قضية فرض ضرائب وغرامات مالية كبيرة على الشركات الخاصة من قبل الحكومة في دمشق خلال السنوات الماضية تداولت بشكل مكثّف، خاصة بعد قضية شركة “سيريتل” المملوكة لرامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، والتي أصبحت موضع تساؤل وجدل واسع لدى الرأي العام ووسائل الإعلام المختلفة، وذهبت التوقعات حينها بحدوث تصفية لمخلوف من قبل زوجة الرئيس السوري، أسماء الأسد، التي أصبحت واجهة الاقتصاد السوري اليوم، بحسب العديد من التقارير والتحقيقات المحلية والغربية.

هذه المسألة عادت إلى الواجهة اليوم مع تداول تقارير إخبارية محلية أن شركة “وتار” للأدوات الكهربائية المنزلية، الأشهر في سوريا، توقفت تماما عن التصنيع وأغلقت أبوابها، بعد تكليف ملّاكها من قبل “وزارة المالية السورية” بضريبة أرباحها الحقيقية بمبلغ قدره 200 مليار ليرة سورية كضرائب دخل.

من يقف وراء إغلاقها؟

تداولت وسائل إعلام محلية أخبارا بتوقف شركة “وتار” للأدوات الكهربائية عن التصنيع في سوريا بشكل نهائي بعد فرض مبالغ مالية كضريبة عليها، مشيرين إلى أن أصحاب الشركة سافروا بعد هذه الإجراءات إلى كندا، في حين بدأت أعمال التصفية في الشركة والمعارض التابعة لها.

أحد وكلاء منتجات شركة “وتار” في القامشلي- “الحل نت”

على الرغم من أن “وزارة المالية السورية” أصدرت بيانا يوم أمس الثلاثاء، نفت فيه صحة الأخبار المتداولة حول تكليف شركة “وتار”، إلا أن الآراء رجّحت أن هذه الإجراءات الوزارية قد تكون صحيحة حتى وإن تم نفي ذلك من قبل السلطات الحكومية، نظرا لحدوث حوادث مشابهة لذلك في الخفاء، ولا سيما أن أصحاب الشركة لم يصدروا أي بيانات رسمية حول ذلك حتى الآن.

بالتالي فإن تكليف الوزارة الشركات بغرامات كبيرة يدلل بأنها تهدف لإيقافها عن العمل وضربها في السوق ليتم الاستحواذ عليها فيما بعد مثلما فعلت بشركة “سيريتل”، لصاحبها، رامي مخلوف الذي ظهر عدة مرات، عبر صفحته الشخصية على منصة “فيسبوك” مشيرا أن شركاته ومؤسساته تعرضت لأكبر عملية نصب في الشرق الأوسط بغطاء أمني لمصلحة أثرياء الحرب، الذين لم يكتفوا بتفقير البلاد بل التفتوا إلى نهب المؤسسات ومشاريعها من خلال بيع أصولها وتركها بلا مشاريع ولا دخل، لتفقير الفقير ومنعه من إيجاد منفذ للاستمرار.

وفق بعض التقارير والتحقيقات الإعلامية، فإن العديد من أصحاب المعامل والشركات من التجار والصناعيين الكبار أو المتوسطين  يتم فرض ضرائب باهظة عليهم من قبل مكتب يُعرف باسم “المكتب السري” وهو مكتب مؤلف من عناصر في أمن الدولة، وهو تابع للقصر الجمهوري ويعمل بإشراف مباشر من أسماء الأسد.

هؤلاء يقومون بجولات للابتزاز المالي تشمل حتى المحال متوسطة الحال في الأسواق، وهذا الأمر دفع بالعديد من رؤوس الأموال إلى إغلاق أعمالهم في سوريا ونقلها خارج البلاد وخاصة في مصر وتركيا، وهذا الأمر إن دل على شيء فهو يعني سيطرة آل الأسد على جميع مفاصل الاقتصاد السوري، من أكبر المعامل إلى أصغر موزعي الجملة بالأسواق.

بالعودة إلى بيان الوزارة، فقد زعمت أن كل ما نُشر عارٍ عن الصحة تماما، وأن إجمالي المبالغ المترتبة حاليا على شركتي “وتار” المعدنية، والمنزلية، وفق التكليف بالكاد تتجاوز 400 مليون ليرة سورية عن سنتين، مضيفة أن أصحاب الشركة مستمرون بتشغيل خط الإنتاج، مع تحركهم الفوري وفق الأنظمة والقوانين النافذة ضد مروجي هذه الإشاعات.

شركة “سيريتل” كانت من بين الشركات التي اتُخذت ضدها مجموعة من الإجراءات آنذاك، وتداولت أنباء حول تحويل جزء من حصصها إلى ما يسمى بـ “صندوق الشهداء” التابع للحكومة السورية. وفي عام 2020 قرر القضاء السوري، تعيين حارس قضائي على شركة “سيريتل” المملوكة لمخلوف، وحسب حكم محكمة القضاء الإداري، فقد تم تعيين رئيس “الشركة السورية للاتصالات” التابعة لدمشق، بصفة حارس قضائي على “سيريتل” على أن يتقاضى مرتبا شهريا مقداره 10 ملايين ليرة سورية.

تعيين الحارس القضائي لشركة “سيريتل”، يأتي بزعم ضمان حقوق الخزينة العامة، بحسب تعليق لـ”مجلس الدولة” لحكومة دمشق، والتي اعتبرت الحكم، سابقة قضائية.

هكذا، يصبح رامي مخلوف، خارج شركته “سيريتل”، لأن صلاحياته الأساسية انتقلت إلى الحارس القضائي، والذي يحق له استعمال القوة لتنفيذ القرار، بحسب حاشية “مجلس الدولة” على الحُكم الصادر.

آراء الشارع السوري

إزاء نشر الوزارة السورية بيانها حول نفي توقف الشركة عن العمل، تفاعل سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع البيان، معربين عن آراء تتعارض ما تدّعي به الوزارة في بيانها، وأضافوا بالقول “الحكومة تحاول خنق وتطفيش ما تبقى من المواطنين المغلوب على أمرهم في حضن الوطن، عبر فرض ضرائب باهظة بالرغم من معاناة أصحاب المعامل والمحلات من الظروف القاهرة جدا”.

بينما قال آخرون، مع معناه، يمكنك للوزارة نشر أعداد المحلات والورش التي أغلقت أبوابها بعد التكاليف المالية المفروضة من قبل “الوزارة المالية السورية” عليهن، وليكن الجميع واضحين بما يحدث في البلاد، فالقارب بات يبتلع الجميع، بمعنى أن الإجراءات الحكومية باتت تبتلع معظم رؤوس ورجال الأعمال، على مبدأ “تشارك أرباحك مع الدولة أو لا مكان لك في البلاد”.

سكرين شوت لآراء المتابعين على بيان “وزارة المالية السورية”

بعض التعليقات والآراء على مواقع “السوشيال ميديا” كتبت بمعنى أن الوزارة غير صادقة في بيانها وأن مسألة إغلاق الشركة حقيقية وليست مجرد إشاعات كما تزعم الوزارة، قائلين “طيب والضرائب على المحل المغلق قيمته مليون ونصف شو تفسيرو من قبلكم”.

حوادث مشابهة

من ناحية أخرى، أشارت بعض الصفحات المحلية المشهورة إلى أن الحكومة هي التي أنهت الاقتصاد السوري وليس الحرب. فقبل شركة “وتار” كانت شركة “الشرباتي” ملك نسيج الجينز وقبلها شركة “الصباغ” وغيرها من المصانع والمعامل أغلقت أبوابها وسافر أصحابها إلى مصر أو تركيا أو الخليج.

قبل فترة ليست ببعيدة، أعلن صاحب معمل “إندومي”، الوجبة سريعة التحضير، أيمن برنجكجي، إغلاق منشأته في سوريا، وذلك بعد 25 عاما من افتتاحها. وقال برنجكجي في منشور عبر حسابه على منصة “فيسبوك”، “اليوم كان آخر يوم، وداعا إندومي سوريا، وداعا لتعب 25 عاما”. من دون أن يضيف تفاصيل أخرى.

إلا أنه وبعد نحو ساعة كتب صاحب المعمل منشورا آخر، أوضح فيه أن وزير “التجارة الداخلية السورية”، الذي تواصل معه فور سماعه بخبر توقف المعمل وطلب منه استمرار الإنتاج، مدعيا أن الوزير أخبره بأنه “سيعمل جاهدا على تذليل المعوقات”، مضيفا “نعد المستهلكين بعودة الإنتاج في أقرب وقت ممكن”.

برنجكجي قال إن السبب الرئيسي للإغلاق هو نفاد المواد الأولية اللازمة للتصنيع وصعوبة تأمينها بين سندان العقوبات ومطرقة شح التمويل، غير أن الآراء آنذاك رجحت بأن الحكومة تضيق الخناق على أصحاب أكبر الشركات والمعامل، بهدف الاستحواذ عليها لاحقا، أو منحها للمستثمرين الإيرانيين الذين يعملون في البلاد وبموافقة السلطات، وبرعاية صفقات الحكومتين؛ دمشق وطهران.

هذا وشهدت مناطق الحكومة السورية خلال السنوات الماضية تصفية عشرات الشركات الخاصة، إذ يرجّح خبراء أن يكون السبب في ذلك، السياسات الاقتصادية الطاردة التي تتبناها الجهات المعنية في الحكومة، وخاصة التركيز على جباية الضرائب.

المُحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري، يرى أن سياسات حكومة دمشق حوّلت الاقتصاد السوري من اقتصاد منتج إلى اقتصاد خدمي، من خلال تشجيع قطاعات مثل السياحة والتجارة، على حساب قطاعات الإنتاج الحقيقي مثل الزراعة والصناعة”، بحسب ما ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية مؤخرا.

كما واتهم حزوري الحكومة السورية بتبني سياسات تفضل جباية الأموال أولا على حساب رعاية الإنتاج، بالإضافة إلى اتباع إجراءات مخالفة للقوانين الاقتصادية البديهية والتي أدّت إلى الفشل الكبير في ضبط التضخم وأسعار الصرف، ما أثر سلبا على الإنتاج ومستوى حياة المواطن، وهذه كلها من المسببات التي أدت إلى خسارة هذا العدد الكبير من الشركات في فترة قصيرة.

المراقبون يعتقدون أن أغلب شركات القطاع الصناعي التي تنشط في مناطق سيطرة دمشق، تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه بالنظر إلى تراكم المشاكل، ولعل أبرزها ارتفاع قيمة الضرائب وتردي الواقع الخدمي التي جعلت أعمالها في تراجع كبير.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات