بينما تظهر مؤشرات الاقتصاد ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين السنوي في المدن المصرية، حيث تجاوزت المستوى القياسي السابق الذي سجلته مصر في العام 2017 عند 32.9 بالمئة، ما يعكس الضغوط الاقتصادية الحادة التي تتعرض لها البلاد، الأمر الذي دفع بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لعقد اجتماع يوم الأحد الماضي، مع عدد من رؤساء الجهاز الحكومي، لغرض مواصلة عملية الإصلاح الاقتصادي.

الاجتماع الذي ترأسه السيسي، ضمّ كلا من رئيس “مجلس الوزراء” مصطفى مدبولي، ومحافظ “البنك المركزي” حسن عبد الله، ورئيس “جهاز المخابرات العامة” اللواء عباس كامل، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد، ووزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، ووزير المالية محمد معيط، ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون المالية اللواء محمد أمين، حيث تم تناول جهود التعاون مع مختلف مؤسسات التمويل الدولية، لمواصلة تنفيذ عملية الإصلاح الاقتصادي.

ذلك يأتي في وقت كانت قد طالبت فيه مديرة “صندوق النقد” الدولي، كريستالينا جورجيفا، مصر بتنفيذ 3 إجراءات لتعزيز تنافسية اقتصادها خلال الفترة المقبلة، وذلك قبل المراجعة الأولى لبرنامج قرض “صندوق النقد” الدولي مع مصر، والتي من المقرر إتمامها في شهر أيلول/سبتمبر المقبل.

مضامين الاجتماع المصري

في السياق، كشف المتحدث باسم الرئاسة المصرية المستشار أحمد فهمي، عن مضامين الاجتماع، قائلا إنه تم تناول استعراض مؤشرات الاقتصاد المصري، وآخر مستجدات الأوضاع الاقتصادية العالمية، وذلك في ضوء التحديات السائدة على الصعيد الدولي، التي تفرض تبعات اقتصادية على مختلف اقتصادات العالم، ومن بينها مصر.

الرئيس المصري يعقد اجتماعا لاستعراض مؤشرات الاقتصاد ومستجداته/ إنترنت + وكالات

إذ تم عرض الإجراءات الجادة التي جرى اتخاذها خلال الفترة الماضية لمواصلة تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد وجذب الاستثمارات المتنوعة، كما اطلع الرئيس في ذات السياق على أبرز المستهدفات الاقتصادية خلال المرحلة القادمة، بحسب فهمي، الذي أشار إلى أن الرئيس المصري شدد خلال الاجتماع على مواصلة بذل أقصى الجهد للحد من آثار الأزمة على المواطنين.

كذلك حثّ الرئيس المصري على استيعاب الضغوط التضخمية، مع الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وتعظيم دور القطاع الخاص، خاصة من خلال القضاء على المعوّقات البيروقراطية، وتحقيق مبدأ الحياد التنافسي، بما يساعد على تهيئة المناخ الجاذب للمزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتعزيز المكتسبات التنموية التي تحققت في مختلف المجالات، وبما يدعم الاقتصاد القومي ويرفع مستويات الدخل للمواطنين.

التحركات المصرية التي دفع بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال اجتماعه مع رؤساء الجهاز الحكومي، تأتي بعد تحذيرات أطلقها بنك “مورغان ستانلي” خشية من أن تضرب الاقتصاد المصري، مشيرا إلى أن ذلك يتجسد في ثلاث مخاطر يمكن أن تصيب الاقتصاد المصري بشدة.

من بين تلك المخاطر التي حذر منها بنك “مورغان ستانلي”؛ احتمال خفض تصنيف مصر الائتماني للمرة الثانية هذا العام، كما رجّح تخفيض سعر صرف الجنيه المصري من جديد، ويتزامن هذا مع إبرام “صندوق النقد” العربي اتفاقا لتقديم قرض جديد لمصر.

حول تلك الإجراءات، وما يتوفر أمام مصر من خيارات للوقوف على تحديات الأزمة الاقتصادية في البلاد، أكد المختص بالشأن الاقتصادي المصري محمد عادل، أن هناك العديد من الخيارات المطروحة للحد من الأزمة الاقتصادية الحالية، يأتي على رأسها الإيقاف العاجل للإنفاق على المشاريع القومية الكبرى التي تستنزف موازنة الدولة في ظل الأزمة التي تعاني منها مصر.

الإرادة السياسية تفصل بين مصر والإصلاحات الاقتصادية

ذلك بالإضافة إلى البدء في مسارات حقيقية لإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية وتغيير مسؤولي الملف الاقتصادي الحاليين، بحسب عادل، الذي لفت إلى أن فُرص تطبيق هذه الإصلاحات تتوقف على الارادة السياسية و تقديرهم للموقف الحالي، وإذا ما كان النظام سيستمر باتباع نفس السياسات الحالية.

تضخم مؤشرات الاستهلاك المصري والحكومة تتحرك من أجمل إيجاد حلول/ إنترنت + وكالات

المختص بالشأن الاقتصادي المصري أشار إلى أن القطاع الخاص في مصر يعاني من الانكماش والتراجع في الوقت الحالي بسبب العديد من الصعوبات، منها تراجع الطلب والاستهلاك والقيود الموضوعة على الاستيراد التي تعرقل الحصول على المواد الخام والعناصر التي تستخدم في الإنتاج. 

تلك المعوّقات التي يعاني منها القطاع الخاص، تتزامن مع التراجع في الاستثمارات بسبب مخاوف المستثمرين الأجانب، وبالأخص الدول الخليجية الذين يرون أن الجنيه مقوّم بأعلى من قيمته، ما يؤثر ذلك على تقييم الصفقات ويرفع من سعرها، فهم يدركون أن تخفيض قيمة العملة قادم لا محالة، ما يدفعهم إلى تأجيل الاستحواذ على الشركات، وانتظار تحرير سعر الصرف حتى يستطيعوا الحصول على الأصول المصرية بأسعار منخفضة.

وسط ذلك تأتي التحذيرات من خفض قيمة العملة المصرية، في وقت كانت مصر أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، قد خفضت قيمة عملتها أمام الدولار الأميركي بنحو النصف منذ آذار/مارس 2022، بعدما كشفت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا عن أوجه خلل في الاقتصاد، ودفعت القاهرة إلى طلب المساعدة من “صندوق النقد” الدولي في إطار حزمة دعم بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

لكن المراجعة الأولى للبرنامج تأخرت وسط حالة من الغموض حول مدى التزام مصر بتعهداتها بتطبيق نظام مرن لتحديد سعر الصرف فضلا عن برنامج الحكومة لتعزيز دور القطاع الخاص، بما يشمل بيع حصص في الشركات الحكومية.

بيد أن “البنك المركزي” المصري، قد قرر في اجتماعه الأخير الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية لـ “البنك المركزي” عند مستوى 18.25 بالمئة و19.25 بالمئة، و18.75 بالمئة على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 18.75 بالمئة، فضلا عن تثبيت أسعار الفائدة في شباط/ فبراير الماضي، قبل أن يرفعها في أذار/مارس الماضي 2 بالمئة.

تضخم أسعار السلع الاستهلاكية بمصر

في السياق، كانت بيانات “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” في مصر قد أظهرت تضخّم أسعار المستهلكين السنوي في المدن، حيث ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 35.7 بالمئة في حزيران/يونيو من 32.7 بالمئة في أيار/مايو مسجلا أعلى مستوى على الإطلاق، حيث تجاوز تضخم أسعار المستهلكين السنوي في المدن المصرية، المستوى القياسي السابق الذي سجله في 2017 عند 32.9 بالمئة، ما يعكس الضغوط الاقتصادية الحادة التي تتعرض لها البلاد.

توقعات بأن يخفض “البنك المركزي” المصري قيمة الجنيه أمام الدولار/ إنترنت + وكالات

نتيجة لذلك، ارتفعت الأسعار في الوقت الذي تعاني فيه مصر من شح النقد الأجنبي وخفض متكرر لقيمة العملة منذ مارس/آذار 2022، مما زاد من المصاعب التي يواجهها الكثير من المصريين مع تدهور مستوى المعيشة في السنوات الماضية، ذلك إلى جانب تسجيل التضخم الأساسي، الذي يستبعد الوقود وبعض المواد الغذائية المتقلبة، مستوى قياسيا بلغ 41 بالمئة في حزيران/يونيو ارتفاعا من 40.3 في أيار/مايو، بحسب “البنك المركزي” المصري.

“الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” أرجع ارتفاع معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية خلال حزيران/يونيو الماضي إلى ارتفاع أسعار الطعام والمشروبات بنسبة 64.9 بالمئة في حزيران/يونيو على أساس سنوي، وزيادة أسعار الحبوب والخبز بنسبة 58.9 بالمئة، وصعود أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 92.1 بالمئة.

كما ارتفعت أسعار الأسماك والمأكولات البحرية على أساس سنوي بنسبة 83.6 بالمئة، وزادت أسعار الألبان والجبن والبيض بنسبة 67 بالمئة، وارتفعت أسعار الزيوت والدهون بنسبة 31.1 بالمئة، على أساس سنوي، بحسب بيان الجهاز.

كذلك صعدت أسعار الفاكهة خلال الشهر الماضي على أساس سنوي بنسبة 36.5 بالمئة، وزادت أسعار الخضروات بنسبة 53.6 بالمئة، وارتفعت أسعار السكر والأغذية السكرية بنسبة 35.5 بالمئة، وارتفعت أسعار الدخان بنسبة 45.4 بالمئة، وفقا لبيانات رسمية، الأمر الذي يترك مصر أمام تحديات كبيرة تتطلب إجراءات محسوبة وسريعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات