لا يبدو أن جداول أعمال وزراء الخارجية في روسيا وإيران وسوريا وتركيا ستتزامن مع بعضها لتتيح انعقاد جلسة ثانية من اجتماعات وزراء الخارجية للدول الأربعة فيما يتعلق بالملف السوري وتفعيل احتمالات التقارب السوري التركي.

وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، ذكرت يوم الجمعة الماضي، بأن مسألة الاجتماع الجديد لوزراء خارجية الدول الأربع، قيد المناقشة، لكن جدول أعمالهم يجب أن يتزامن. مشيرة وفق مصادرها التي لم تسمها بأن “هذه العملية مستمرة، ومسألة اللقاء قيد النقاش، لكن من أجل التوصل لنتيجة من الضروري أن تتوافق جداول أعمال جميع الوزراء”.

عوامل ومحددات عدة تتعلق بالحاجة لاستمرار هذه الاجتماعات التي اخترعتها روسيا لتغطي على فشل أو موت مسار “أستانا” الذي ابتدعته موسكو منذ العام 2017. غير أن الحاجة الروسية للتقارب بين أنقرة ودمشق لم تعد موجودة بشكل بارز، وإن كان ما يهم الروس هو حصول تقارب إقليمي مع الأسد وقد تم ذلك مع المحيط العربي من خلال السعودية والإمارات ولو أن هذا المسار يحتاج لعمل طويل جدا وأمامه التزامات لا تستطيع دمشق الوفاء بها.

مصادر دبلوماسية مقربة من عدة أطراف في “الرباعية” أفادت لـ”الحل نت” بأن موسكو كانت تسعى لإحداث مسار تفاوضي بين أنقرة ودمشق من أجل إنهاء مسار أستانا بشكل غير مباشر.

فبعد فشل المسار في تحقيق أي من أهدافه المعلنة سوى استفادة موسكو وطهران من التحولات العسكرية التي جرت بعد العام 2017، غير أن هذا المسار لم تعترف فيه الدول الفاعلة في الملف السوري ولم يستطع أن يحقق أي حضور لأسباب عدة جاء على رأسها حجم الحضور السلبي لمشاريع النفوذين الروسي الدولي والإيراني الإقليمي.

حتى قبل 6 أشهر من الانتخابات الرئاسية في تركيا، أرادت روسيا تفعيل الاجتماعات الرباعية لإعطاء مسار التفاوض لتطبيع العلاقات التركية السورية صورة رسمية تنبأ بالكثير من التحولات، فسعى الروس إلى الوصول لصيغة تدفع تركيا لسحب قواتها العسكرية من الشمال السوري، مستغلين الضغوط السياسية (داخليا وخارجيا) التي لاحقت حكومة “العدالة والتنمية” ورئيسها رجب طيب أردوغان.

غير أن ما أفضت إليه نتائج الانتخابات ومعضلة ملف اللاجئين فرضت تحديات من نوع جديد على أردوغان، بين الانسحاب العسكري شبه المستحيل في ظل استعصاء ملفات “هيئة تحرير الشام” الإرهابية (جبهة النصرة سابقا)، وكذلك ملف الخلافات مع الأكراد السوريين في شمال شرق سوريا وما يفتح من مبررات لأنقرة حيال ما تروج له حول أمنها القومي. وبين ضرورة تحديد شكل واضح لقضية استمرار تواجد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية وما يتطلبه ذلك من فتح قنوات التواصل الرسمي مع دمشق.

قد تكون تركيا حاليا غير مستعدة لفتح أي قنوات تواصل مع دمشق، فلا شيء يدفعها لذلك سوى ملف اللاجئين، وهذا ملف ليس بأهم لديها من ملفات سياستها الخارجية وعلاقاتها مع أقوى دول “حلف الناتو” (الولايات المتحدة)، فالجانب التركي مهما تعاظمت ملفاته الإشكالية مع الولايات المتحدة لن يهتم بالتصعيد في مستوى الخلافات مع واشنطن، فالأخيرة قد ترى بأن قلة اهتمام حضورها العسكري في سوريا والمنطقة بشكل عام لن تسمح بأي حال من الأحوال بأن يملأ فراغها قوات إرهابية كالتي تتبع للجانب الإيراني الذي يشغل مساحات من الأرض السورية، أو حتى الروسية التي تهيئ نفسها للاستقرار بدلا عن أي قوات تركية ممكن أن تغادر سوريا لو قررت أنقرة ذلك؛ وهذه مسألة صعبة إن لم نقل مستحيلة التحقيق قبل حل الملفات الإشكالية وقبل التنسيق مع القوى الفاعلة في الملف السوري الإقليمية منها والدولية.

في المقابل فإن دمشق التي تعاني منذ أشهر أزمة اقتصادية خانقة لا مثيل لها، فإنها لا ترى بدا من تعزيز علاقاتها مع دول الخليج والتي تنظر إليهم كطوق نجاة يمكن أن تتلقى الدعم منها، ابتداء من السياسي وصولا للاقتصادي. في ظل هذا الوضع فإن دمشق لا ترى بأن المرحلة الحالية ستسمح لها بفرض شروطها “التعجيزية” على تركيا وفق المصادر الدبلوماسية التي اعتبرت أن هذه الرؤية تتوافق معها روسيا غير المستعدة أساسا لدعم دمشق اقتصاديا، وهي المنشغلة بتبعات غزو أوكرانيا، ما يدفع دمشق لانتظار أي مساحة دعم خليجية.

خلال المرحلة الحالية فإن محطات التوازن والتهدئة الإقليمية تفرض على دول الخليج عدم التصعيد مع أي من الأطراف، فهي لن تستخدم سوريا حاليا كمنصة لتحجيم مشروع النفوذ الإقليمي لتركيا، وكذلك الحال لن تفكر بتصعيد علني وواسع ضد المشاريع التخريبية لإيران في المنطقة.

بالمقابل فإن دول الخليج توازن علاقاتها مع واشنطن وموسكو؛ وإن كانت قيمة الحليف التاريخي كقطب عالمي مثل الولايات المتحدة لن تكون بحجم وتأثير علاقاتها المستجدة مع روسيا، فمرحلة الجفاء والفتور في علاقات واشنطن و بعض دول الخليج خلال الآونة الأخيرة قد تكون عبارة عن سحابة صيف ستتبدد عما قريب، لتبرز معالم المرحلة المقبلة التي سيتوضح فيها شكل التحركات داخل الملف السوري.

خلاصة القول، إن اجتماعات “رباعية” وزراء الخارجية كانت لأهداف روسية لا يمكن أن تتحقق، وتخمينات التقارب السوري التركي عادت إلى المربع الأول، فالطرفين لأسباب مصالحية مختلفة لا يعتقدان بإمكانية نجاح فرضية تقاربهما على الأقل خلال السنة الحالية، وفي المنتصف تقف دول الخليج لتدفع دمشق متأملة في تحصيل الدعم دون الجرأة على أي خطوة سياسية تجاه أي طرف، فماذا بقي من مسببات لانعقاد جولات جديدة من رباعية وزراء الخارجية سوى الهدف الوحيد الذي اعتقدت موسكو أنها كسبته من خلال حفظ ماء وجهها بإخفاء منطقي لمسار “أستانا” الفاشل منذ انطلاقته.

  • “أبعاد” هي زاوية صحفية أسبوعية/دورية؛ تحليلية سياسية، يكتبها مالك الحافظ، رئيس تحرير “الحل نت”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات