منذ أمس الخميس، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا بسبب القرار الجريء الذي اتخذته “نقابة الفنانين”، برئاسة محسن غازي، والذي منع بموجبه سبعة من أبرز المطربين من الغناء على الأراضي السورية. هذا القرار أثار جدلا واسعا لدى الوسط الفني والجمهور على حد سواء، حيث تعتبر النقابة أن هذه الخطوة خطوة جريئة وملموسة نحو ترسيخ القيم الأخلاقية والثقافية في المجتمع السوري.

وفقا للمصادر الموثوقة، فإن قرار المنع جاء نتيجة لما تحمله بعض الأغاني من كلمات غير أخلاقية ومسيئة، التي تؤثر بشكل سلبي في ذائقة الجمهور، سواء الأطفال واليافعين أو الكبار، وتتنافى مع العادات والتقاليد المجتمعية السورية، وأن هذا القرار يعكس حرص “نقابة الفنانين” على المحافظة على القيم والأخلاق التي تُعد جزءا لا يتجزأ من الهوية السورية.

السواس ووديع الشيخ أبرز الموقوفين

نقيب الفنانين السوري، محسن غازي، كان قد أعلن سابقا بكل جرأة أنه لن يتهاون في تطبيق مثل هكذا قرارات، وسيتم وقف أي مغنٍ يستخدم ألفاظا نابية أو طائفية، تحت طائلة المسؤولية الكاملة. وأشار غازي إلى أن هذا القرار يأتي كنتيجة للشكاوى المتكررة التي تلقتها النقابة بخصوص انتشار ظاهرة استخدام بعض المطربين لعبارات مسيئة وألفاظ نابية في أغانيهم.

نقيب الفنانين السوريين محسن غازي مع ريم السواس وسارة زكريا - إنترنت
نقيب الفنانين السوريين محسن غازي مع ريم السواس وسارة زكريا – إنترنت

بحسب ما ذكرته مواقع محلية نقلا عن النقابة، فإن الأخيرة بصدد الإعلان عن قرار منع لمجموعة مطربين من إحياء حفلات فنية على الأراضي السورية، وهم جاد الزعبي، وإنجي فرح، ومهند زعيتر، ووديع الشيخ، وفاطمة عثمان الملقبة بـ “ريم السواس”، وليال خوري، ومايا غانم.

هذا القرار قسّم الشارع السوري إلى قسمين، الأول يرى أنه يعكس التزام نقابة الفنانين في سوريا بمسؤوليتها الاجتماعية، وتوجّهها للمحافظة على الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية للمجتمع. فالفن ليس مجرد تسلية وترفيه، بل يحمل معه رسالة إيجابية يمكن أن يؤثر بها في نفوس الناس ويسهم في بناء مجتمع أفضل.

أما الشريحة الأخرى، فترى أن حماية الذوق العام تصطدم بحرية التعبير، ولهؤلاء الفنانين شريحة واسعة تستمع إليهم في سوريا وخارجها، وهو ما يعيد للذاكرة الحرب التي شنّها نقيب الموسيقيين المصريين، هاني شاكر، على مطربي المهرجانات خلال الأعوام السابقة، وفشل في كبحها.

أزمات “نقابة الفنانين” مع المطربين

قرار المنع الحالي لم يكن الأول، إذ بعد ورود شكاوي كثيرة تلقتها “نقابة الفنانين” في سوريا بخصوص السماح لمغنين يستخدمون عبارات ذات محتوى مسيء وألفاظا نابية، دفع النقابة لاتخاذ مجموعة من القواعد والإجراءات بهدف الحد من هذه الظاهرة. 

المغني وديع الشيخ - إنترنت
المغني وديع الشيخ – إنترنت

محسن غازي أكد منذ آب/أغسطس الفائت، أن النقابة ستوقف كل مغني يستخدم ألفاظا نابية أو طائفية تحت طائلة المسؤولية، وذلك قبيل حفل للمغنية ريم السواس في حلب عاصمة الغناء والطرب الأصيل.  

النقيب بيّن حينها أن النقابة ستُلزم المغنين بتوقيع تعهد بعدم استخدام هذه الألفاظ، وحذف كل المقاطع السابقة لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيكون ذلك تعميم للجميع، في أن نائب النقيب الموسيقار هادي بقدونس، استغرب في تصريح مماثل، من الجمهور الذي يحضر حفلات بأسعار مرتفعة ليسمع مسبّته من المغني.

في أواخر آب/أغسطس من العام الماضي، ضجت الأوساط الفنية في سوريا، بعد قرار “نقابة الفنانين السوريين” منع كل من المغنية ريم السواس والمغنية سارة زكريا من الغناء في سوريا، وذلك بسبب ما سمته “المستوى المتدني الذي تقدّمانه كلّ من السواس وزكريا في الحفلات الغنائية”.

النقابة أكدت أنها تمنع استخدام الألفاظ النابية في تقديم الأعمال الفنية، إلا أنه بعد وصول موسم دراما رمضان إلى آخر مراحله، وإعلان النقابة عن “تكريم خاص” للممثل السوري تيم حسن، وذلك رغم الانتقادات اللاذعة التي تعرّض لها من قبل جمهور الدراما، نتيجة استخدامه ألفاظ نابية خلال لعب دور “عاصي الزند” في مسلسل “الزند” الذي عُرض في شهر رمضان الفائت، الأمر الذي أثار حفيظة ريم السواس والعديد من مؤديّ الفن الذي تمارسه.

الكاتب السوري، ربيع عبد الرحمن، أشار في تعليقه على القرار، إلى أن الحل ليس بهذه الطريقة، إنما بالتثقيف الموسيقي وإشاعة الثقافة العليا، فإذا تم منع هؤلاء حضورا، لن يكون بمقدور النقابة منعهم على الإنترنت أو على محطات التلفزة، وبالتالي سيكون لهم جمهور خاص.

إحكام القبضة على الثقافة المحلية

في مصر تُعد أزمة مطربي المهرجانات هي الأبرز بين أزمات النقابة في عهد الفنان هاني شاكر، حيث شنّ شاكر حربا كبيرة ضدهم، وهو ما اعتبره البعض صراعا على كرسي النقيب، في الوقت الذي يرى فيه آخرون أن القرار تأخر بسبب ما يقدمه مطربو المهرجانات من أغاني تهبط بالذوق العام.

نقيب الفنانين السوريين محسن غازي في مجلس الشعب - إنترنت
نقيب الفنانين السوريين محسن غازي في مجلس الشعب – إنترنت

إلا أن هذه الحرب خرج منها خاسر واحد وهو النقيب، وفي سوريا ترى شريحة واسعة أن النقابة هي من ستكون الخاسر في هذه الحرب، كون من تم منعهم من المطربين لهم جمهور واسع في الدول التي يقيمون فيها وحتى خارجها خصوصا فيما يتعلق بوديع الشيخ وسارية السواس.

بحسب حديث المخرج الأردني، زيد أبو حمدان، لـ”الحل نت”، عندما يتم منع الفنانين المؤدين للأغاني الشعبية في أي بلد، يثار تساؤل حول دلالة ذلك على مدى تأثير السلطات وقبضتها على الثقافة المحلية. في سوريا، تناقش هذه القضية في ضوء الإجراءات التي اتخذتها السلطات لمنع بعض الفنانين من ممارسة فنهم والغناء للأغاني الشعبية.

من المهم أن النظر بحسب أبو حمدان إلى هذه المسألة بشكل شامل ومتوازن. فمنع الفنانين ليس يعني بالضرورة أن السلطات تحكم قبضتها على الثقافة المحلية بشكل مطلق. فيمكن أن يكون هناك أسباب متعددة لاتخاذ مثل هذا الإجراء، مثل الحفاظ على القيم الأخلاقية والثقافية للمجتمع، وضمان عدم نشر رسائل سلبية أو غير ملائمة.

على سبيل المثال، تُذكّر هذه الخطوة بأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والقيم في ظل التحديات الثقافية العالمية المعاصرة. ويعتبر الفن والثقافة الشعبية جزءا حيويا من التراث الثقافي لأي بلد، وقد يكون منع بعض الفنانين من الغناء للأغاني الشعبية جزءا من جهود حكومية للحفاظ على تلك الهوية والتراث.

مع ذلك، يرى أبو حمدان أنه يجب الحذر في تحليل تلك الإجراءات وتقييمها بشكل عادل ومتوازن. فقد يرى البعض أن هذه الخطوة تعكس قبضة السلطات على الحرية الفنية وتقييد حرية التعبير. وقد يشعر بعض الفنانين والجمهور بخيبة أمل تجاه قرارات المنع ويرونها انتهاكا لحقوقهم وحرياتهم الفنية.

لذا على السلطات أن تتخذ إجراءاتها بحكمة وحذر، وأن تفصل بين الرقابة الثقافية المشروعة وبين قمع الحرية الفنية. وينبغي أن يكون هناك حوارا بناء ومفتوح بين السلطات والفنانين والمجتمع المدني للتوصل إلى حلول مشتركة تحقق التوازن بين الحفاظ على الثقافة والهوية وضمان حرية التعبير الفني.

ريم السواس، ووديع الشيخ وغيرهم من المغنيين، تنتشر أغانيهم بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنهم يعملون دون رقابة، حيث تتضمن أغانيهم كلمات نابية وشتائم في بعض الأحيان، ما يجعلهم عرضة للانتقادات بشكل مستمر، في حين تعتبر شريحة من المجتمع أن أغانيهم تعبّر عن الواقع فهذه الألفاظ مستخدمة بكثرة في معظم أحاديث أفراد المجتمع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات