مشروع تحويل محافظة البصرة أقصى جنوب العراق إلى إقليم يعود إلى الواجهة مجددا، مع استعدادات القوى السياسية خوض انتخابات مجالس المحافظات المقررة إجراؤها في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر المقبل، حيث شهدت المحافظة إعلان تأسيس حركة “ناشطون” السياسية المستقلة، التي تضع ضمن أولويات متبنّياتها تحويل البصرة التي تمثل شريان العراق الاقتصادي إلى إقليم.  

تحويل البصرة التي تعد رئة العراق البحرية، حيث تطل على الخليج العربي بساحل يمتد على 58 كيلومترا من رأس البيشة وحتى “ميناء أم قصر” جنوبا، ويجري عبرها تصدير أكثر من 90 بالمئة من النفط، مشروعا طالما كان حاضرا منذ سنوات طويلة، إذ يجري طرح المشروع كبديل لحالة الإهمال والتهميش التي تعاني منها المحافظة، ولا تزال تدفع ثمنه.

على الرغم من أنها تطفو على بحر من النفط، إلى جانب كونها مركزا للصناعات التحويلية والزراعة والإنتاج الحيواني؛ تعاني البصرة من سوء الإدارة والتهميش الحكومي، فلا تزال عجلة الإعمار متأخرة فيها، بالإضافة إلى عدم حصول سكانها على كفايتهم من مياه الشرب المأمونة، على مدى ثلاثين عاما، الأمر الذي تسبب بمشكلات صحية أدت إلى موجات احتجاجات عارمة عام 2018.

زخم الانتخابات المحلية يستدعي “إقليم البصرة”

على هذا الأساس، يأتي تأسيس حركة “ناشطون” كمحاولة جديدة تبدو أكثر تنظيما للدفع قدما باتجاه فرض إقليم في البصرة، لاسيما وأن المحاولات السابقة بدت مشتتة وليس لها أي غطاء سياسي، الأمر الذي تركها مجرد شعار يُستخدم بين الفينة والأخرى، قبل أن تعود في الوقت الحالي مع الزخم السياسي الذي يشهده العراق استعدادا لانتخابات مجالس المحافظات المنتخبة آخر مرة في عام 2013، والمعلقة منذ العام 2019 بقرار قضائي على خلفية مطالب شعبية بإلغائها.

السبت الماضي، عقدت حركة “ناشطون”، مؤتمرها التأسيسي الأول في قاعة اتحاد رجال الأعمال بالبصرة، وقال أعضاء الحركة في مدونات نشروها أمس الأحد، على صفحات التواصل الاجتماعي إنه، ضمن سعي ناشطي “إقليم البصرة” إلى تشكيل كيان سياسي يدعو إلى “إقليم البصرة” والعمل على تحقيقه؛ تمكن ثلة من الكفاءات البصرية المستقلة والمخلصة من إقامة المؤتمر التأسيسي الأول لحركة ‘ناشطون’ المستقلة والتصويت على أعضاء المجلس السياسي للحركة وبحضور ممثلين عن المفوضية المستقلة للانتخابات.

أعضاء الحركة أعربوا عن أملهم بأن تستوعب الحركة كل بصري مخلص يدعو إلى مشروع “إقليم البصرة” للقضاء على ما وصفوه بـ “ديكتاتورية المركز المقيتة”، بالإشارة إلى الحكومة الاتحادية ببغداد، في حين تهدف الحركة إلى خوض غمار انتخابات مجالس المحافظات.

القائمون على الحركة، هم أشخاص وناشطون معروفون طالبوا على مدار السنوات السابقة بتشكيل “إقليم البصرة” على غرار إقليم كوردستان، الذي بات نموذجا يحتذى به ويشار له بالبنان في مناطق وسط وجنوب العراق، لما يشهده من تقدم وتطور في شتى المجالات وخاصة في قطاع الإعمار والبناء.

وسط هذه المحاولة التي تتبناها حركة “ناشطون”، وحول إذا ما كان مشروعها قابلا للتطبيق من عدمه، يقول الخبير السياسي العراقي علي البيدر، الواقع السياسي والأمني والاقتصادي وحتى المجتمعي الذي تعيشه محافظة البصرة، قد دفع الأهالي للمطالبة بأن تكون محافظتهم إقليما مستقلا، مبينا أن هذا الأمر يُعد استحقاقا دستوريا لا غبار عليه وهو من حق أي محافظة أن تقوم بهذه الخطوة.

البيدر أوضح، أن البصرة تُعد مصدرا اقتصاديا كبيرا لكن واقعها السيء دفع بأهلها للمطالبة باستنساخ تجربة إقليم كردستان، أملا في التخلص من الكثير من الأزمات لاسيما تلك التي تتعلق بالجوانب التي تخص الحضور السياسي لهذه المحافظة، حيث يشعر البصريون بأن سياسي المحافظة لا يمثلونهم ولا يمثلون محافظتهم، بقدر ما يمثلون جهات سياسية تسعى من خلالهم إلى تحقيق أجندتها ورغباتها، وهو ما أوقع الظلم على المحافظة وأرسى الطبقية فيها.

البصرة تؤجج مشروع الأقاليم في العراق

الخبير السياسي العراقي، لفت إلى أن الغبن الذي تعرضت له البصرة التي تمثل عامودا اقتصاديا للبلاد، والتجربة المريرة التي عاشتها، ربما ستدفع بباقي المحافظات العراقية للمطالبة بتحويلها إلى أقاليم للانفكاك من سطوة الحكومة المركزية التي أثّرت على بعض المحافظات وتركيبتها السكانية وواقعها، مشيرا إلى أنه ليس بالضرورة الحكم على المشاريع الفيدرالية بالفشل المسبق وذلك بالنظر إلى تجربة إقليم كردستان الفريدة بالمنطقة.

حركة “ناشطون” تطالب بـ “إقليم البصرة”/ إنترنت + وكالات

بيد أن البيدر، أشار إلى أن الأمر لا يتعلق بالتحول إلى الفيدرالية أو غيره بقدر ما يتعلق بطبيعة الإدارة، فليس بالضرورة عند تحويل محافظة معينة إلى إقليم هذا يعني أنها ستنجح فقد يكون الأمر ليس أكثر من إعادة ذات الفشل بحجم أكبر، لذلك أن المحافظات الحالية بوضعها الحالي لو تمت إدارتها بالشكل المطلوب لكانت أفضل من إقليم كردستان حتى، لكن الفساد والمحسوبية وسوء الإدارة والتخطيط قد أدى بها إلى واقعها الحالي.

أما عن إمكانية تطبيق مشاريع الأقاليم بالعراق في الوقت الحالي، يرى البيدر أنه بعد تجربة محافظة صلاح الدين شمال العاصمة بغداد عام 2011، قد يكون ذلك صعبا بسبب سطوة مركزية السلطة على القرار، لذلك لا يمكن تحول العراق إلى أقاليم في المرحلة الحالية، غيره أنه من الممكن أن تنضح الفكرة وتتبلور وتصبح مشروعا حقيقيا بعد عقد من الزمن مع زيادة الضغط وزيادة المطالبة الشعبية.

هذا ويعبر أهالي البصرة عن الامتعاض من المستوى المتردي لمشاريع الوزارات، معتبرين أن الحلول الحقيقية تبدأ بإعطاء البصرة الصلاحيات والأموال الكافية للنهوض بإعمار المحافظة، ما دفعهم للمطالبة بإقامة “إقليم البصرة” لتفادي الرجوع إلى المركز في كل صغيرة وكبيرة.

على هذا الأساس، انطلقت دعوات “إقليم البصرة” في وقت مبكر بعد الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، لكنها لم تتكلل بالنجاح لأسباب عدة، منها عدم موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد على السير بالإجراءات القانونية لإعلان الإقليم.

في عام 2008، انطلقت أولى المحاولات وقادها المحافظ الأسبق وائل عبداللطيف بدعم من حزب “الفضيلة الإسلامي” الذي كان يسيطر على مجلس المحافظة حينها، وتم إجراء استفتاء فشل في الوصول إلى النسبة المخولة قانونا، فيما اتهم المؤيدون لهذا الخيار المفوضية العليا للانتخابات بإجهاض الاستفتاء من خلال عرقلة الناخبين عن الوصول إلى مكاتب الاقتراع.

لماذا ترفض الحكومة العراقية “إقليم البصرة”؟

مع ذلك، تجددت المحاولة في العام 2010، حيث قدم عدد من أعضاء مجلس محافظة البصرة طلبا إلى الحكومة لإجراء استفتاء شعبي، لكن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي تجاهل الطلب.

بصريون يطالبون بتحويل محافظة البصرة العراقية إلى إقليم/ إنترنت + وكالات

بعد ذلك، برزت في العام 2014 حملة شعبية لإقامة “إقليم البصرة”، وبدا أن الأمور تتجه إلى الحلحلة بالنسبة إلى الداعمين، لكن سرعان ما نجحت الحكومة مجددا في احتواء الأمر من خلال الدفع بقانون إعلان البصرة عاصمة اقتصادية للعراق، الأمر الذي جعل تلك الحملة تخفت ولا تلقى التأييد اللازم من قبل الأهالي.

استمرارا لتلك المحاولات، أعاد البصريون طرح مشروع الإقليم خلال الاحتجاجات غير المسبوقة التي عرفها العراق في العام 2019، لكنها ظلت مجرد شعارات، حيث أنه لم يتوفر لها الدعم السياسي فضلا عن كونه تم حل مجالس المحافظات حينها بضغط من المحتجين الذي اعتبروها حلقة زائدة وإحدى أبواب الفساد، وفي ذات العام، صوت مجلس محافظة البصرة بالأغلبية المطلقة على تحويل المحافظة إلى إقليم، داعيا المحافظات الراغبة إلى الالتحاق بالإقليم المزمع.

إلى ذلك، يرى مراقبون أن دوافع عديدة تقود المنظومة السياسية المتنفذة في العراق إلى رفض إقليم في البصرة، أولها أنها تخشى من أن تقود هذه الخطوة إلى فقدان زمام السيطرة على محافظة تمثل ركيزة أساسية في رفد خزينة البلاد، وثانيا هناك تخوف من أن تنسج محافظات أخرى على ذات المنوال بينها المحافظات ذات الغالبية السنية، التي تبرز فيها بين الحين والآخر دعوات تطالب بإقليم.

يذكر أن الدستور العراقي الدائم ينص على حق “كل محافظة أو أكثر، في تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه”. وتتم العملية بإحدى طريقتين: “طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، أو طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات