بعد عامين من استمرار البلاد دون موازنة عامة، وعلى خلفية أشهُر طويلة من التدافع السياسي، وبعد عدة جلسات نيابية على مدار أيام؛ أخيرا أقر “البرلمان” العراقي، فجر اليوم الاثنين، مشروع قانون الموازنة المالية لثلاث سنوات، بنفقات واستثمارات مرتفعة مدفوعة بالزيادة في أسعار النفط.

“البرلمان”، صادق على القانون الذي ينبغي أن يغطي ثلاث سنوات 2023 و2024 و2025، بعد نحو ثلاثة أشهر من رفع الحكومة لمشروع الموازنة، التي تبلغ قيمة النفقات المقترحة فيها 198 تريليون و910 مليار دينار، أي 153 مليار دولار لكل عام، تبلغ حصة إقليم كردستان منها، 12,67 بالمئة.

أما إجمالي الايرادات في الموازنة، فقد بلغ 134 تريليون و5 مليارات دينار، نحو 103,4 مليارات دولار، وذلك بناء على سعر برميل نفط 70 دولارا، حيث تشكل العائدات النفطية نسبة 90 بالمئة من إيرادات البلاد.

في حين يُقدر العجز بـ 49.5 مليار دولار، الرقم الذي يعتبر قياسيا مقارنة بالموازنة الأخيرة التي تم التصويت عليها في عام 2021، وبلغ العجز فيها حينها 19.8 مليار دولار، قبل أن يمضي البلاد في عام 2022 من دون موازنة بسبب الخلافات السياسية التي ضربت العراق وعطّلت تشكيل الحكومة لأكثر من عام على انتهاء الانتخابات المبكرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021.

مضامين الموازنة العامة في العراق

يشار إلى أنه تم تحديد سعر الصرف لإيرادات النفط بالدولار الأميركي في الميزانية عند 1300 دينار مقابل الدولار، وسيظل هذا ساريا حتى 2025 لكنه سيكون قابلا للتعديل، ويشمل سعر النفط الذي يستخدمه العراق في ظل اعتماده الكامل تقريبا على إيرادات النفط.

كذلك تضيف الميزانية أكثر من نصف مليون وظيفة جديدة إلى القطاع العام، مما يتعارض مع توصيات العديد من المراقبين الذين يقولون إن على العراق تشديد السياسة المالية، فيما تضمنت أيضا تغييرات في ما يتعلق بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين بغداد وأربيل في نيسان/أبريل الماضي، لفتح الطريق أمام استئناف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا، حيث توقفت الصادرات منذ آذار/مارس الماضي، بعد قرار هيئة تحكيم دولية أعطت الحق لبغداد في إدارة ملف النفط بالإقليم.

بحسب قانون الموازنة الجديد، يجب أن تمر صادرات نفط الإقليم حاليا عبر شركة تسويق المنتجات النفطية العراقية “سومو”، وأن لا يقتصر شحن النفط الخام على أدارة حكومة الإقليم، علاوة على ذلك، يجب على حكومة أربيل تسليم ما لا يقل عن 400 ألف برميل يوميا من النفط إلى بغداد، كما ينبغي إيداع الإيرادات المتأتية من تصدير نفط الإقليم في حساب مصرفي تفتحه وزارة المالية الاتحادية لدى “البنك المركزي” العراقي.

تشمل النفقات في الموازنة استثمارات بقيمة 49 تريليون و350 مليار دينار، ما يعادل 37.9 مليار دولار، إذ ستذهب خصوصا في بناء الطرقات والمشاريع السكنية والمدارس والمستشفيات، التي تشكل أولوية بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، في بلد تعاني بنيته التحتية من التهالك بفعل عقود من الحروب.

وسط ذلك، وبينما كان “صندوق النقد” الدولي، قد حذر الشهر الماضي من الاعتماد على الإيرادات النفطية في العراق، داعيا بغداد إلى وضع سياسة للمالية العامة أكثر تشديدا، فمن المتوقع أن يشهد القطاع العام في العراق نموا كبيرا ما قد يشكل ضغطا على الميزانية، في حين يتوقع البعض أن ينعكس إقرار الموازنة على حركة السوق، وواقع البلاد الاقتصادي الذي يمر بفترة من الكساد والغلاء جراء ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي.

انعكاسات وقتية مقابل غياب الاستراتيجية

حول ذلك، علق الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أن الموازنة التي أقرها “البرلمان” لعام 2023، هي نسخة طبق الأصل عن الموازنات السابقة ولا تختلف بشيء عبارة عن موازنة توزيعية تحتوي على بعض الفقرات الجديدة نوعا ما، ولكنها لم تحقق أي قفزة نوعية في العراق في حال صرفه المخصصات التي وضعت ضمن فقراتها.

مجلس النواب العراقي يصوت على إقرار الموازنة العامة لثلاثة أعوام/ إنترنت + وكالات

المرسومي أضاف، أن تنفيذ المشاريع في المستشفيات والمدارس وتبليط بعض الشوارع وبناء بعض المدارس أمر مهم جدا، ولكن السؤال هل ستنوع الموازنة الجديدة من الاقتصاد العراقي؟ والجواب لا، كون أن الموازنة لا تتضمن مشاريع إستراتيجية قادرة على تنوع الاقتصاد العراقي مثل بناء مصافي جديدة أو مشاريع نفطية أو بتروكيمياوية أو محطات سكك حديد التي من شانها أن تنهض بالاقتصاد العراقي.

مبينا، أن الموازنة بشكل عام تعتبر تقوية للمركزية وإضعاف للامركزية، وبمعنى أوضح فإن جل التخصيصات المالية في الموازنة أعطيت للوزارات يقابلها تخصيصات ضعيفة جدا للمحافظات، وعلى سبيل المثال فإن تنمية الأقاليم بلغت 2 ترليون ونصف فقط لـ 18 محافظة وحصة محافظة كربلاء أقل من 80 مليار دينار وهي محافظة تستقبل زيارات مليونية على مدار السنة والسماوة التي تعتبر أفقر ونسبة الفقر فيها 52 بالمئة، محافظة بلغت تخصيصاتها 88 مليار دينار وهي لا تكفي لتبليط شارع.

الخبير الاقتصادي لفت، إلى أن النقطة الإيجابية التي تم تشخيصها في الموازنة هو وجود صناديق تنمية، وهي “صندوق تنمية العراق” خصص له ترليون دينار، و”صندوق تنمية المحافظات الأعلى فقرا” وكذلك صناديق تنمية لسنجار والمناطق الغربية والمناطق المتضررة، وكذلك وجود تنفيذ سلسلة مشاريع من المدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة الكهربائية وهو تطور جديد وضع في الموازنة.

منوها إلى أنه شخّص أقوى سلبيتين في الموازنة وهي أن النفقات الثابتة كبيرة جدا في الرواتب والرعاية الاجتماعية ونفقات جولات التراخيص واستيراد الكهرباء وأجور المستثمر المحلي للكهرباء والتي تشكل حوالي 130 ترليون دينار وهي ثابتة في هذه السنة والسنوات المقبلة ولا يمكن تخفيضها وعلى سبيل المثال لا يمكن تخفيض مخصصات الرعاية الاجتماعية التي تصل إلى 28 ترليون في ظل مطالبات بزيادة الشمول ولا يمكن تخفيض الرواتب وكذلك مبالغ جولات التراخيص.

سلبيات الموازنة العامة

مشيرا إلى أن، مخصصات الأبواب المذكورة تتجاوز مبلغ عائدات النفط العراقي البالغة 117 ترليون والتي قد تدخله في مأزق مالي في السنة المقبلة كون أن هذه الموازنة ستستحق الفائض المالي المتحقق في عام 2022 والبالغ 23 ترليون، تم تدويره وكذلك تحقيق العراق مبلغ 50 ترليون فائض لعام 2022 من عام 2021 ذهب جزء منه إلى قانون الأمن الغذائي الطارئ بقيمة 25 ترليون دينار عراقي والذي تم انتقاده مرارا وتكرارا.

انعكاسات إيجابية متوقعة لإقرار قانون الموازنة العامة في العراق/ إنترنت + وكالات

أما السلبية الثانية المؤشرة، بحسب المرسومي، هو إقرار موازنة ثلاثية، إذ لا يوجد في الفكر المالي العالمي شيء اسمه موازنة ثلاثية، على الرغم من وجوده في القانون الإداري المالي، كون أن الموازنة أحد قواعدها الأربعة؛ هو سنويتها للتناسب مع المتغيرات الاقتصادية التي تسعى الموازنة إلى تحقيقها، وهي سنوية مثل معدل النمو الاقتصادي، ومعدل نمو الدين العام، مبينا أن فترة السنة تعتبر مثالية كون العراق معتمد على النفط وهو سلعة متقلبة السعر ولا يمكن أن يحدد بكم سيباع، أو سيحدد، كما ستجرّد الموازنة الثلاثية “البرلمان” العراقي من دوره الرقابي على الحكومة، وخصوصا فيما يتعلق بالاقتراض الداخلي والخارجي كونها ستمنحه الإذن بالاقتراض.

فيما أوضح أن العراق سيقترض هذا العام 41 ترليون ومن الممكن أن يقترض لسنتين، مؤكدا أن الموازنة التي تم إقرارها ستكون لهذا العام 2023 فقط، وتكرر نفسها لعام 2024 و 2025 مع إجراء بعض التعديلات من قبل الحكومة العراقية.

هذا وكان “مجلس الوزراء” العراقي، قد أقرّ في الـ 13 من آذار/مارس الماضي، أضخم موازنة مالية في تاريخ البلاد، التي زادت على 197 تريليونا و828 مليار دينار عراقي، أي نحو 152.2 مليار دولار، وبعجز إجمالي بلغ 63 تريليون دينار عراقي، مستغلا بذلك ارتفاع أسعار النفط عالميا، الذي يشكل أكثر من 95 بالمئة من عائدات البلاد المالية، وسط اعتراضات خبراء مال وقانون حيال بنود الموازنة، التي لم تأخذ طريقها إلى الإقرار حتى الآن بسبب الخلافات.

جدير بالذكر حول إقرار الموازنة، فإن “البرلمان” العراقي، طوال دوراته السابقة، اعتمد التوافق السياسي مبدأً أساسياً لتمرير القوانين، وهو ما أثر في تمرير القوانين المهمة التي يحتاجها المواطنون، في حين قد مضى عام 2022 دون إقرار موازنة للبلد، بسبب الأزمة السياسية، وكانت حكومة تصريف الأعمال السابقة قد حاولت إرسال موازنة، لكن منعت بقرار من المحكمة الاتحادية.

منذ العام الماضي، وحتى أمس، يسير العراق وفق المادة 13 أولا من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019، التي تنص على أنه؛ في حالة تأخر إقرار الموازنة العامة الاتحادية، يصدر وزير المالية توجيها بالصرف للنفقات التشغيلية، أبرزها مرتبات الموظفين التي تتجاوز شهريا الستة مليارات دولار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات