خلال الأسابيع الماضية ومنذ افتتاح سوق الفاكهة الصيفية بسوريا، والأسعار توصف بـ”الخيالية”، والتي تفوق قدرة معظم المواطنين من دون شك، وسط تدني مستوى الرواتب والأجور مقارنة بالأسعار المتداولة في الأسواق ككل. ولعل أسباب ارتفاع أسعار فواكه الصيف ترجع إلى عدة أسباب، والتي من المفترض أن تكون من أرخص أنواع الفواكه في البلاد، على اعتبار أن معظمها منتَج محليا.

هذه الأسباب تتمحور بشكل رئيسي حول تصدير 80 بالمئة من الفواكه إلى دول الخليج والعراق، وفق تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين المعنيين بهذا القطاع، إلى جانب ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الدعم الحكومي لهذا القطاع، وبالتالي فإن الحكومة شريكة في هذا الغلاء الذي يلتهم الأسواق من جميع الاتجاهات.

أسباب غلاء فواكه الصيف

أسعار كافة أصناف الفواكه تشهد ارتفاعا كبيرا في الأسواق، الأمر الذي جعلها بعيدة عن متناول الكثير من العائلات، وما يثير الدهشة هو أن البلاد تنتج كميات ضخمة من معظم أصناف الفواكه كافية لتغطية حاجة السوق المحلية وأكثر، إلا أن تصدير القسم الأكبر من الإنتاج المحلي من الفواكه كان له أثر كبير برفع أسعارها، حسبما أوضحه تقرير لموقع “غلوبال نيوز” المحلي، يوم أمس الأربعاء.

أسعار كاوية لفواكه الصيف بسوريا- “إنترنت”

عضو “لجنة تجار ومصدّري الخضر والفواكه” في سوق الهال محمد العقاد، أكد في تصريح للموقع المحلي بأن جميع أنواع الفواكه تصدّر إلى دول الخليج والعراق وبكميات كبيرة، كالمشمش والدراق والكرز والخوخ وأسعار الفواكه المُعدّة للتصدير تختلف عن الصنف الذي يتم طرحه بالأسواق المحلية.

العقاد أردف في حديثه أن تصدير الفواكه يؤثر بشكل أو بآخر في رفع أسعارها في الأسواق المحلية وله دور أساسي، مبينا بأن البندورة الساحلية تُصدّر بكميات كبيرة أكثر من الفواكه.

من جانبه، كشف عضو “لجنة الخضر والفواكه” في سوق الهال المركزي بدمشق، أسامة قزيز في تصريح مماثل لنفس الموقع المحلي، بأن 80 بالمئة من الفواكه التي تصل إلى سوق الهال يتم تصديرها إلى دول الخليج والعراق بالدرجة الأولى.

في تقرير سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، نُشرت قبل أيام قليلة، عزا العقاد، سبب ارتفاع أسعار الفواكه الموسمية وخاصة الكرز إلى ما حصل لموسم هذا العام، في مناطق سرغايا والقلمون وما أحدثته حبات البرد به، ما أدى إلى تراجع الموسم.

أما بخصوص التصدير إن كان سببا في ارتفاع الأسعار، زعم العقاد أن أغلبية الناس يخطئون بربط ارتفاع أسعار أي مادة بالتصدير، وأردف أن موسم التصدير غير مرتبط بالمنتج المحلي، فالمادة المُعدّة للتصدير غير المُعدّة للأسواق المحلية. ولم يكشف ما هي المواد التي يتم تصديرها ولا تتواجد في الأسواق.

بالتالي فإن هذا التناقض والارتباك في التصريحات الحكومية يشير إلى أن الحكومة وقراراتها غير المدروسة وراء هذا السعر المرتفع في الأسواق. ولا يُعقل تصدير كميات كبيرة من المنتجات المحلية بينما الأسواق المحلية غير مشبعة بهذه السلع حسب الظروف المعيشية للسكان.

الاقتصاديون يرون أن المشكلة ليست في ارتفاع الأسعار، بل إنها تكاد تكون مساوية لأسعار دول الجوار، لكن المشكلة تكمن في تدني مستوى الأجور والمداخيل، فمثلا راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 20 دولارا شهريا، وهذا خارج العقل والمنطق.

فلا يُعقل أن يدير المواطن معيشته بهذا المبلغ، لذلك يجب على الحكومة إعادة النظر في مستوى الرواتب والمداخيل، وإلا فسترتفع معدلات الفقر أكثر مما هي عليها الآن.

من جانبهم يرى المزارعون أن ارتفاع تكاليف الإنتاج والمواد الأولية، وكذلك استغلال كبار التجار للسلع وراء هذه الأسعار المرتفعة، إضافة إلى عدم وجود دعم حكومي للقطاع الزراعي، والذي غالبا ما يتأثر بالعواصف أو الأمراض التي تصيب المحاصيل في كل موسم، وبالتالي فإن كل هذه العوامل تساهم في رفع أسعار الفواكه الصيفية.

“أسعار كاوية”

في المقابل، أوضح قزيز بأن أسعار الفواكه تتراوح بين 6 إلى 9 آلاف ليرة سورية للمشمش، و 8 آلاف ليرة للدراق النوع الأول، و12 ألف ليرة للكرز، حسب نوعيته ومصدره، وفي بعض الأسواق وصل إلى 18 ألف ليرة، كما تراوح سعر كيلو المشمش والدراق بين 5 – 10 آلاف ليرة، أما التوت فهو بين 4-6 آلاف، ووصل سعر كيلو البطيخ الأخضر والأصفر بين 2000 – 4000 ليرة، و5 آلاف ليرة للخوخ، مشيرا إلى أن كميات الاستهلاك المحلي منخفضة نتيجة ارتفاع الأسعار.

الكثير من المواطنين يرون وفق العديد من التقارير المحلية، أن شراء كيلو من أي صنف من الفواكه بـ 10 آلاف ليرة غالٍ جدا مقارنة بمستوى الرواتب، وبالتالي عزفوا عن هذه المواد، وبات شراء المواد الأساسية من السكر والأرز والشاي مقصدهم.

الأسواق السورية- “إنترنت”

مواطنون بيّنوا لصحيفة “الوطن” المحلية مؤخرا، أن أسعار الفواكه مرتفعة جدا، حتى إنها هذا العام لم تحل حتى كضيف شرف ولو لمرة واحدة على موائدهم، وباتت الفواكه رفاهية، وعلى ما يبدو ستنضم الكثير من الفواكه الصيفية إلى قائمة الكماليات وتودّع معظم موائد السوريين مع ارتفاع أسعار كل الأصناف من دون استثناء.

بعض أصحاب محال بيع الخضار والفواكه يقولون إن الإقبال على شراء الفواكه وحتى الخضار ضعيف، والمبيع حاليا لأصناف محددة كالبطاطا والبندورة بمقدار طبخة باليوم الواحد لكل أسرة.

الكثير من المواطنين يقولون إن هذه الأسعار لا تناسبهم إطلاقا، وهم يمتنعون عن شراء جزء كبير من الفاكهة ولا يكتفون إلا بشراء منتجات ذات جودة منخفضة ورخيصة وفي أوقات الذروة وليس في بداية المواسم عندما تكون الأسعار مرتفعة، وبالتالي تنضم فواكه الصيف إلى قائمة الكماليات وتودّع معظم موائد العوائل السورية، حيث إن الغلاء يلتهم جميع الأصناف دون استثناء. 

على الرغم من أن مزارعي البطيخ في محافظة درعا يواصلون تسويق باكورة إنتاجهم إلى الأسواق، ومن المتوقع أن تزداد خلال الفترة القريبة القادمة وتيرة قطاف المحصول تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة ووصول الإنتاج إلى ذروته، إلا أن الأسعار لا تزال مرتفعة ولا تتناسب مع جيوب المواطنين.

خاصة وأن البطيخ يُعد من المحاصيل الصيفية المهمة في سوريا والتي حققت زراعتها نجاحا نسبيا سواء من حيث النوعية أو الإنتاجية، نظرا لوفرة إنتاجه وقلة تكاليفه قياسا بأصناف أخرى، وتحديدا لجهة احتياجاته الأقل من المياه، وتصل مردودية الهكتار الواحد في الأراضي المروية إلى 75 طنا وفي الأراضي البعلية 20 طنا.

المربيات تتحول إلى كماليات!

على إثر هذه الفوضى الكبير التي تشهدها أسعار مختلف الأصناف والسلع، لاسيما أسواق الخضار والفواكه في سوريا، ومع استمرار هذا الارتفاع في الأسعار والناتج عن غلاء تكاليف النقل والإنتاج، بدأت الكثير من العائلات تفكر مليّا قبل صنع مونة المربيات هذا العام، خاصة بعد أن شملت موجات الغلاء مادة السكر.

مونة المربيات هو تقليد سنوي اعتادت عليه معظم العائلات السورية، حيث يتم صنع المربى من عدة أنواع من الفواكه عبر طبخها وإضافة السكر عليها، إلا أن أسعار الفواكه والسكر هذا العام، قد تجعل الكثير من العائلات تمتنع أو تقلل من كمية المربيات.

مربى المشمش هو من أشهر المربيات في سوريا، لكن المشمش سجل هذا العام ما بين 7-10 آلاف ليرة سورية للكيلو الواحد، بعد أن كان لا يتجاوز سعره 3 آلاف ليرة العام الماضي، إذ يشير تقرير سابق لموقع “أثر برس” المحلي، إلى أن الفاكهة أصبحت للفرجة بالنسبة للعديد من الأُسر التي حرمها الغلاء من أن تكون متاحة لصناعة المربيات.

بعض المواطنين في العاصمة السورية دمشق أكدوا في تصريحات صحفية سابقة أن “مونة” هذا العام في منازلهم انخفضت من 15 كيلو إلى 2 كيلو فقط، فأسعار الفواكه هذا العام، أعلى من أن يتم طبخها لصنع المربيات، هذا فضلا عن غلاء مادة السكر.

طبقا لحديث الأهالي فإن “مونة” المربى تحتاج ربما في أفضل الأحوال إلى مليون ليرة، موسم المشمش في نهايته وما زال يسجل أسعار لم تنخفض عن 7 آلاف ليرة سورية، هذا فضلا عن السكر الذي وصل سعره إلى 10 آلاف ليرة للكيلو الواحد في بعض المتاجر، كذلك فإن التكاليف تشمل الغاز الذي سيتم طبخ الفواكه عليه.

حول تكاليف صناعة المربيات، أشار تقرير الموقع المحلي، إلى أن سعر علبة المربى في الأسواق السورية بحجم 450 جرام يصل إلى 14 آلاف ليرة، الأمر الذي حرم الكثير من العائلات من استهلاك المربيات بشكل طبيعي كما اعتادوا سابقا.

في العموم، يعاني السوريين من هوة كبيرة بين الدخل والإنفاق، ففي حين لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 92 ألف ليرة، ومتوسط الأجور عن 150 ألف، بلغ متوسط معيشة الأسرة المكوّنة من خمسة أفراد أكثر من 5.6 ملايين ليرة سورية والأدنى نحو 3.5 مليون ليرة سورية، وذلك مع انتهاء الربع الثاني من عام 2023، بحسب ما نشره مركز “قاسيون” من دمشق أخيرا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات