في عتمة سواد الأزمات التي تعصف بسوريا، يظهر تحديا جديدا ينذر بمزيد من الصعاب والمشاكل المعيشية. فقد أصبح البيض، الذي كان يُعتبر غذاءً أساسيا للكثيرين، ترفا لا يمكن تحمّله بالنسبة للكثير من الأُسر، حيث سجلت أسعار البيض ارتفاعا قياسيا في أسواق العاصمة دمشق، ووصل سعر البيضة الواحدة إلى 1100 ليرة، وهو ما دفع العديد من الأُسر إلى الاكتفاء بشراء بيضة واحدة أو حتى بيضتين فقط.

هذا الارتفاع المروّع في أسعار البيض يفاقم العبء المالي على الفقراء ومحدودي الدخل، حيث أصبح من الصعب تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية. فالبيض، الذي كان يُعتبر مصدرا رخيصا وسهل الحصول عليه لتلبية احتياجات البروتين، أصبح الآن حلما بعيد المنال.

أسباب ارتفاع البيض

تصريحات مدير عام “المؤسسة العامة للدواجن”، سامي أبو دان، تكشف عن أسباب واضحة ومقلقة لارتفاع أسعار البيض والفروج في سوريا. حيث يشير أبو دان في حديثه لموقع “غلوبال نيوز” المحلي، أمس الاثنين إلى وجود سببين رئيسيين وراء هذا الارتفاع المقلق.

ارتفاع أسعار البيض في سوريا مع قلة الإنتاج - إنترنت
ارتفاع أسعار البيض في سوريا مع قلة الإنتاج – إنترنت

غلاء مدخلات الإنتاج، وبالأخص تكاليف العلف، الذي يعتبر عاملا أساسيا في تربية الدواجن، من جملة الأسباب بحسب أبو دان، فارتفاع تكلفة العلف يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل عام، مما يؤثر على تكلفة إنتاج البيض والفروج.

أيضا لفت أبودان إلى عدم دراسة التكلفة الحقيقية للبيض والفروج في نشرات وزارة التجارة الداخلية، حيث سجلت البيضة الواحدة خسارة قدرها 125 ليرة خلال العام الماضي، وهو أمر يجب مراعاته عند تحديد الأسعار وتوجيهات التسعير من قبل الحكومة.

طبقا لحديث مدير “المؤسسة العامة للدواجن”، لا يزال التساؤل حول مبررات انخفاض أسعار الأعلاف في الدول المجاورة مثل لبنان مقارنة بسوريا، بنسبة تتراوح بين 30 إلى 35 بالمئة بلا جواب، حيث بلغت تكلفة الأعلاف مستويات قياسية في سوريا نتيجة لارتفاع سعر الصرف، مما يؤثر سلبا على تكاليف إنتاج الدواجن.

بالإضافة إلى ذلك، يؤكد أبو دان أن المؤسسة العامة للدواجن تشتري الأعلاف بسعر السوق، مثلما يفعل القطاع الخاص، دون أي دعم من الحكومة. هذا يعني أنها تتحمل تكاليف الإنتاج العالية بشكل مباشر، مما يؤثر على القدرة على تقديم المنتجات.

التكاليف غير المنظورة بالنسبة للحكومة

انسحاب عدد كبير من المربّين في سوريا بسبب الأسباب المذكورة سابقا، أدى إلى نقص حاد في العرض وزيادة في الطلب، مما أدى بلا شك إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار البيض. فمنذ بداية العام الماضي، انسحب حوالي 25 بالمئة من المربّين، مما يعادل تقريبا النصف من عددهم قبل الأزمة.

ارتفاع أسعار البيض في سوريا مع قلة الإنتاج - إنترنت
ارتفاع أسعار البيض في سوريا مع قلة الإنتاج – إنترنت

وفي ظل هذا الوضع، تقوم “المؤسسة العامة للدواجن” حاليا بإنتاج نحو 360 ألف بيضة يوميا، وهذا يشكل حوالي 20 بالمئة من إجمالي إنتاج البيض في سوريا. كما يتم إنتاج 16 ألف صوص فروج أسبوعيا.

فيما يتعلق بالأسعار، وصل سعر البيضة الواحدة في الأسواق إلى 1100 ليرة، بينما حددت وزارة التجارة الداخلية سعر صحن البيض بواقع 30 بيضة بـ 26000 ليرة، أي بمتوسط 866 ليرة للبيضة. وبما أن السوق يخضع للمزاد بسبب نقص العرض، وبالتالي يتم بيع البيض بأسعار أعلى للتجار بالجملة 916 ليرة للبيضة، وللمستهلك النهائي 1100 ليرة للبيضة.

الأسعار ارتفعت بنسبة تقريبية 30 بالمئة منذ بداية العام الحالي. وفي رؤية استشرافية، يقترض أبو دان أنه إذا كانت القوة الشرائية للمواطنين في حالة جيدة، فإن سعر صحن البيض يجب أن يصل إلى 35 ألف ليرة. وبالتالي، يتباين الاستهلاك المثالي المتوقع مع الاستهلاك الفعلي في ظل ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطنين.

إن هذا التطور الحالي بحسب العديد من المواطنين يشكل تحذيرا مقلقا لمستقبل صناعة البيض في سوريا، حيث يتطلب حلولا سريعة وفعّالة للتصدي لتحديات الارتفاع المستمر في أسعار الإنتاج والتأثيرات السلبية على القدرة الشرائية للمواطنين.

ضبط الأسعار ليس بالقوة؟

الأسواق التجارية في المحافظة السورية شهدت تطورا مثيرا للاهتمام خلال اليومين الماضيين، حيث سُجل ارتفاع في أسعار السلع الغذائية وخاصة منتجات الدجاج والألبان ومشتقاتها والحمضيات. ويأتي هذا الارتفاع في أعقاب قرار الحكومة السورية برفع يدها عن تحديد الأسعار في يناير/كانون الثاني الماضي.

ارتفاع أسعار البيض في سوريا مع قلة الإنتاج - إنترنت
ارتفاع أسعار البيض في سوريا مع قلة الإنتاج – إنترنت

في ضوء هذا القرار، يتم الآن اعتماد فاتورة المنتجين والمستوردين وتجار الجملة كأساس لتحديد أسعار بيع المنتجات للمستهلك، وذلك وفقا لنسب الأرباح التي تم تحديدها من قبل هؤلاء الفئات. هذا التحول في نظام التسعير أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع وزيادة العبء المالي على المستهلكين.

في هذا السياق، من الطبيعي أن يرتفع سعر صحن البيض الى 25 ألفا وربما سيصل الى 30 أو أكثر، إذا لم يتم دعم المربّين بالسرعة القصوى من قبل الجهات المعنية بالحكومة السورية، خصوصا من ناحية سعر المازوت، حيث أكد أحمد جيفارا في وقت سابق وهو أحد المربّين،  أن “أسباب ارتفاع سعر البيض والفروج باتت معروفة لدى الجميع ولعل أبرزها، ارتفاع سعر العلف واليوم لم يُعد ثمة دعم حكومي للمازوت”.

هذا الارتفاع في الأسعار وبسبب قرار الحكومة السورية أضعف القدرة الشرائية للمواطنين وأثّر على حياتهم اليومية، ونتج عنه خروج عدة أصناف من قوائم المائدة السورية، مثل المأكولات الشعبية كالفلافل، والزعتر، والمربيات، الألبان والأجبان وغيرها من المواد الأساسية.

قطاع الدواجن في سوريا يعاني من أضرار جسيمة نتيجة للظروف الصعبة التي مرّ بها خلال السنوات الماضية. توقفت 60 بالمئة من المزارع والمنشآت، وتعرضت المؤسسات المعنية لتحدّيات استثنائية وغير مسبوقة.

أحد هذه التحديات يتمثل في ارتفاع أسعار المواد العلفية المستوردة، التي تشكل أكثر من 70 بالمئة من تكاليف الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، تعاني هذه المؤسسات من نقص في السيولة المالية اللازمة لتأمين مخزون علفي طويل الأمد.

تلك التحديات تعيق قدرة المزارعين والمربّين في تلبية الطلب المتزايد على منتجات الدواجن، وتؤدي إلى ارتفاع أسعار الدواجن ومشتقاتها حتى لا تصطف بجانب العديد من الأصناف التي باتت العديد من الأّسر السورية تعدها ترفا ولا ضرورة لها بسبب غلائها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات