مرحلة جديدة من مراحل التطبيع التركي مع دمشق، يبدو أنها قد بدأت بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في تركيا، والحديث عن وضع موسكو لـ”خارطة طريق” حول عملية “التطبيع” بين الجانبين، وسط أنباء عن التحضير لعقد لقاء على مستوى الرئاسة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد.

تصريحات تركية عديدة خرجت خلال الفترة الأخيرة بهذا الشأن، ورغم وجود رغبة ثنائية معلنة بعقد هذا اللقاء، إلا أن الجانبان لا يتوقفان عن الاشتراط من أجل الموافقة على هذا اللقاء، في مؤشر على رغبة كل منهما في تعظيم مكاسبه السياسية خلال المرحلة القادمة من تطور العلاقات.

وجود القوات التركية في الشمال السوري هو أبرز المحاور الذي يدور حوله شروط كل من دمشق وأنقرة، إذ تسعى دمشق لفرض شرط انسحاب القوات من الشمال السوري لبدء عمليات التواصل بين الجانبين، في وقت تؤكد فيه أنقرة عدم وجود نية في المرحلة الراهنة على سحب قواتها من سوريا.

شروط قد تُفشل اللقاء الرئاسي؟

في مؤشر على استمرار الرغبة التركية في استمرار ملف عودة العلاقات مع دمشق بعد الانتخابات، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه منفتح على لقاء نظيره السوري بشار الأسد، ، لكنه يرى أن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية كشرط مسبق لإجراء محادثات “غير مقبول”.

Turkey’s Prime Minister Tayyip Erdogan (R) and Syria’s President Bashar al-Assad attend a news conference after their meeting in Istanbul June 7, 2010. REUTERS/Osman Orsal (TURKEY – Tags: POLITICS)

أردوغان أكد في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز” أن تركيا لم تُغلق أبواب التواصل مع دمشق من أجل عودة العلاقات، وذلك في استمرار للمسار التي اتخذته أنقرة قبل موعد الانتخابات، ما يعني وفق مراقبين بأن النهج التركي لم يكن قائما على “أهداف انتخابية”، رغم أن المخرجات والنتائج لم تكن بذات السياق حتى اللحظة على الأقل.

إلا أن شرط دمشق المتعلق بالانسحاب قد يعرقل استمرار عمليات التطبيع بين الجانبين، في ظل عدم وجود خارطة طريق واضحة من قبل تركيا للتعامل مع هذا الشرط سوى الرفض، حيث تؤكد أنقرة أن لديها ثلاثة أولويات حاليا هي”ضمان أمن الحدود ومكافحة الإرهاب، عودة اللاجئين، استمرار المفاوضات بين الحكومة والمعارضة من خلال دفع اللجنة الدستورية إلى الأمام”.

مع استمرار الحرب الدائرة في سوريا لأكثر من عقد من الزمان، ظهر سابقا تحرك تركيا باتجاه عملية “التطبيع” مع دمشق كإشارة واضحة على أن المصالح الاستراتيجية والأمنية تأخذ الأولوية في مواجهة التغيرات السياسية والعسكرية المستجدة في المنطقة. وأن النتائج المحتملة لهذه المفاوضات قد تشكل نقطة تحول في المشهد السوري، حيث قد ينعكس ذلك على العلاقات الإقليمية والدولية بشكل عام.

قد يهمك: إسرائيل تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.. ما التداعيات؟

الخبير في العلاقات الدولية عامر المالكي، رأى أن استمرار ملف عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق لا يعبر عن رغبة متبادلة حقيقية، إنما هي رغبة متبادلة لاستمرار الملف على الصعيد الإعلامي، لاستثماره في جوانب عديدة سياسية، لكنه لم يستبعد أن يحصل فعلا اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد.

عرقلة تركية؟

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “فكرة أن هناك وجود رغبة متبادلة من الأساس ربما بها نظر، فهذه الدعوات ومنذ أشهر معروف أنها دعوات سياسية كانت تفيد الطرفين في وقت ما، خاصة الطرف التركي الذي كان يريد أن يعكس لشعبه أنه عاد لسياسة صفر مشاكل، وكانت الاجتماعات فيما بينهما تؤجل دائما، هذه النقطة لأنه معلوم أنها نقطة اصطدام وكانت المباحثات تتركز على ما يمكن لا ما يجب”.

بعد الانتخابات التركية لم تعد الحاجة للاجتماع مع قيادة دمشق بذات الأهمية لأنقرة، لذلك فإن الجانبان عادا إلى نقطة الاصطدام، وتحديدا فيما يتعلق بوجود القوات التركية شمالي سوريا، وباتت هي النقطة الأولي التي يتم الحديث عليها في طاولة المفاوضات.

برأي المالكي فإن اللقاء على مستوى الرئيسين سيحصل في النهاية، لكنه لا يتوقع من هذا اللقاء أن ينتج عنه نتائج ستقدم المزيد لملف عودة العلاقات في ظل الظروف السياسية الحالية، وقد أضاف “بالنسبة لتداعيات اللقاء فلا أظن أن هذا اللقاء سينتج الكثير إذا لم يكن هناك حرية قرار للجانب السوري، لو ظل يراعي المصالح الايرانية والروسية في سوريا فهما بالأساس لا يريدان تركيا بسوريا سواء في الحرب أو حول كعكة إعادة الإعمار”.

وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران ودمشق يحضرون اجتماعا في موسكو، حول سوريا – إنترنت

في أعقاب فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، والحديث عن وضع موسكو لـ”خارطة طريق” حول عملية “التطبيع” مع دمشق، إلا أن الأوضاع في المنطقة على ما يبدو تتجه نحو مفترق طرق والعودة نحو النقطة الأولى. إذ إن تركيا التي كانت تُعتبر حليفا للمعارضة السورية، تبدو الآن وكأنها تستخدم قوتها ونفوذها للتفاوض مع دمشق على تسوية تناسب مصالحها الاستراتيجية والأمنية.

تلك الدلائل تعززت بنشر تقرير صحيفة “يني شفق”، المقرّبة من الحكومة التركية، يكشف عن أربعة شروط وضعتها أنقرة على دمشق للمضي قدما في عملية “التطبيع”. حيث يأمل الأتراك في الحصول على إجابات “مُرضية” من الحكومة السورية حول تلك المطالب التي قدّمتها.

مطالب أنقرة

هذه المطالب تتضمن تقدما في العملية السياسية في سوريا بطريقة شرعية وصحية، بما في ذلك صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات عامة تشمل جميع السوريين في جميع أنحاء العالم. كما تشترط تركيا تأمين عودة اللاجئين السوريين بضمانات كتابية لسلامتهم. ولا تقتصر المطالب على الجانب السياسي فقط، فتركيا تصرّ على التعاون بخوض عملية عسكرية في شرق البلاد، من خلال إنشاء مركز تنسيق عسكري يضم تركيا وروسيا وإيران والجيش السوري.

في هذا السياق، يتضح أن أردوغان أعاد وضع شروط جديدة لمساومة دمشق بهدف تحقيق مصالحه الإقليمية والاستراتيجية في المنطقة ومساومة دمشق على عملية عسكرية، أو أن خروج الجيش التركي من سوريا بات بلا موعد، وهنا تثار تساؤلات حول اعتبار انسحاب الجيش التركي من سوريا مرهوناً بحل مشكلة الإرهاب التي تدّعيها تركيا من طرف واحد، وكيف يمكن تحليل تلك الشروط الأربعة ومدى إمكانية تحقيقها في إطار “التطبيع” بين البلدين، وما تأثير هذه الشروط على جهود حل الأزمة السورية بشكل عام، وهل ستزيد من الفجوة بين الأطراف المتنازعة أم أنها قد تمهّد لتحقيق تقدم في العملية السياسية.

رغم سلسلة الاجتماعات التي حصلت بين أنقرة ودمشق، منذ مطلع العام الحالي، سواء السياسية أو الاستخباراتية والدفاعية، إلا أن الطرفين لم يصلا إلى نقطة توافق حتى الآن.

سابقا فرضت موسكو نوعا من التكتم على مجريات اللقاءات التي حصلت بين الدول الأربع حول عملية “التطبيع”، واكتفت وزارة الدفاع الروسية بالتشديد على أن “الروح الإيجابية التي سادت النقاشات”، إلا أن حديث أنقرة عن أربعة شروط يعني أنها كانت تستخدم الاجتماعات كأداة للضغط السياسي في الانتخابات الرئاسية وأيضا على الأطراف الأخرى المشاركة في الأزمة السورية.

مشهد مستقبل التطبيع بين أنقرة ودمشق ضبابي حتى الآن، وقد تختلف السيناريوهات المستقبلية بعد هذه التطورات حسب طريقة تنفيذ عملية “التطبيع” ونجاحها؛ ومع ذلك فإن نجاح أردوغان في تجاوز مرحلة الانتخابات، قد يؤدي به إلى محاولة إفشال التطبيع ورفض التواصل مع دمشق لاحقا بحجة أن الحكومة السورية تفرض الشروط لاستمرار هذه العملية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات