خلال السنوات الماضية، وتحديدا الأسابيع الأخيرة، وُجّهت انتقادات لاذعة إلى وزارة التربية والتعليم في سوريا، بسبب تراجع مستوى التعليم والأخطاء الكثيرة التي حدثت أثناء عملية تصحيح ومراجعة امتحانات الشهادة العامة، بالإضافة إلى تدفق الشكاوى بشأن الفساد المستشري في وزارة التربية والتعليم، وتحديدا اتّهام وزير التربية دارم طباعة، حول بيع أسئلة لامتحانات شهادة الثانوية العامة “البكالوريا”.

يبدو أن تتالي وتزايد حجم الانتقادات والشكاوى حول رداءة العملية التعليمية ككل أدى إلى قرار بتغيير وزير التربية، من أجل تخفيف حمولات هذه الاتهامات بالفساد وإزالة الشكوك حول رداءة نوعية التعليم ربما. مع ذلك، تعيين وزير جديد لا يعني أن الواقع التربوي سيتحسّن ويزدهر، لأن تراجع التعليم لا يتعلق بشخص واحد بل بالنظام التعليمي بأكمله. وفي هذا السياق، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوم رقم 206 لسنة 2023، القاضي بتعيين الدكتور محمد عامر مارديني وزيرا للتربية والتعليم، خلفا لدارم طباع الذي تسلّم الوزارة السورية منذ العام 2020.

تغيير وزير التربية بسبب الفساد!

نحو ذلك، تم تغيير وزير التربية في سوريا بشكل مباغت وذلك بمرسوم من الأسد يوم أمس الثلاثاء. وشغل الوزير الجديد محمد مارديني منصب وزير التعليم العالي في حكومة وائل الحلقي الثانية عام 2014 وبقي في منصبه حتى عام 2018.

إزاء نشر هذا المرسوم على مواقع التواصل الاجتماعي، انهالت موجة من الانتقادات والآراء بأن التغيير جاء بسبب فساد الوزير السابق، واتهموه بأنه كان يبيع أسئلة امتحانات “البكالوريا”، فعلّق أحدهم “وضع وزارة التربية بلا تربية، ياريت نشوف سنة بلا بيع أو تسريب أسئلة أو دفع لنقل الطالب بالمادة، يلي معو عم ينجح بسهولة ويلي ما معو عم يرسب مع انو بكون دارس”.

في حين أن البعض كان متشائما من قرار التغيير هذا، وأنه لا جدوى منه طالما أن الفساد مستشرٍ في جميع المؤسسات الحكومية، وأضافوا “لن يفلح في ظل هذه الدولة لأن الفساد متغلغل بدم الرئيس والدولة، بيروح بيطري بييجي صيدلي، شو علاقته بالتربية مابنعرف، انشالله تتحسن الأمور التربوية و التعليمية على أيده لأن اللي صار بهالكم سنة مو طبيعي”.

مارديني من مواليد دمشق عام 1959 حاصل على الدكتوراه في الصيدلة اختصاص مراقبة جودة الأدوية جامعة هومبولت ألمانيا عام 1988. وشغل عدة مناصب أبرزها، “رئيس جامعة الأندلس للعلوم الطبية حاليا، أستاذ في كلية الصيدلة جامعة الأندلس للعلوم الطبية، أستاذ في كلية الصيدلة بجامعة دمشق، مدير البرامج الأكاديمية في هيئة التميز والإبداع، رئيس جامعة دمشق، عميد كلية الصيدلة، في جامعة دمشق.

كما أنه حاصل على “جائزة الباسل” لأفضل مشروع بحثي وله مشاركات عدة في العديد من الجمعيات والهيئات العلمية، إضافة إلى كتب علمية منشورة ومؤلفات قصصية ونحو 55 ورقة علمية منشورة في العديد من المجلات العلمية المحكمة.

انتقادات لاذعة لـ دارم طباع

انتقادات لاذعة وساخرة طالت وزير التربية والتعليم في سوريا، دارم طباع، على إثر الأخطاء التي حدثت أثناء عملية تصحيح وتدقيق امتحانات الشهادات العامة في سوريا، وسط تتالي العديد من الشكاوى وحالات تظلم من قِبل طلاب المرحلة الثانوية العامة بجميع فروعها “البكالوريا”.

اعتبر بعض الطلاب في تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي بأن هذا العام كان أسوأ سنة دراسية في تاريخ سوريا، في انتقاد مباشر لإدارة دارم طباع لهذا المنصب وفشله في إدارة النظام التعليمي بشكل صحيح وإيجابي من أجل تحقيق التقدم والتطور للطلبة في البلاد.

إحدى الصفحات المشهورة على السوشيال ميديا، نشرت منشورا مؤخرا، عن وزير التربية السابق دارم طباع وكتبت “شكرا لك يا سيادة الدكتور دارم الطباع لم تخيب رجاءنا وقمت بمساعدتنا بكل ما تستطيع نحن أبناءك الطلبة نحبك جدا”.

لكن بمجرد نشر التدوينة على منصة “فيسبوك” تصاعدت الانتقادات من خلال التعليقات كالنار في الهشيم ضد الطباع، وكان من أبرز هذه التعليقات “”الله يكسر ايدين يلي صحح الوراق ظالمين الطلاب، مين أبناءه الطلبة الي بحبو؟ حبو لحالك ماشي والله يخلصنا منو ويرجع للبيطرة بكون كتير أحسن، عشو بتحبو عالعلامات الي مصحلينها غلط”.

بينما علق آخرون بالقول “وتسريب الاسئلة صار يلي مابيفهم يجيب التامة، مامنطيقك يا دارم طباع.. تنتيج و تصحيح بيهوي، ويلي بحبو بكون واحد مجمع ٢٤٠، العلامة التامة، على شو بس قولو على شو بدنا نحبو، عالظلم بالعلامات أو على الغش اللي صار على كتاف طلاب تعبت واحترق سلافها طول السنة وبالأخر تعبن راح على الفاضي يا للأسف بس”.

هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها انتقاد طباع، ففي وقت سابق تعرض أيضا لموجة انتقادات واسعة أثناء تقرير سابق لأحد المواقع المحلية، حيث أكد طباع من خلاله أنه تم اتخاذ إجراءات وضوابط لمنع حالات الغش والتلاعب في الأوراق الامتحانية، وأن أي ورقة امتحانية يتم تصويرها داخل القاعة سيعرف من أي مركز من خلال ترميز الورقة ويتم مسك الطالب خلال 5 دقائق.

هذا التصريح أثار انتقاد العديد من المتابعين، حيث قال أحدهم “ما بدا غش القصة واسطة مرتبة وخلصنا خلي اجهزة المراقبة والمناقصات الوهمية تشتغل شغلا.. المخابرات عجزت عن هالتطور ماشالله، بدل ما تشددو ع الغش اعطو الطالب حقو بالوقت عايشين بباريس لأن”.

واقع التعليم رديء

في ظل تراجع التعليم وعدم قدرة نسبة كبيرة من الناس الالتزام بالمدارس الحكومية، نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة من جميع الجهات، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية وسط رداءة جودة التعليم، أزمة جديدة أخرى تلحق بقطاع التعليم تتمثل في ارتفاع أقساط المدارس الخاصة، مما قد يساهم في زيادة معدل تراجع التعليم وعدم قدرة الناس على تأمين تعليم جيد لأبنائهم.

العديد من أصحاب المدارس الخاصة في محافظة درعا عزوا ارتفاع أسعار أقساط المدارس الحكومية إلى التزاماتهم المالية، وتقلّب سعر المحروقات والقرطاسية، حيث ارتفعت أسعار القرطاسية بشكل كبير هذا العام، وكذلك ما يخص أجور المدرسين، حيث بات العديد منهم يطالبون بارتفاع أجورهم، لتعويض رواتبهم المتدنية في المدارس الحكومية، حيث يتراوح سعر الحصة الصفية في التعليم الخاص بين الـ 25 ألفا والـ 35 ألف ليرة سورية، حسبما أورده موقع “غلوبال نيوز” المحلي مؤخرا.

حول أسعار أقساط المدارس الخاصة، تبين بأن الأرقام التي تتلقاها هذه المدارس منذ العام الماضي فاقت ما حددته “وزارة التربية السورية”، حيث تراوحت أقساط المدارس بين الأربعة ملايين ونصف المليون والخمسة ملايين ونصف مليون ليرة للمرحلتين الإعدادية والثانوية سواء للصفوف الانتقالية أم الشهادتين، التعليم الأساسي والثانوي.

رسوم التسجيل هذه قابلةٌ للزيادة في بعض المدارس، ولا تتضمن قيمة الكتب والقرطاسية واللباس، التي تُحدد مع بدء العام الدراسي، وكذلك لا تتضمن أجور النقل التي قد تصل إلى مليون ونصف ليرة، وكذلك لا تتضمن أسعار الخدمات المضافة في كل مدرسة.

خلال السنوات الماضية، شهدت البلاد زيادة في عدد المدارس التعليمية الخاصة، وذلك بسبب تراجع مستوى الخدمات التعليمية في المدارس الحكومية المجانية، إذ يقول ذوو الطلاب أن أبناءهم أصبحوا يضيّعون وقتهم في المدارس الحكومية التي لم تعد تقدم خدمات تعليمية جيدة كما كان الوضع سابقا.

بينما يقول آخرون إن التكاليف التي يضعونها للدروس الخصوصية تعادل تكاليف المدارس الخاصة، وبالتالي يفضلون إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة، من أجل توفير الكثير من المتاعب عليهم، خاصة وأن التعليم الحكومي أصبح سيئا للغاية خلال فترة السنوات الماضية، والدروس الخصوصية ليست كافية للطالب ليتعلم بالقدر الكافي.

لكن مع ارتفاع تكاليف التعليم اليوم، يبدو أن العديد من العائلات السورية ستختار المدارس الحكومية وستكتفي بتأمين بعض الدروس الخصوصية لأطفالها، نظرا لعدم قدرتهم على مواكبة ارتفاع الأسعار من وقت لآخر، وبالتالي فإن هذا سيعزز من معدل تراجع التعليم في الدولة بشكل عام، وهو مؤشر خطير على أي حال.

بعد 2011 آلت حال التعليم في سوريا إلى تدهور ملحوظ وباتت في أدنى المستويات نتيجة لتزايد مستوى الفساد، وقلة الموارد وجمود المناهج التعليمية، وبالتالي تدمير نظام التعليم بشكل عام، وفق العديد من التقارير السابقة.

فقد تصاعدت حالات الغش والفوضى بشكل مبالغ فيه في المدارس الواقعة في مناطق سيطرة الحكومة السورية، منذ اندلاع الحراك الشعبي في آذار/مارس 2011، ما دفع بعض الدول إلى إعادة النظر في الشهادات التي حصلت عليها في سوريا خلال فترة الحرب. واتخذ البعض إجراءات عدم الاعتراف بهذه الشهادات.

كما وتراجع مستوى التعليم في عموم سوريا، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها الطلاب من مختلف الجهات، فضلا عن الفساد والمحسوبية في مؤسسات المنظومة التعليمية في سوريا، سواء من قبل الكادر الإداري أو من قبل الأساتذة من مختلف التخصصات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات