في أعقاب زيادة تقنين المياه والكهرباء في سوريا، أصبح حلم السوريين في الداخل تشغيل غسالة ملابس ولو مرة واحدة في الأسبوع. ويبدو أن الناس في سوريا سيعودون إلى “زمن ستي وستك”، كما يقولون، وهو التخلي عن الغسالات واللجوء إلى الأساليب البدائية كما كان الحال في السابق، قبل توفير الغسالات والكهرباء، وهو غسل الملابس على اليدين.

أصبحت أزمة الكهرباء والمياه المستمرة أكبر مصدر قلق يصاحب الحياة اليومية للسوريين. بل أصبحت من أكبر الهموم، حيث لا يُعقل أن يصبح حلم كل بيت استكمال “وجبة الغسيل” في الغسالة، نتيجة انقطاع الكهرباء أو المياه، وسط تخوف عودة البلاد إلى العصور القديمة، تزامنا مع استمرار الأزمات الخدمية، من الكهرباء والمياه والغاز.

“غسل الملابس”.. بوسائل بدائية

حول معاناة السوريين من أزمة الكهرباء، تروي إحدى السيدات معاناتها مع الغسيل قائلة، “أضع الغسيل في وعاء بلاستيك كبير، بعد أن فرزت الملابس بين الأبيض والملون، وأضع الماء الذي سخّنته، ثم أضيف مسحوق الغسيل تمهيدا لبدء غسل الملابس تدريجيا على اليدين، بدءا من الأبيض ثم الملون..”، وكأن عداد التاريخ اتخذ قرارا بإعادة السوريين إلى زمن الأجداد وآباء الأجداد عندما كانت النسوة يغسلن على أياديهن أمام المنزل أو على نبع مياه القرية، وفق تقرير لموقع “أثر برس” المحلي يوم أمس الثلاثاء.

بينما تقول بعض السيدات إن “غياب الكهرباء والماء حوّلا الغسالة لتحفة فنية في المنزل لا فائدة منها سوى أنها تُخفي عيب الحائط خلفها، ونجتمع نحن نساء العائلة، والجارات على السطح قُبيل المغرب، وأمام كل واحدة منا، طشت غسيل، وتبدأ حفلة الغسل اليدوي، ونتبادل الأحاديث ونشرب المتّة، والشاي”.

من جانب آخر، أفاد استطلاع أجرته إذاعة “نينار إف إم” المحلية، أن أهالي بعض القرى في ريف صافيتا يشكون من قلة المياه منذ ثلاث سنوات، ولم تقم الجهات المعنية بإيجاد حل لهذه المشكلة حتى الآن، ومشكلة شحّ المياه موجودة في عموم المحافظات السورية وليس فقط في منطقة معينة.

من جانبه، نفى رئيس وحدة صافيتا، عبد الكريم سويقات وجود مشكلة كبيرة بتوفير المياه في مناطق ريف صافيتا، وأن الوضع مستقر بشكل عام ولا توجد شكاوى كبيرة، وأرجع ذلك لعدم توفر الكهرباء التي لا تأتي إلا لمدة نصف ساعة فقط، وبالتالي لا يستطيع ضخ كافة مضخات المياه وبالتالي لا يتم إيصال المياه إلى جميع المناطق وخاصة المناطق الجبلية المرتفعة.

من جانبهم انتقد المتابعون حول تقنين المياه والكهرباء بشكل جائر في عموم سوريا، فكتب أحدهم “ليش بس صافيتا.. هي قرى حمص لاكهربا ولامي، ماحدا بيشتكي لأنو ما في حل والحكومة إلها سنين عم تكذب علينا، بصراحة الاستخفاف والاستهتار بحال ناس شيء معيب فوق كل القهر والفقر”.

يقول البعض إنه نتيجة ندرة المياه لا يمكنهم تشغيل الغسالات حتى في الأوقات التي يتم فيها توفير الكهرباء، لأن الوجبة الواحدة في الغسالة تستهلك نصف خزان المياه، وبسبب ندرة الماء لا يمكن للناس التخلي عن نص خزان مياهها من أجل غسل الثياب، ولذلك يلجؤون إلى طرق بدائية لقضاء حاجتهم.

تكاليف أعطال الغسالة

في سياق متّصل، فإن أي عطل صغير في الغسالة، يفتح الباب واسعا أمام عامل الصيانة “المصلّح” ليشكك بعمل عدد كبير من القطع في الغسالة، والتي يبدأ بدفعها للتسلل على مهل إلى حسابات صاحب الغسالة، ويقوم بعملية الجمع الفورية بين كل قطعة وسعرها في السوق أو أن يدبرها “المصلّح” مستعملة.

إحدى السيدات تقول في هذا الصدد، “صدر عن الغسالة صوتا قويا في منتصف دورة التشغيل، لكن انتظرت عدة أيام قبل إصلاحها لحين تأمين المال، وبعد مرور 10 أيام حصلنا أنا وزوجي على سلفة من العمل ليخبرنا بعدها المصلح أن فيها أعطال عدة، مثل كسر في المضخة وكسر في الإكس، كما أن الرومانات لا نعرف إذا كانت تعمل جيدا، بالإضافة إلى قطع أخرى، وتكلف كثيرا خاصة أن جميع القطع غالية، والمستعمل في حال وجد فإنه مرتفع أيضا، ناهيك عن أجرة عمل المصلّح”.

السيدة ذاتها أشارت إلى أن المصلّح طلب سلفة 200 ألف ليرة سورية، ليأخذ الغسالة إلى محله ويبدأ بفحص القطع وتبديل القطع المعطلة، دون أن يفصح عن الكلفة التقديرية لإصلاح الغسالة بالمجمل.

كما وأضافت “لم يخرج مصلّح الغسالات من بيتنا قبل أن يمنحنا جرعة تفاؤل كبيرة ويرفع من معنوياتنا إزاء المال الذي دفعناه، وقال أشكر ربك أستاذ أن الغسالة اللي عندك قديمة، لأنها إن كانت جديدة لكانت أول سلفة بين 500-700 ألف لأن القطع غالية”، مؤكدا أن الغسالات الحديثة ذات الشاشة الرقمية هي الأكثر أعطالا حالياً بسبب أزمة تقنين الكهرباء.

هذا ولم يعد ارتفاع الأسعار “الجنوني”، محصورا بالسلع والمواد، بل قد طال أسعار صيانة الأدوات، والأجهزة الكهربائية التي لا تخضع لأي رقابة من قِبل الجهات المعنية في حكومة دمشق، حيث تتجاوز تكلفة إصلاح براد أو غسالة، 300 ألف ليرة، وسط انهيار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، وتدني مستوى الرواتب والمداخيل.

بحسب تقارير محلية سابقة، فإن تكلفة إصلاح ثلاجة، تتجاوز 200 ألف ليرة سورية، والبراد 300 ألف ليرة، ومحرك البراد يُباع وفق سعر الصرف الرائج بـ 330 ألفا، ولوحة غسالة بـ 600 ألف ليرة.

لا حلول قريبة

في ظل ازدياد ساعات تقنين الكهرباء وعدم وجود حلول تلوح في الأفق بخصوص هذه الأزمة، فإن الناس باتوا يلجؤون لنظام “الأمبيرات”، وفي استطلاع للرأي أجرته الإذاعة المحلية “نينار إف إم” حول آراء الناس حول الكهرباء ونظام “الأمبيرات” في محافظة حلب مؤخرا، أظهر أن الكهرباء تأتي ساعة واحدة فقط كل 12 ساعة، وأنهم يعتمدون الآن على “الأمبيرات” وأن كل منهم يدفع ما لا يقل عن 50 ألف ليرة سورية شهريا حتى يتمكن من تأمين أمبير واحد لمنزله.

من جانب آخر قالت إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، في تقرير سابق، إن واقع الكهرباء ازداد سوءا في معظم المحافظات خاصة في الأشهر القليلة الماضية، إذ وصلت ساعات القطع إلى 7 ساعات مقابل ربع ساعة وصل في عدة قرى ومناطق بمحافظة اللاذقية على سبيل المثال، التي بات سكانها ينشدون المساواة مع باقي المحافظات على الأقل.

ساعات تغذية الكهرباء تختلف من منطقة لأخرى في عموم المحافظات، فمثلا في دمشق، تصل ساعات التغذية في بعض المناطق مثل الزاهرة الجديدة مسبق الصنع تحديدا والبرامكة والعدوي إلى ثلاث ساعات قطع ويقابلها ثلاث وصل.

بينما التقنين في أغلب المناطق الأخرى هو ساعتين وصل مقابل 4 ساعات قطع، ويتخلل ساعات الوصل انقطاعات متكررة في بعض الأحيان، كما أن بعض الأيام تشهد انقطاعا لخمس ساعات متواصلة مقابل ساعة وصل واحدة.

حال دمشق تعتبر جيدة مقارنة مع أغلب مناطق الريف، حيث تصل ساعات القطع إلى 5 ساعات مقابل ساعة واحدة وصل في أفضل الأحوال، بينما يشتكي سكان بعض القرى والأحياء في النبك وجديدة عرطوز وقطنا، من كثرة الأعطال في الكهرباء إذ تصل ساعات الوصل إلى نصف ساعة فقط مقابل عدد غير محدد من القطع.

أما في محافظات حمص وحماه وحلب، فإن ساعات وصل الكهرباء تتراوح بين نصف ساعة وساعة في أحسن الأحوال مقابل خمس ساعات قطع، كما تشتكي محافظتا حمص وحماه، من الحماية الترددية التي تؤدي إلى فصل التيار بشكل متكرر خلال فترة الوصل، مما يزيد من المعاناة ويؤدي لأعطال في الأجهزة الكهربائية.

مع دخول فصل الصيف بكامل حرارته المُطلقة، يتحول البحث عن وسائل لمواجهة موجة الحر إلى أمر ضروري للسوريين الذين يعيشون في ظروف قاسية. إلا أن ما أثار موجة سخرية واسعة مواقع التواصل الاجتماعي، هو طرح سؤال غريب وغير تقليدي عبر إحدى الإذاعات المحلية، يتعلق بالطرق المبتكرة لمواجهة الحرارة والشوب، محددا أن تكون هذه الطرق بدون الاعتماد على الكهرباء، وفجأة انتشرت موجة من التهكم والسخرية حول هذا السؤال العجيب والغامض.

تصاعد السخرية والتهكم يأتي نتيجة انتشار أفكار طريفة وغريبة لمواجهة موجة الحر دون الحاجة للكهرباء، حيث تنوعت التعليقات بين الساخرة والمضحكة، إذ اقترح البعض استخدام بخاخة “ويندكس” قديمة، وملؤها بالماء، ثم بخّها على الجسم.

بينما اقترح آخرون شراء المجلات والصحف الرسمية، وطي صفحاتها، وتحويلها إلى مراوح ورقية. كما أن البعض يلجأون إلى حفظ المياه في الأواني الفخارية للحفاظ على برودتها، وسط غياب الكهرباء.

يبدو أن استمرار الأزمات في سوريا، من قطع للكهرباء والمياه، فضلا عن أزمة الغاز المستمرة بين الحين والآخر، وارتفاع تسعيرة اسطوانات الغاز، فإنه ليس بعيدا أن يعود السوريون إلى وسائل بدائية للاستمرار في حياتهم اليومية، مثل استخدام “بابور الكاز” أو الطبخ على الحطب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات