في ظل احتدام المعركة الرئاسية، يعيش لبنان أيام استثنائية ومتوترة قبيل الجلسة رقم 12 المخصصة لانتخاب الرئيس رقم 14 للجمهورية، والتي تم تحديدها في 14 من الشهر الجاري من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وسط تساؤلات عدة عما ستفضي إليه هذه المنازلة بين الفرقاء السياسيين، وهل ستثمر في التوصل إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد.

إذ تنقسم القوى السياسية في لبنان إلى معسكرين رئيسين، المعسكر الأول يدعم ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، ويقوده “حزب الله” اللبناني ومعه “حركة أمل” وبعض النواب المستقلين، بينما يدعم المعسكر الآخر خيار انتخاب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور، ويقوده كلا من المعارضة و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، إضافة لـ”التيار الوطني الحر” وبعض النواب المستقلين أيضا.

من جانبها نقلت مصادر مطلعة لموقع “لبنان 24” بأن النواب المستقلين الذين قرروا عدم التصويت لأي من المرشحين المطروحين، يعملون على إقناع عدد من “نواب التغيير” من أجل التصويت بورقة بيضاء في الجلسة النيابية، كما أن الإجابة النهائية لـ”نواب التغيير” ستعطى “لمن يعنيهم الأمر” خلال الساعات المقبلة، ولن تتأخر أكثر من ذلك، بحسب ذات المصادر.

دور “نواب التغيير”

“نواب التغيير” ويبلغ تعدادهم 12 نائبا يشكلون حالة فريدة في لبنان، لعدم وجود مرجعية موحدة لديهم، وعدم تبعيتهم لأي جهة خارجية، ما يشكل صعوبة لأحزاب السلطة في آلية التعامل معهم. كما يحمل هؤلاء أفكار انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 ومطالبها، والتي يعتبر أبرزها التخلّص من الفساد ومحاسبة المسؤولين عن الأزمات الاقتصادية والسياسية.

مجلس النواب/ وكالات لبنانية
مجلس النواب/ وكالات لبنانية

من جانبه يرى المحلل السياسي آلان سركيس بأن “نواب التغيير” دورهم مثل دور أي كتلة نيابية، يلعبون دورا سياسيا تشريعيا في الحياة البرلمانية، لكن بعد انتخابهم في العام الماضي انقسموا ولم يكن لديهم وضوحا بالرؤية السياسية ولا حتى بالأهداف.

سركيس يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن بعض “نواب التغيير” لم يكن لديهم برنامج إصلاحي، وليس لهم هدف واضح ويفتقرون للخبرة السياسية أيضا، والدور الذي لعبوه من العام الماضي إلى الآن، دور هامشي وخصوصا أن الكتل الحزبية الكبيرة هي التي لعبت الدور الذي كانت تريده.

وفقا لسركيس يحاول كل فريق سياسي أن يحشد لمرشحيه، إذ يوجد مرشح لـ”حزب الله” و”حركة أمل” هو فرنجية، بالمقابل يوجد مرشح آخر للمعارضة مجتمعة و”التيار الوطني الحر” هو الوزير السابق أزعور، وبالتالي من المؤكد أن كل قوى سياسية تحاول أن تستقطب هؤلاء النواب وغير نواب أيضا، لكن التركيز يكون بشكل أكبر على “نواب التغيير” لأنهم إلى الآن لم يحسموا قرارهم، ولا تجمعهم كتله واحدة ولا قرار موحد، ما يدفع القوى السياسية إلى التسابق لكسب أصواتهم.

الخريطة الانتخابية

معارضو “حزب الله” و”حركة أمل”، يسعون لتجميع 65 صوتا لأزعور تمكنه من الفوز بالدورة الثانية في حال لم يعطّل نواب “الثنائي” وحلفاؤه النصاب المتمثل بـ86 نائبا، لذلك يبدو بأن أي صوت سيكون مؤثرا في السباق الحاصل، وفقا لما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط”.

إلا أنه مع وضوح المعالم الأولية لتموضع الكتل النيابية، تتجه الأنظار إلى 22 نائبا لا يزالون يبحثون عن خيارات بديلة، وهم “الاعتدال الوطني” وتعدادهم 6 نواب، و”الطاشناق” نائبان، و”التغييريين” ويبلغ عددهم 7 نواب هم ياسين ياسين وإبراهيم منيمنة وحليمة قعقور إضافة لسينتيا زرازير وملحم خلف، وكلا من نجاة عون وإلياس جرادي، ومن  النواب المستقلين نبيل بدر ونعمت أفرام وجميل عبود  وأيضا عماد الحوت وشربل مسعد وأسامة سعد وعبدالرحمن البزري، بحسب ما نقله موقع “أندبندنت عربية”.

هؤلاء يبحثون على خيارات بديلة، خارج ما يعتبرونه “اصطفاف” أزعور أو فرنجية، وهم كذلك ينقسمون إلى خيارات عدة، منهم من يطرح فكرة التصويت للوزير السابق زياد بارود، وآخرون يشجعون التصويت بخيار “الورقة البيضاء”، وآخرون يؤيدون التصويت بـ”شعار” لتوجيه رسائل سياسية.

من جانبها أعلنت النائبة حليمة القعقور في تغريدة لها على “تويتر” في 6 من الشهر الجاري، “أننا لسنا بوارد المشاركة في تسويات بعد التطورات السياسية الأخيرة، ونؤكد أنّنا لن نكون جزءا من أوراق تفاوض وتسويات تبدو محلية ورأيناها اليوم تتوسع لتصبح إقليميّة، ولسنا بوارد المشاركة في تسويات تشبه التّمديد لإميل لحود أو إعادة إنتاج عهدَي ميشال سليمان وميشال عون، خصوصا أنّ الغرض منها هو تشكيل حكومات تحاصص ورؤساء يأتون ليحموا هذا التّحاصص”.

القعقور أضافت بأنه “ليس مكاننا مع الثنائيات الطائفية التي تفتت المشروع الوطني، وكما أعلنا منذ اليوم الأول، لا لمرشح الفرض سليمان فرنجية، ولا لمرشح التقاطع التسووي جهاد أزعور. لن نسير بمنطق البراغماتية العاجز عن أن يكون مدخلا للتغيير، ليكون مجرد إعادة تدوير للنظام”.

النائبة ختمت بقولها “سنقترّع فقط لرئيس نعرفُ مِن مسارِه السياسيّ أنه لا يساوم على سيادة الدولة وحكم القانون والمؤسسات، ورؤيته المالية تعطي الأولوية للخروج من الأزمة مع حماية مصالح المجتمع، لا أقطاب السلطة وأصحاب المصارف”.

بدوره علق المحلل السياسي آلان سركيس، بأن “نواب التغير”الـ12 سينقسمون مبدئيا، هناك 8 منهم سيعطون أصواتهم لمرشح المعارضة أزعور، والأربعة المتبقين سيصوتون لاسم آخر أو لـ”ورقة بيضاء”، ويعتقد سركيس بأنهم لن يعطوا أصواتهم لمرشح “حزب الله” و”حركة أمل” فرنجية، وبالتالي هذا يمثل صورة الخريطة الانتخابية لـ”نواب التغيير”.

تباين في الوجهات

حتى الآن يبدو بأن ثلاثة من نواب “التغيير” حسموا خيار التصويت للوزير السابق جهاد أزعور، وكانوا جزءا من التقاطع المسيحي بين القوات والكتائب و”التيار الوطني الحر” مع آخرين، وهم مارك ضو وميشال دويهي ووضاح الصادق. فيما أكدت النائبة حليمة قعقور رفض الدخول في أيّ من التسويات، بحسب ما نقله موقع “أم تي في” اللبناني.

صورة لنواب التغيير /وكالات لبنانية
صورة لنواب التغيير /وكالات لبنانية

في موازاة مساعي بعض النواب المستقلين لإقامة تحالف يصوّت للوزير السابق زياد بارود كخيار ثالث، وقد عُقد اجتماع بين بعض هؤلاء وبارود، فيما هاتف آخرون أزعور الموجود في الولايات المتحدة والذي يتردد أنه سيحضر إلى بيروت قريبا، وفهم بأن جهات نافذة تسعى مع النائبة بولا يعقوبيان لإقناعها بالعمل على جذب ثلاثة نواب على الأقل من المتردّدين للتصويت لمصلحة أزعور، خصوصا النائب فراس حمدان، تحت عنوان أن كل النواب الدروز يقفون مع أزعور في مواجهة الثنائي “أمل” و”حزب الله”.

 لم يتسنَّ الوقوف على رأي حمدان نفسه. فيما قرّر النواب إبراهيم منيمنة وملحم خلف ونجاة صليبا إجراء مزيد من المشاورات قبل حسم موقفهم النهائي.

من جانبه يرى سركيس، بأنه إذ صوت جميع “نواب التغيير” باتجاه واحد يمكنهم قلب الدفة من اتجاه لآخر، لكن كما يبدو أن الثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” وحلفائهم سيعطلون النصاب في الدورة الثانية، لذلك صوتهم أو غير صوت لن يؤثر حينها، لأن النصاب سيتلاشى ولن يتبقى هناك جلسة لانتخاب رئيس جمهورية، وذلك يعني استمرار للأزمات التي يعانيها لبنان.      

أخيرا، تكثر التحليلات والتوقعات حول ما ستفضي له الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس اللبناني، فيما إذا سيتم الاتفاق على انتخاب رئيس حكومة ووضع التعيينات الأساسية في الدولة برعاية عربية أو دولية، أو بقاء الأمور على حالها وإطالة أمد الفراغ، وذلك ما يسعى له “حزب الله” الذي يحاول أن يبقى القوى المهيمنة في البلد على حساب الأزمات الكثيرة التي يعيشها الشعب اللبناني، متبعا كافة الطرق والوسائل التي تخدم مخططاته في البلد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات