وسط تعثّر المساعي والوساطة الإقليمية والدولية، خاصة الخليجية منها، في تجديد الهدنة اليمنية أو التوصل إلى اتفاق نهائي لإنهاء الأزمة اليمنية التي طال أمدها، بسبب سلوك جماعة “الحوثي” واستمرار اعتداءاتها وخروقاتها، وعدم التزامها بأية حلول يتم اقتراحها من قِبل الوسطاء، بالإضافة إلى طرح اشتراطاتها، وبالتالي يشكل التصعيد “الحوثي” الأخير الذي شهدته مختلف الجبهات خلال الأيام الماضية تهديدا حقيقيا لهذه الجهود.

في خضم ذلك، ثمة تحذيرات أممية من تضاؤل ​​فرص السلام في اليمن، الذي يعاني من الحرب منذ سنوات طويلة، وهو ما ينذر بنسف كل الجهود الرامية لإحياء السلام وغرق البلاد في براثن الحرب مرة أخرى، وخاصة التهديدات المستمرة التي تورد من قِبل ميليشيات “الحوثي” والتي تؤشر ربما للعودة للقتال وإفشال جهود التهدئة، وهو ما يعزز الشكوك بشأن تغيير سلوكها.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول مدى خطورة التصعيد الأخير لـ”الحوثي” على مستقبل السلام في البلاد، واحتمالات دخول اليمن للحرب مرة أخرى، وهل يُعتبر التصعيد من قبل الجماعة بمثابة نسف للجهود الإقليمية والدولية، وتداعيات ذلك على الاتفاق السعودي الإيراني، والمكاسب التي تسعى إليها جماعة “الحوثي” من تحركاتها.

“الحوثي” ينسف الوساطات

مصادر سياسية ودبلوماسية يمنية ذكرت لموقع “البيان” الإماراتي، أن مطالب ميليشيات “الحوثي” بالحصول على حصة من عائدات تصدير النفط والغاز، وأن تتسلم رواتب جميع الموظفين مدنيين وعسكريين في مناطق سيطرتها لتتحكم بصرفها وفق ما تريد، حال دون إحراز أي تقدم في الجهود التي بُذلت من الوسطاء الإقليميين والدوليين.

أنصار ميليشيات “الحوثي” في اليمن يلوحون بالأسلحة- “أ ف ب”

كذلك، أعاق الانتقال إلى الجوانب الإنسانية، لا سيما تلك المتعلقة بزيادة الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء، وفتح الطرق بين المدن، وتوحيد “البنك المركزي اليمني”، وإنهاء التقسيم القائم في سعر العملة المحلية، وإبرام اتفاق طويل الأمد لوقف إطلاق النار.

هذا التعثر رافقه التزام من الأطراف اليمنية باستمرار التهدئة القائمة منذ عام ونصف العام، إلا أنها حذّرت من خطورة تصعيد ميليشيات “الحوثي” في جبهات محافظتي تعز ولحج ومحافظتي مأرب والحديدة. وأضاف أن إرسال المليشيات تعزيزات عسكرية إلى هذه المحافظات واستهداف مواقع القوات الحكومية هناك وإعادة التموضع في أطراف مديرية عبس وإسناد تلك المواقع بعربات قتالية ودبابات، تمثّل انتكاسة خطيرة للجهود التي بُذلت طوال العام الماضي من أجل التوصل إلى اتفاق شامل للحرب.

في هذا الصدد، يقول الكاتب والباحث السياسي اليمني، الدكتور ثابت الأحمدي، إنه ليس مع مصطلح التصعيد هنا؛ لأن حرب مليشيات “الحوثي” ضد اليمنيين مستمرة منذ بداية إعلان الانقلاب في 21 أيلول/سبتمبر 2015، وحتى اللحظة، ولم يتوقف يوما واحدا على الإطلاق.

على الرغم من التزام الحكومة الشرعية بالهدنات المتتالية التي يتم فرضها سواء من قبل الإقليم أو المجتمع الدولي. وهو التزام من أجل مصلحة الشعب اليمني أولا وأخيرا، وفق وجهة نظر الأحمدي.

الأحمدي يضيف في تصريح خاص لموقع “الحل نت”، أن جماعة “الحوثي” تقول غير ما تفعل، وتاريخه شاهد على هذا، ولدى اليمن عشرات التجارب معه على الأقل منذ انقلابه الأول على الدولة وإعلان الحرب منتصف حزيران/يونيو 2004، ثم ما لحق ذلك من المعاهدات والاتفاقيات التي ينقضها في الدقائق الأولى على إبرامها.

الأحمدي يشير إلى أنها “مشكلة عانينا منها نحن اليمنيون داخليا، واليوم يعاني منها الإقليم والمجتمع الدولي الذين يتعاملون مع هذه المليشيات بتخفف ولا يمارسون ضغوطات كبيرة عليهم، مع كونها جماعة إرهابية تفوق في إرهابها القاعدة وداعش وبوكو حرام”.

ميليشيات “الحوثي” يوم الأربعاء الفائت، وضعت شروطا جديدة للقبول بمساعي السلام التي تقودها “الأمم المتحدة” عبر مبعوثها إلى اليمن.

إذ قال القيادي “الحوثي” حسين العزي، الذي يحمل صفة نائب وزير الخارجية في حكومة “الحوثيين” إن “السلام والحوار اليمني اليمني يستدعيان فض التحالف وتحييد العنصر الأجنبي وإلغاء القرار 2216، ومن دون ذلك يبقى السلام مجرد كلام”.

في تغريدة له على منصة “تويتر” اتهم القيادي “الحوثي”، “الأمم المتحدة” بإطالة أمد الحرب في اليمن، وذلك لأن مبعوث غوتيريس ليس من صلاحياته إحلال السلام في اليمن لأنه ما يزال مقيّدا بمرجعيات تدعو إلى الاستسلام. وأضاف أن “المبعوث أيضا لا يستطيع أن يقود مفاوضات تفضي لوقف الحرب في اليمن لأن من يقود الحرب في الطرف الآخر ليس ضمن اختصاصه التفاوضي”، وأخيرا “الأفضل لمجلس الأمن أن يصمت لأنه هو من يطيل أمد الحرب والحصار على اليمن”.

سياسة “الحوثيين”

من جانبه، أعرب المبعوث الأممي لليمن هانس غرونبيرغ عن قلقه من التحركات العسكرية هذه، داعيا أطراف النزاع بالحفاظ على فائدة الهدنة المستمرة منذ انتهائها بشكل رسمي والعمل على وقف دائم وغير مشروط لإطلاق النار.

كما وحذر المبعوث الأممي من التحشيد العسكري الأخير لميليشيا “الحوثي”، وقال إنه “على رغم الانخفاض الملموس في القتال منذ بداية الهدنة، إلا أن الجبهات لم تصمت بعد، إذ وقعت اشتباكات مسلحة في الضالع وتعز والحديدة ومأرب وشبوة”، مضيفا “يساورني القلق إزاء التقارير التي تفيد بوجود تحركات للقوات بما فيها تحركات بالقرب من مأرب إضافة إلى استعراض لمقاتلين في إب أخيرا”.

مدينة تعز المحاصرة باليمن- “أرشيفية- العربية”

المبعوث الأممي طالب الأطراف إلى وقف الاستفزازات العسكرية والانخراط في اتفاق شامل لوقف إطلاق النار والانخراط الجدّي في مفاوضات السلام التي تقودها “الأمم المتحدة” لإنهاء الصراع في اليمن، وفق تقارير صحفية.

في الواقع هذه التصريحات من قبل المبعوث الأممي تنذر بدخول اليمن لحرب جديدة يبدو، فجماعة “الحوثي” من خلال التحشيد العسكرية وعدم الالتزام بالهُدن ومحاولة اقتحام المدن يعزز من فرص اندلاع صراع جديد، خاصة وأن هذه الميليشيا لا تريد إحياء السلام في البلاد، بسبب أطماعها بالاستحواذ على كامل البلاد.

الأحمدي يقول إن سياسة “الحوثي” تمضي على مسارين، الأول مسار عسكري إرهابي ميداني خشن، والمسار الآخر هو دبلوماسي تفاوضي خارجي ناعم، وبالنهاية يغلب المسار الأول على المسار الآخر. وهو ما يدلل بأن “الحوثي” أخطر من تنظيمي “القاعدة وداعش” اللذين ينتهجان خطا واحدا فقط وهو الخط العسكري الإرهابي.

“الحوثيون” هم مشكلة اليمن من قبل أن يعرف اليمنيون إيران، صحيح أن ثمة ارتباطا عضويا متينا بين الطرفين، لكنهم ينكرون أي اتصال لهم بإيران في الغالب، ثم إن طهران نفسها، وكما هو معروف عنها، تأخذ باليمين ما أعطته بالشمال، حسبما يراه الأحمدي.

هذا وتبادلت الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة “الحوثي”، اتهامات بالتسبب في تدهور سعر الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، ما أدى إلى مزيد من تفاقم أزمات في البلد الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، فيما عمّق تواصل توقف تصدير النفط عجز الحكومة عن الإيفاء بتعهداتها المالية.

التداعيات على الاتفاق السعودي الإيراني

في سياق متّصل، دشّنت محافظة تعز، يوم أمس الخميس، فعاليات “أسبوع التوثيق لذاكرة المدينة”، وذلك بالتزامن مع مرور 3000 يوم من الحصار الذي تفرضه ميليشيا “الحوثي” على المحافظة الواقعة جنوب غربي اليمن. وطالب محافظ تعز، نبيل شمسان، المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته تجاه حصار المدينة، داعيا إلى الضغط على “الحوثيين” لفك الحصار وإعطاء أولوية لتعز في أي محادثات قادمة، وفق تقرير لقناة “العربية“.

شمسان تطرق إلى الآثار الكارثية للحصار، والذي تسبب بتدمير البنية التحتية والخدمية وتدمير المنشآت وإغلاق الطرق ونزيف الأرواح بالقصف اليومي والقنص والألغام وصعوبة الحصول على الخدمات المعيشية والسفر وانتقال المرضى.

وزير الخارجية اليمني، أحمد بن مبارك، قال إن فك الحصار عن مدينة تعز وفتح المعابر والطرقات هي الاختبار الرئيسي أمام السلام ومجمل العملية السياسية في اليمن. أي أن نسف ميليشيا “الحوثي” للجهود الإقليمية والدولية يعني عدم الالتزام الجَدّي من قبل إيران في تواصلها مع السعودية، وفق الاتفاق الثلاثي الأخير بين طهران والرياض برعاية بكين.

بالعودة إلى الباحث السياسي اليمني، قال إنه لوحظ في الأشهر الأخيرة تصريحات لـ”الحوثيين” مفادها، “لسنا إيران ولا علاقة لنا بطهران، وسواء اتفقت السعودية مع إيران أو خالفتها، فليس لنا علاقة بالأمر”. وهو ما يعكس نوايا مستترة ضد أي فرصة للحل، رغم أن الجميع يعرف ارتباطهم القوي بإيران، وفق تعبير الأحمدي.

على أي حال، لا علاقة لليمنيين باتفاق الرياض-طهران الذي رعته الصين، إلا بالقدر الذي يؤثر على قضية اليمن بشكل إيجابي فقط، ويتوقع الأحمدي مقدما أن إيران ستأخذ استراحة المحارب فقط من هذه الاتفاقية، وسيعود إلى تدخله السافر في شؤون الآخرين من خلال جيوبه المزروعة في المنطقة العربية.

الكاتب والباحث السياسي اليمني، ثابت الأحمدي

لأجل ذلك كله، الوضع في اليمن لا يبشّر بخير على المدى الراهن بحكم تعنت المليشيات “الحوثية” ومواصلتها لعملياتها الحربية ضد اليمنيين، إضافة إلى تصريحاتها المستفزة بين الحين والحين، طبقا لحديث الأحمدي. وهو ما يعني عدم جَدّية “الحوثي” تجاه ما يتم طرحه مؤخرا من وساطات ومقاربات.

اليمن يشهد منذ أشهر تهدئة نسبية في الحرب التي بدأت قبل نحو 9 سنوات بين قوات الحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، وميليشيا “الحوثي” المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء، شمال اليمن، منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014.

طهران تلجأ عبر ميليشياتها “الحوثية” إلى استراتيجية الفوضى الأمنية والاستهدافات المتكررة للملاحة الدولية في الخليج العربي، بغية فرض نفسها كطرف له وزن وثقل في العديد من الملفات الإقليمية، وفرض شروطها، من أجل تحقيق أكبر نفوذ لها في المنطقة، وكذلك استخدام هذه الورقة للابتزاز في العديد من التفاهمات والمحادثات الإقليمية والدولية، ولذلك لا تجلس جماعة “الحوثي” على طاولة التفاوض بشكل جدّي، وتتهرّب عبر وضع شروط تعجيزية.

مقاتلون من الجيش اليمني متمركزون في جبهة للدفاع عن مأرب بمواجهة التصعيد الحوثي العسكري- “أ.ف.ب- أرشيفية”

خلال الفترة الماضية، بُذلت جهود أممية دولية لتحقيق حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفود سعودية وعُمانية إلى صنعاء، لكن تجديد الهدنة في البلاد لا يزال يواجه تعنّتا من جانب “الحوثيين” تجاه أي عملية سياسية حقيقية، وهو ما يهدد بنُذر حرب جديدة قد تندلع في أي لحظة في البلد المنهك على عدة مستويات.

بالتالي، من دون تحقيق أي نتائج ملموسة وإحياء سلام مستدام في اليمن، لا يمكن التعويل على نجاح التقارب السعودي الإيراني الأخير، وهو ما يعني أن طهران تمارس سياسة المراوغة وكسب الوقت وليس أكثر من ذلك، ولن تقدم تنازلات فعلية كما تدّعي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات