بعد أن كان ملف اللاجئين السوريين في تركيا ورقة استغلال وابتزاز واضحين من قبل الأوساط السياسية التركية قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو الفائت، من أجل تحقيق حظوظ انتخابية، هناك مخاوف لدى اللاجئين السوريين من مصير مجهول ينتظرهم، وسط تزايد عمليات ترحيلهم من تركيا.

على الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صرّح خلال حملته لانتخابات الرئاسة، عن عودة طوعية للسوريين إلى بلادهم، إلا أنه منذ أسابيع والحكومة التركية تكثّف من حملاتها لمضايقة وترحيل اللاجئين السوريين، تحت ذرائع عدة، من بينها ارتكاب مخالفات. ومع ذلك، فإن نتيجة أي مخالفة وإن كانت صغيرة، هي وضع اللاجئ في حافلة تقلّه إلى مركز الترحيل للتوقيع قسرا على “طلب العودة الطوعية”.

هذا الترحيل المنافي للقوانين والأعراف الدولية للاجئين السوريين اشتد بالتزامن مع تصريح وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، بحجة أن أنقرة تحارب المهاجرين الأجانب غير النظاميين، زاعما أنه “أصدر تعليمات بملاحقة المهاجرين غير الشرعيين في جميع أنحاء تركيا، وأن أعدادهم ستنخفض بشكل ملحوظ خلال 4 أو 5 أشهر”.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول تكثيف تركيا لترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم في هذا الوقت بالذات، وما إذا كان يمكن اعتبارها أدوات ضغط جديدة ذات أبعاد سياسية، خاصة وسط تباطؤ في التقارب بين أنقرة ودمشق، وما احتمالات تزايد حملات ترحيل اللاجئين السوريين إلى شمال سوريا وانعكاساتها عليهم، وعلى الهجرة غير الشرعية صوب أوروبا.

أسباب تزايد ترحيل السوريين

وسط تصاعد عمليات ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطق الشمال السوري خلال الأسابيع الماضية، أردف وزير الداخلية التركي، أن أجهزة الشرطة التركية ووحدات إنفاذ القانون تقوم بفحص جوازات السفر والهوية والوثائق في كل مكان داخل تركيا، وعند العثور على مهاجر غير نظامي يتم إرساله إلى مراكز احتجاز، حيث يتم أخذ بصمات الأصابع، ومن ثم تحويله إلى إدارة الهجرة تمهيدا لترحيله.

حملة ترحيل جديدة ضد اللاجئين السوريين في تركيا- “رويترز”

كما وزادت أجهزة الشرطة عمليات التفتيش بشأن المهاجرين غير النظاميين في إسطنبول بشكل خاص وباقي الولايات التركية بشكل عام. وبحسب ادعاءات السلطات التركية فإن ترحيل اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها باتجاه الشمال السوري، لا يشمل سوى أولئك الذين خالفوا القوانين بعدم امتلاكهم للأوراق النظامية سواء بطاقات الحماية المؤقتة أو الإقامات قصيرة الأمد، وفق تقرير لقناة “الحرة” الأميركية.

إلا أن العديد من النشطاء والتقارير الحقوقية تقول عكس ذلك، حيث يواجه الكثير من اللاجئين السوريين الآن موجة ترحيل قسري طالت عشرات الآلاف، وفق تقرير لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان“، يوم الجمعة الماضي.

طبقا للتقارير الحقوقية، فإن عمليات الترحيل القسري للسوريين في تركيا طالت زهاء 30 ألف شخص منذ مطلع السنة الجارية. وتصاعدت تلك العمليات بشكل ملحوظ بعد إعادة انتخاب أردوغان رئيسا للجمهورية، بعدما كان اللاجئون يتوقعون بأن الحملة الإعلامية الممنهجة ضدهم ستتلاشى مع وجود بقاء أردوغان على سدّة الحكم.

في السياق، يقول الحقوقي والمحامي السوري غزوان قرنفل لموقع “الحل نت”، إن عمليات ترحيل السوريين لا تنفصل عن مجمل السياسات التركية الداخلية والإقليمية، فهي مرتبطة داخليا بما تقرر قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكذلك بالوعود الانتخابية والتحالفات التي تم إجراؤها، والتي تعتقد أن الوقت قد حان لإغلاق ملف اللاجئين والبدء بترحيل المليون الأول إلى الشمال السوري.

كما أن هذه الإجراءات التركية بحق اللاجئين السوريين لا يخرج عن إطار سياسات تركيا الإقليمية المتعلقة بالملف السوري ككل، والاستدارة السياسية الكاملة في هذا الشأن، ومن أسباب ذلك الرغبة في إنهاء ملف اللاجئين، بالإضافة إلى أن هذه الحركة تأتي ضمن جوقة السياسات الإقليمية لدول الجوار المرتبطة بالتطبيع مع حكومة دمشق وإعادة تعويم الرئيس السوري بشار الأسد، وإعادة اللاجئين حسبما يحلله ويراه قرنفل.

تركيا تراوغ وتبتز مجددا

وسط أنباء عن التحضير لعقد لقاء على مستوى الرئاسة بين أردوغان والأسد، إلا أن الجانبين لا يتوقفان عن الاشتراط من أجل الموافقة على هذا اللقاء، في مؤشر على رغبة كل منهما في تعظيم مكاسبه السياسية خلال المرحلة القادمة من تطور العلاقات.

اليوم الإثنين، قال مدير الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون، إن الإصرار على انسحاب القوات التركية من سوريا في هذه المرحلة “لا معنى له”، لافتا إلى أن وجود القوات التركية في سوريا ضمانة لسلامة أراضيها، مضيفا أن “تحقيق نتائج ملموسة في الحرب ضد الإرهاب أمرٌ حتمي لإحراز تقدم في التعامل مع بشار الأسد”، في إشارة إلى مسار التقارب بين أنقرة ودمشق.

ألتون أوضح في مقابلة خاصة مع صحيفة “ديلي صباح” التركية، أن حكومة دمشق يجب أن تتصرف بنفس الطريقة حتى تسفر هذه العملية عن نتيجة، زاعما “نواصل عملية انخراطنا مع دمشق في شكل رباعي من دون شروط مسبقة وبحسن نية”.

في الأثناء وعلى مدى الأسبوعين الماضيين لم تتوقف الأخبار المتعلقة بترحيل السوريين من مدينة إسطنبول بين أوساط اللاجئين وحساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وجاءت الحملة بعد أسابيع من تعيين أردوغان وزيرا جديدا للداخلية وواليا لإسطنبول، فيما أقدم الأسبوع الماضي على تغيير كامل الطاقم الخاص بـ”مديرية الهجرة العامة”، وبموجب مرسوم رئاسي.

بالعودة إلى قرنفل، يقول، صحيحٌ أن الأسد لا يريد عودة اللاجئين السوريين إلى البلاد، لكن إذا كان ذلك مرتبطا بضخ الأموال له ولسلطته، تحت بند إعادة إعمار المناطق المدمرة، فلن يمانع في ذلك. وبالنظر إلى خبرة وتكتيكات حكومة دمشق في إعادة ضبط السوريين والتأكد من امتثالهم وخضوعهم لسلطتها، فلن يتم توظيف معظم أموال إعادة الإعمار الخاصة بهم بشكل شفاف وصحيح، وبالتالي سيظل السوريون في حال عودتهم بلا مأوى ومستقبل أو عمل، هذا إن لم يتم اعتقال نسبة كبيرة منهم، مما سيسبب العديد من المشاكل وعلى عدة مستويات.

في ظل تراجع الاقتصاد التركي بشكل كبير، يبدو أن أردوغان يحاول اتّباع الاستراتيجية الشعبوية التي اعتاد عليها، والتي تضرب على وتر الوطنية، واللعب بأوراق تنال رضى وتأييد الشعب التركي، وهو الإظهار ولو بشكل مؤقت بأنه يعمل على تنفيذ وعوده وخططه لإنقاذ اقتصاد البلاد وعودة اللاجئين السوريين، خاصة وأن الأتراك يعتقدون أن الأزمة الاقتصادية سببها اللاجئين السوريين وليست سياسات أردوغان الخاطئة. وفي دراسة نشرتها “الأمم المتحدة”، في وقت سابق، تبيّن أن 82 بالمئة من الأتراك يرون ضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان-“إنترنت”

لذلك يُعد ملف اللاجئين السوريين من الأوراق المهمة التي يلعبها أردوغان في هذا التوقيت بالذات، بالإضافة إلى أنه من غير المستبعد أن أردوغان يلعب بهذه الورقة في رسالة واضحة لتهديد شروط التقارب مع الحكومة السورية التي تساوم على ورقة اللاجئين ولا تريد إعادة هؤلاء اللاجئين، نظرا لاقتصادها المنهار والبنية التحتية المدمرة لمناطق واسعة من سوريا، وعدم قدرتها على احتواء أعداد إضافية من السوريين، وبالتالي فإن حدوث تقارب كبير بين أنقرة ودمشق مستبعدٌ في الوقت الحاضر، إلا إذا تغيرت شروط “التطبيع” بين الطرفين، وهو أمرٌ مستبعد حتى اليوم.

العودة ليست طوعية!

المحامي السوري يضيف في سياق ادعاء السلطات التركية أنهم يعيدون اللاجئين السوريين طواعية، أن كلمة عودة طوعية مجرد هراء وتجارة في العناوين والقوانين، مستدركا بالقول “هل هناك أي عاقل يعتقد أن السوري سيعود بمحض إرادته إلى الجحيم الذي تركه بإرادته”.

قرنفل أشار إلى أنه لم تحدث أي حالة ترحيل طواعية للسوريين. وهذه العمليات عبارة عن ترحيل قسري حتى لمن يحمل وثائق تثبت تواجده بطريقة شرعية على الأراضي التركية. وأن الترحيل هو باب تم فتحه ولن يُغلق أبدا. ويعتقد قرنفل أنه في غضون سنوات قليلة، لن يتجاوز عدد أصابع اليد أعداد اللاجئين السوريين في تركيا، حيث سيبقى أقل من نصف مليون سوري فقط في تركيا، بمن فيهم أولئك الذين حصلوا على الجنسية التركية، وسيغادر الباقون أو يتم ترحيلهم.

بحسب النشطاء وبعض التقارير الصحفية، فإن السلطات التركية رحّلت آلاف السوريين خلال الشهور القليلة الماضية، وأنه في مايو/أيار الماضي تم ترحيل نحو 966 لاجئا، وفي يونيو/حزيران الماضي نحو 1538، وفي يوليو/تموز الحالي تجاوز العدد الـ 700 لاجئ.

هذا وكان من بين عمليات ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطق شمال سوريا خلال الأيام الماضية صحفيون أيضا، وفي هذا الصدد، طالبت منظمة “مراسلون بلا حدود” السلطات التركية بعدم ترحيل الصحفيين السوريين المقيمين على أراضيها إلى بلادهم، وحذرت من إمكانية تعرضهم للسجن والاختطاف أو القتل، في حال إعادتهم إلى سوريا.

إثر سياسة وإجراءات تركيا تجاه ترحيل اللاجئين السوريين، فإن جملة من الانتقادات تطالها، حيث تقوم السلطات التركية وبذرائع عدة بترحيل ما بين 50 إلى 100 لاجئ سوري يوميا صوب الشمال السوري الخاضع لإدارة فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من أنقرة، على الرغم من حمل هؤلاء اللاجئين لأوراقهم النظامية ويحملون بطاقة الحماية المؤقتة.

هذه الحملات والمضايقات بترحيل اللاجئين السوريين من تركيا، وسط عدم توفر بيئة مناسبة لعودتهم، من حيث تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وغياب شبه تام لمعظم مقومات الحياة ضمن المخيمات والمجمعات السكنية التي تأوي آلاف النازحين.

بالتالي ستكون لحملات الترحيل آثار سلبية كبيرة على السوريين، وقد تنشط وتفتح موجة من الهجرة غير الشرعية مرة أخرى نحو أوروبا، الأمر الذي سيترك آثارا سلبية على السوريين ودول “الاتحاد الأوروبي” معا، وبالتالي قد تكون هناك إجراءات أوروبية صارمة في هذا الصدد، وبالتالي سيواجه السوريون مصيرهم لوحدهم، سواء في العودة القسرية إلى سوريا، أو المخاطرة بحياتهم صوب اللجوء إلى بلد آخر قد يحميهم من حملات الاستغلال والابتزاز التركي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات