في الوقت الذي تتهيأ فيه المفاصل الحكومية العراقية المعنية بإجراء الانتخابات المحلية المقرر إجراءها نهاية العام الحالي، تستعد القوى والتيارات المدنية في البلاد لخوض الانتخابات، للمنافسة على مجالس الحكومات المحلية، حيث تكثّف تحركاتها واجتماعاتها للتوصل إلى خارطة طريق مشتركة للمنافسة بناء عليها، الأمر الذي أثار تساؤلات حول فرص وحظوظ هذه القوى أمام القوى والأحزاب التقليدية.

في العراق هناك أكثر من تحالف مدني في هذه الانتخابات، حيث يبرز تحالف “قوى التغيير الديمقراطية” الذي يجمع أحزابا وكيانات شبابية نظمت نفسها عقب انتهاء الاحتجاجات الشعبية في العراق المعروفة باسم “انتفاضة تشرين” التي اجتاحت البلاد عام 2019.

من بين تلك القوى المدنية التي قررت خوض الانتخابات المحلية القادمة، “حراك البيت العراقي” و”حركة نازل آخذ حقي” و”البيت الوطني” و”حركة وعد”، إضافة إلى “التيار الاجتماعي والديمقراطي” و”الحركة المدنية” و”الحزب الشيوعي العراقي”، وكذلك نواب من “حركة وطن” التي تضم نوابا مستقلين.

تجربة القوى المدنية الثانية في العراق

مشاركة التيارات والقوى المدنية في انتخابات المحافظات العراقية، ستكون ثاني تجربة عملية ما بعد تجربة الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد أواخر العام 2021، بعد انقسامات حادة في المواقف ما بين القوى التي أفرزتها الاحتجاجات، بيد أن تجربة الانتخابات النيابية كانت قد أشّرت أن القوى المدنية تمتلك حظوظا تنافسية كبيرة، حيث حققت القوى التي شاركت في الانتخابات آنذاك نتائج إيجابية غير مسبوقة.

على هذا النحو، تسعى القوى المدنية التي تستعد للمشاركة في الانتخابات المحلية لشغل حيز أكبر ضمن الخارطة السياسية العراقية التي لا تزال قائمةً بناءً على المشهد السياسي الذي أسسته القوى والأحزاب التقليدية ما بعد العام 2003، حيث تطمح القوى المدنية في مزاحمة قوى “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” الموالي لإيران، ومن معها من أحزاب سنّية وكردية تقليدية، مستغلة استمرار سخط الشارع العراقي من العملية السياسية الحالية، وغياب “التيار الصدري” عن المشهد السياسي.

لكن حتى الآن لا يزال المشهد قاتما بشأن مشاركة القوى المدنية في الانتخابات المحلية القادمة، بخاصة في ظل وجود أغلبية عراقية ناقمة على المشهد الحالي، وفاقدة للأمل بشأن حدوث أي تغييرات جذرية، وهو ما أثبتته نتائج الانتخابات النيابية الماضية حيث كانت المشاركة فيها ضمن الأسوأ بتاريخ العراق، وفق ما أكدته جهات حقوقية، لاسيما في ظل هيمنة القوى التقليدية وامتلاكها المال السياسي.

غير أن هناك رأيا سائدا في الوقت الحالي حول حظوظ القوى المدنية التي عزمت أمرها في المشاركة بالانتخابات المحلية بعد مقاطعة أغلبها للانتخابات النيابية السابقة، حيث يرى مراقبون أن القوى المدنية الحالية تمتلك حظوظا كبيرة في ملء الفراغ السياسي الذي خلفه انسحاب “التيار الصدري” الذي يقوده رجل الدين الشيعي القوي مقتدى الصدر، من العملية السياسية، علاوة على منافسة القوى التقليدية الحالية التي تواجه نقمة شعبية. 

عمليا، كانت أولى خطوات القوى المدنية التي قررت المشاركة في الانتخابات المحلية القادمة، إنشاء تحالف انتخابي يجمع كل تلك القوى تحت اسم “قوى التغيير الديمقراطية”، وكانت تلك القوى قد أنجزت تشكيل تحالفها الانتخابي، في 23 حزيران/يونيو الماضي، وضم التحالف “الحزب الشيوعي العراقي” و”حزب البيت الوطني” والنائب المستقل في “البرلمان” العراقي سجاد سالم وحركة “نازل آخذ حقي” و”حركة وعد” وغيرها من القوى والأحزاب.

معوقات بطريق مشاركة القوى المدنية في الانتخابات المحلية العراقية

وسط ذلك، يرى رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري، أن عوامل عدة ستقف في طريق تحقيق أهداف مشاركة القوى المدنية، على رأسها امتلاك القوى التقليدية الممسكة بالسلطة خبرة أكبر في التعاطي مع ملف الانتخابات، خصوصا ما يتعلق بصياغة قوانين انتخابية تتطابق مع حدود نفوذها ومساحتها الجماهيرية.

القوى المدنية في العراق تستعد للمشاركة في الانتخابات المحلية/ إنترنت + وكالات

الشمري وفي حديث لموقع “الحل نت”، بيّن أنه لذلك تحاول قوى السلطة إخضاع مفوضية الانتخابات للمحاصصة، الأمر الذي سيسهم بشكل واضح في عدم تغيير الخريطة الانتخابية، مشيرا إلى أن القوى التقليدية لا تزال تمسك بموارد الدولة وتوظّفها لصالحها فضلا عن امتلاكها المال السياسي والسلاح والجمهور الحزبي المنظم.

أما حول إمكانية استغلال القوى المدنية عدم مشاركة “التيار الصدري” واستقطاب جماهيره، رجّح الشمري أن تستمر هذه المقاطعة، بإشارة إلى “المقاطعة الصدرية”، خصوصا مع تركيز قيادات التيار على الانتخابات البرلمانية، لافتا إلى أن التيار ما زال يعوّل على أن الضمانات التي تم توقيعها من قبل أطراف تحالف “إدارة الدولة” لإنهاء عمل الحكومة بعد سنة ونصف السنة قد تعيده إلى الواجهة من جديد.

الشمري بيّن أن خيار “التيار الصدري” بالمقاطعة لا يعني إفساح المجال لقوى “الإطار التنسيقي” في السيطرة المطلقة، لافتا إلى أن التيار ربما سيدعم بعض المقربين منه بشكل غير رسمي، أو حتى بعض الأحزاب الناشئة، لقطع الطريق على القوى التقليدية من الاستحواذ المطلق على الحكومات المحلية.

ستشمل الانتخابات المحلية المقبلة 15 محافظة من بينها كركوك، بعد آخر انتخابات محلية جرت في عام 2013، وتعتمد نظام الدائرة الانتخابية الواحدة بصيغة “سانت ليغو” بدلا من الدوائر المتعددة الذي كان معمولا به خلال الانتخابات التشريعية الماضية، الأمر الذي اعترضت عليه “قوى التغيير الديمقراطية”، معتبرة إياه تجاوزا للدستور وقيم الديمقراطية.

يشار إلى أن “مجلس الوزراء” العراقي، حدد في بيان جلسته الخامسة والعشرين، يوم 18 من شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل موعدا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023، “التزاما بالمنهاج الوزاري الذي تبنته الحكومة”، وأقرّه “مجلس النواب” في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي تضمن الالتزام بإجراء انتخابات المحافظات المعطلة بقرار قضائي منذ العام 2019، على خلفية مطالبات شعبية بحلّها.

حيثيات الانتخابات المحلية العراقية

السوداني رئيس الوزراء، كان قد تعهّد في برنامجه الحكومي إجراء انتخابات مبكرة بظرف عام، وإعادة إجراء انتخابات مجالس المحافظات، بعد تعديل قانون الانتخابات خلال 3 أشهر وفقا لما تُطالب به قوى “الإطار”، التي نجحت فيما بعد بالفعل في تغيير قانون الانتخابات الذي اعتُمد في انتخابات 2021 التشريعية، الذي اعتبرته سببا رئيسيا في تراجع حظوظها بالانتخابات النيابية بسبب تشتيت جمهورها بين الدوائر الانتخابية المتعددة.

معوقات تعيق مشروع القوى المدنية في انتخابات المحافظات العراقية/ إنترنت + وكالات

آخر انتخابات محلية كانت قد أقيمت عام 2013، قبيل عام واحد من سقوط عدد من المدن العراقية بيد تنظيم “داعش” عام 2014، مما أدى إلى تأجيل الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها عام 2017، وتمديد عملها من قبل “مجلس النواب” العراقي في عام 2018، لحين إجراء انتخابات جديدة، قبل أن يوقف عملها في نهاية 2019 استجابة للاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد في العام 2019، حيث أُجبر “مجلس النواب” بالتصويت على حلّها وإنهاء عملها، بوصفها حلقة فساد زائدة.

استنادا للدستور العراقي، تملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، كما أن لديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة، ومنذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 أُجريت ثلاث دورات انتخابية لاختيار أعضاء مجالس المحافظات العراقية أعوام 2005 و2009 و2013.

مجالس المحافظات المنتخبة تتولى مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وأيضا إقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية ببغداد، بحسب الدستور العراقي النافذ بالبلاد منذ عام 2005.

جدير بالذكر أن “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” في العراق كانت قد منحت إجازات لـ 268 حزبا سياسيا تم تسجيلها ككيانات سياسية، في إطار الاستعداد للمشاركة في الانتخابات المحلية، فيما فتحت المفوضية باب التسجيل أمام التحالفات والأحزاب الراغبة بالمشاركة في الانتخابات، نهاية تموز/يوليو المقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات