فإن خلفيات الأرقام وكيفية التبادل التجاري بين البلدين لا تزال نقطة الاختلاف.

“تبادل غير علني”

ذكرُ تعاملات تجارية رسمية مع تركيا، حتى في حالة عدم وجود علاقات سياسية، هو ليس بجديد، فحتى عندما كانت العلاقات مقطوعة مع دول الخليج كانت هناك أرقام تُذكر مع تلك الدول.

لا يمكن الجزم بأن حجم التبادلات التجارية الذي ذكر في الإحصاءات الرسمية السورية يؤكد وجود سلع سورية هُرّبت إلى تركيا بطريقة غير مشروعة. ومع ذلك، فإن هذا الاحتمال وارد، خاصة مع وجود مناطق تسيطر عليها فصائل مسلحة في شمال غربي سوريا التي تتاجر في العديد من السلع الغذائية والمنتجات الأخرى.

لكن القيمة الفعلية للتبادل التجاري بين البلدين قد تكون أكبر بكثير مما يتم ذكره في الإحصاءات الرسمية، وهذا قد يشير إلى وجود تجارة غير رسمية بين البلدين. إذ عند العودة إلى البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية لعام 2022، نجد أنّ حجم الواردات التركية من سوريا، بلغت 187.102 مليون دولار في عام 2021.

بحسب “مكتب الإحصاء”، فقد بلغت قيمة الصادرات السورية من الأغذية والحيوانات الحية 1.510 ترليون ليرة سورية وهو ما يمثل نسبة 40 بالمئة من إجمالي الصادرات، ويعود سبب ارتفاع نسبة ذلك نتيجة ارتفاع قيمة صادرات الخضار والفواكه بالدرجة الأولى حيث بلغت قيمة صادرات البلاد منها ما يصل إلى 1.043 ترليون ليرة.

كما صدرت منتجات البن والشاي والكاكاو والتوابل ومصنوعاتها بنحو 216.5 مليار ليرة. إضافة إلى صادرات حيوانات حية، ولحوم ومحضرات لحوم، ومنتجات الألبان وبيض الطيور والأسماك والسكر والعسل والأعلاف بنحو 139.4 مليار ليرة، فيما جاءت بالمرتبة الثانية من الصادرات المنتجات المحلية المصنعة.

كيف ستتغير موازين القوى في الشمال السوري بعد اللقاء الرباعي بموسكو؟

انعكاس الإعلان عن مثل هذه الأرقام، خصوصا مع عقد عدة اجتماعات سابقة منذ بداية العام الجاري بين أنقرة ودمشق، يشير أن الجانب التجاري سيدخل على خط فتح العلاقات بالتوازي مع خط العلاقات الدبلوماسية الذي يشهد تقدما ملحوظا خصوصا مع الوصول إلى اتفاق بين البلدين لوضع خارطة طريق لإعادة اللاجئين ولقاء رئيسا البلدين.

تفاقم العجز في الميزان التجاري

منتجات الوقود المعدني احتلت أكبر قيمة من إجمالي المستوردات السورية عام 2021، حيث بلغت قيمة مستورداتها، بحسب المجموعة الإحصائية لعام 2022، نحو 6.471 ترليون ليرة سوريا وذلك يشكّل نسبة 49 بالمئة من إجمالي المستوردات والبالغة 13.153 ترليون ليرة، وشكلت تقريباً ما يصل إلى 70 بالمئة من قيمة العجز في الميزان التجاري.

وزراء خارجية ومسؤولون من روسيا وتركيا وسوريا وإيران يحضرون اجتماعًا في موسكو - إنترنت — وزراء خارجية ومسؤولون من روسيا وتركيا وسوريا وإيران يحضرون اجتماعًا في موسكو – إنترنت

البيانات الرسمية تشير إلى أن غالبية المنتجات المستوردة من الوقود المعدني كانت نفط خام ومنتجات نفطية ومواد متصلة بها، وهذا يشكل نسبة كبيرة من إجمالي المستوردات من الخارج بقيمة ترليون ليرة، وهو ما يشكل نسبة 95 بالمئة من إجمالي مستوردات

أما بالنسبة لباقي المستوردات في فصل الوقود، فقد بلغت قيمة مستوردات الغاز الطبيعي ما يقارب 278 مليار ليرة، وهو ما يمثل تقريباً نسبة 4 بالمئة من إجمالي مستوردات الوقود. وقد بلغت قيمة مستوردات الفحم والكوك نحو 25.133 مليار ليرة وهي تمثل تقريبا نسبة 1 بالمئة من إجمالي مستوردات الوقود.

وفق إحصائيات التجارة الخارجية التركية، فإن صادرات تركيا الحالية لسورية تختلف عن صادرات ما قبل 2011، حيث شكل سابقا الكهرباء والمشتقات النفطية والمواد الأولوية للصناعات معظمها، فيما تطغى الآن المنتجات الاستهلاكيّة والغذائية والنسيجية ومواد البناء والسيارات.

رغم ذلك فإن أحد أسباب تفاقم العجز في الميزان التجاري السوري في عام 2021 هو الاعتماد المفرط على استيراد الوقود من الخارج، وخاصة النفط الخام والمنتجات المتعلقة به، حيث شكل ذلك ما يقارب 70 بالمئة من العجز الحاصل في الميزان التجاري والبالغ قيمته أكثر من 9.331 ترليون ليرة.

ارتفاع التبادل التجاري بين أنقرة ودمشق، يبدو أنه نتاج عدة لقاءات على مستوى وزراء الدفاع ونواب وزراء الخارجية البلدين جرت سابقا، ففي 28 ديسمبر/ كانون الأول 2022 التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو بأول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع.

أيضا في الثالث من أبريل/نيسان 2023، جرى اجتماع على مستوى نواب وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وسوريا وتركيا، وفي 25 أبريل/نيسان 2023 جرى اجتماع بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران وسوريا.

على إثر تحليل البيانات الرسمية، يبدو أن ارتفاع الصادرات التجارية من دمشق إلى أنقرة يمكن أن يكون ناتجا عن زيادة الطلب على المنتجات السورية في تركيا وتحسن العلاقات التجارية بين البلدين، وهذا يعني أن هناك تبادل غير علني بين البلدين رغم إعلانهما في خطابات رسمية عن خلاف جوهري في عودة العلاقات.