الحديث عن انضمام أوكرانيا يعود مع انعقاد قمة حلف “الناتو” يومي الثلاثاء والأربعاء، تزامنا مع تصاعد التهديدات الروسية إزاء المحور الغربي، ما يطرح التساؤلات حول الخطة الغربية لمواجهة روسيا خلال الفترة القادمة، مع استمرار الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

المحور الغربي حتى الآن، يرفض انضمام أوكرانيا بشكل رسمي لـ “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، رغم أن حديث الإنضمام يعود إلى عام 2008 دون وجود جدول زمني محدد، إلا أن الدول الغربية تواصل إطلاق التطمينات للقيادة الأوكرانية بشأن استمرار دعمها في مواجهة الغزو الروسي لأراضيها.

قمة الناتو المنعقدة حاليا، تناقش كذلك خطة مفصّلة وشاملة للدفاع ضد أي هجوم روسي محتمل على الدول المنضوية ضمن حلف “الناتو”، وهي خطة أكثر عمقا للتحالف العسكري بين دول الحلف لمواجهة القوات الروسية، فما هي أبرز الخيارات الغربية لمواجهة التهديدات الروسية لاحقا.

خطة غربية

الخطة الغربية، ستقوم بالتأكيد على هدم الأفكار الروسية، التي تسعى إلى تفكيك دول “حلف شمال الأطلسي” وإبعاد الولايات المتحدة الأميركية عن حلفائها الأوروبيين، خاصة وأن السكوت عن روسيا يعني مواصلة قضمها مناطق أوروبية، كما فعلت خلال العشرين سنة الماضية في جورجيا وأوكرانيا على مراحل زمنية متقطعة.

على الرغم من عدم تحديد زمن معيّن لانضمام أوكرانيا، فقد اتفق قادة “حلف شمال الأطلسي”الناتو”،  في قمّتهم المنعقدة في عاصمة ليتوانيا فيلنيوس على أن مستقبل أوكرانيا يقع داخل الحلف، كما تعهدوا “بالعمل بشكل وثيق للتصدي للتهديدات والتحديات التي تشكلها روسيا”، وفق بيان صدر الثلاثاء عن القمة.

في الوقت الذي تسبب عدم تحديد حلفاء الـ “ناتو” موعدا لانضمام أوكرانيا بشكل رسمي في إزعاج الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن قادة “الناتو” أكدوا استمرار دعمهم لأوكرانيا في مواجهتها للعدوان الروسي، على مختلف الأصعدة بما فيها العسكري، حيث أكد أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ، على اتفاق الأعضاء على خطة دفاعية شاملة لمواجهة روسيا، ومساندة كييف عسكريا.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، أكّد أن مواجهة حلف “الناتو” لروسيا، هي أول مواجهة حقيقية مع قوة كبيرة في أوروبا منذ عقود، مشيرا إلى أن هناك العديد من الخيارات الغربية لمواجهة روسيا، أبرزها ما يتم تنفيذه حاليا وهو استنزاف القوات الروسية عسكريا على المدى البعيد.

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “يعتبر  حلف الناتو أن هذه أول مواجهة حقيقية يخوضها مع قوّة كبيرة، وفي السابق كانت تجري تحت مظلته عمليات حربية ليست بالكبيرة أو مع عدو ضعيف كالحرب على طالبان عام 2001، ولا تشارك به كل دول الحلف، أما الصراع  الساخن الحالي فإن الناتو يخوضه بقلب القارة الأوروبية، ومع قوة عظمى تريد تفكيك الحلف وإبعاد الولايات المتحدة عن أوروبا، بل والسيطرة على أوروبا وتحطيم النظام الدولي الغربي الحالي وإنشاء نظام دولي جديد”.

مطامع روسية

المشروع الروسي هذا قائم منذ سنوات، فبعد احتلال أجزاء من جورجيا 2008 والقرم وجمهورتي الدونباس في أوكرانيا عام 2014، كانت النوايا الروسية واضحة  بأنها ستُعاود الكرّة لاحتلال باقي أوكرانيا من أجل تحقيق الحلم الروسي، ومنذ العام 2019 عندما جاء إلى الحكم الأوكراني رئيس موال للغرب، كان العمل جار على تعديل نيّة وعقيدة وتسليح الجيش الأوكراني من التوجه الشرقي للتوجه الغربي لمواجهة القوات الروسية.

برأي معراوي فإن حلف “الناتو” يمتلك خيارات عديدة خلال المرحلة القادمة لضم أوكرانيا، رغم أن الضم الكامل تعارضه الولايات المتحدة ودول أخرى، “لكن يمكن أن نرى ضم أوكرانيا بدون تفعيل  المادة الخامسة من ميثاقه التي تنص على مشاركة جميع أعضاء الحلف لأي عضو يتعرض للخطر أو لهجوم عسكري”.

قد يهمك: هل يُحفّز تمرد “فاغنر” الحركات الانفصالية الروسية؟

منذ بداية الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، تركزت الخطة الغربية على استنزاف الجهود العسكرية للقوات الروسية، ومحاولة إيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف الجيش الروسي، وذلك من خلال زيادة الدعم العسكري والتقني للجيش الأوكراني، الأمر الذي أدى إلى استعادة العديد من المناطق الأوكرانية من قبضة الروس.

حول ذلك أضاف معراوي، “رأينا موافقة واشنطن على تزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، إضافة إلى استنفاذ الموارد الروسية الاقتصادية التي تئن تحت عقوبات تاريخية لم يسبق لها مثيل ونعلم أن العقوبات الغربية تنال قطاع الطاقة الروسي  وهو المورّد الرئيسي للخزينة الروسية،  كل تلك الإجراءات ستُلقي بثقلها على المجتمع الروسي وتؤدي في البداية لتململ وامتعاض يتطور لاحتجاجات وعصيانات بسبب حرب لا تعنيه وإنما تعني الرئيس نفسه، وقد بدأت أولى التصدعات بالظهور في المؤسسة العسكرية  بتمرد مجموعة فاغنر على القيادة العسكرية”.

تهديدات روسية

إعلان حلف “الناتو” استمرار وقوفه إلى جانب أوكرانيا رغم “شبه المماطلة” في منحها العضوية، يبدو أنه جعل روسيا تشعر بالخطر، فبدأت تطلق التهديدات التي وصفها البعض بـ”المتهورة”، حيث حذر نائب سكرتيرمجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، من أن زيادة “حلف شمال الأطلسي” مساعداته العسكرية لأوكرانيا تقرّب الحرب العالمية الثالثة.

هنا أوضح معراوي أن الغرب، “لن يلقي بالا لكل التهديدات والاستعراضات والتخوفات الروسية لهم باستعمال الخيار النووي، فالعقيدة الروسية النووية لا تبيح استخدامه إلا بشروط محددة وصارمة ومنها تعرّض الأراضي الروسية لغزو خارجي وهذا لم ولن يحصل، ودأب ميدفيدف على تصريحات دورية  يوحي بها الرئيس بوتين، حول قرب اندلاع الحرب العالمية الثالثة واستخدام الأسلحة النووية، ويكاد لا يرد عليه أحد من الغرب لأن سلاح الردع المقابل موجود وقادر على إبادة روسيا”.

نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف (فرانس برس)

تجدر الإشارة إلى أن “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، هو تحالف عسكري أسسته 12 دولة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا، عام 1949، وقد أصبح اليوم يضم 31 دولة، وهناك اتفاق بين الدول الأعضاء على مساعدة بعضهم بعضا في حالة وقوع أي هجوم مسلح.

“الناتو” يسعى خلال السنوات الأخيرة وخصوصا بعد غزو أوكرانيا، إلى استكمال الهدف الذي أُنشئ لأجله، وهو مواجهة التوسع السوفييتي في أوروبا، حيث أن هناك  أوامر محددة حول المكان الذي يجب أن تذهب إليه القوات – وما يجب أن تفعله – في حالة قيام روسيا بالهجوم في أي من المناطق الثلاث، وهي القطب الشمالي وشمال المحيط الأطلسي، ووسط أوروبا، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.

بحسب تقرير لموقع “بي بي سي” فإن لدى “الناتو” حاليا 40 ألف جندي يمكن حشدهم في وقت قصير. وستتم مناقشة خطط إرسال 300 ألف جندي للعمل في غضون 30 يوما في المؤتمر الذي سيُعقد في ليتوانيا، ويريد قادة “الناتو” من الدول الأعضاء تحديث معداتها العسكرية وتخزين المزيد من الذخيرة.

بالعودة إلى مشروع انضمام أوكرانيا للحلف، فقد قال “الناتو” في عام 2008 إنه يمكن لأوكرانيا أن تنضم إلى الحلف في وقت ما في المستقبل، لكنه رفض طلبها الأخير للحصول على عضوية عبر “المسار السريع”، وذلك لأن المادة الخامسة من ميثاق “الناتو” تنص على أنه إذا تعرض أحد الأعضاء للهجوم، فيجب على جميع الأعضاء الدفاع عنه، وإذا أصبحت أوكرانيا عضوا، فسيتعين على دول الناتو، من حيث المبدأ، الدخول في حرب مع روسيا.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال الاثنين، إن بلاده بحاجة إلى ضمانات أمنية واضحة في قمة “حلف شمال الأطلسي” ، التي ستُعقد غدا في ليتوانيا، قبل الانضمام إلى الحلف، بينما تتصاعد المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية في جبهة باخموت.

يبدو أن الدول الأعضاء في حلف “الناتو” يمارسون سياسة الحذر في مسألة انضمام أوكرانيا، فهم لا يريدون على ما يبدو توريط الحلف بشكل كامل في حرب مباشرة مع روسيا وفق المادة الخامسة من ميثاق “الناتو”، لكنهم يؤكدون على استمرار دعمهم العسكري لأوكرانيا، وبالتالي مواجهة روسيا بسياسات مختلفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة