منذ الجمعة الفائت، يستيقظ السوريون على صور وفيديوهات تظهر حجم التحدي الذي تواجهه الحكومة من السويداء ودرعا جنوبا حتى اللاذقية شمالا، التي تشهد إضرابا عاما ومظاهرات حاشدة اعتراضا على القرارات الأخيرة حول رفع الدعم عن مادة البنزين وارتفاع أسعار المحروقات التي أثرت على معظم الأسعار المعيشية في سوريا.

هذه الانتفاضة المفاجئة تأتي في ظل تدهور اقتصادي، زاد من حالة الغضب والإحباط لدى سكان المحافظات السورية، الذين يشعرون بالإهمال والظلم من قرارات السلطات. فما هي خلفية هذه التطورات، وما هو دور المجتمع المدني والفعاليات الشبابية في تنظيمها، وما التداعيات المحتملة على المشهد السوري بشكل عام.

من دعا للإضراب وماذا حدث؟

لليوم الثاني على التوالي، شهدت السويداء ودرعا وجبلة في اللاذقية إضرابا عاما، والعديد من القرى في هذه المناطق تجاوبت معه بمظاهر مختلفة، كتنفيذ وقفات الاحتجاج، أو قطع الطرق وإغلاق بعض المؤسسات الحكومية.

محافظة السويداء وحدها شهدت تفاعلا كبيرا مع دعوات الإضراب العام، حيث تم تنظيم أكثر من 40 نقطة احتجاج في المنطقة. وتأتي هذه التحركات استجابة لدعوات المواطنين وبشكل ملفت للنظر، مما يجعلها ذات طابع استثنائي يعيد للذاكرة ذلك الوقت البعيد ما حدث عام 2011.

الساحات والشوارع في السويداء عكست منظرا غير مألوف، حيث أغلقت معظم المحلات التجارية أبوابها وانتهجت دوائر الحكومة سياسة عدم استقبال المراجعين لهذا اليوم. ولم تكتف هذه الإجراءات بل امتدت لتشمل الجامعات التي اضطرت لتأجيل امتحانات الطلاب.

على الرغم من أن السويداء شهدت على مر السنوات احتجاجات تعبيرية تسعى لإطلاق صوت المطالبة بالتغيير، إلا أن المشهد الذي شهدته هذه المرة كان استثنائيا. فقد شهدت المحافظة حدثا فريدا من نوعه؛ حيث أطلق المحتجون إضرابا عاما وعصيانا مدنيا. حيث تجلى الغضب بوضوح في هتافات المتظاهرين، الذين أعلنوا بوضوح في رسالتهم أنهم وصلوا إلى آخر حد من الصبر، وأن الوقت قد حان للثورة ضد من أسموهم “المتحكمين بمصائر البلاد”.

عقب إعلان الحكومة السورية قرارا بزيادة أسعار المحروقات وتخفيض الدعم عن البنزين، شهدت الأسعار ارتفاعا حادا بنسبة تقرب من 100 بالمئة. وهذا القرار أثر بشكل كبير على قيمة الليرة السورية، حيث تراجعت بمقدار 9 بالمئة، ووصلت قيمتها في السوق السوداء إلى 16000 ليرة مقابل الدولار الأميركي.

في هذا السياق، توحدت منظمات المجتمع المدني للتعبير عن رفضها لهذا الوضع، حيث تجمعت منظمات مهمة مثل “جذور للعمل المدني” إلى جانب تجمع “بناء وطن”، بالإضافة إلى حزب “اللواء السوري”، في موقف موحد يندد بالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذه الزيادات، والتحرك باتجاه الدعوة إلى التغيير وتحقيق المطالب الشعبية.

هل تنتقل العدوى للمدن السورية؟

في حديث مع الناشط المحلي، رامي عزام، لـ”الحل نت”، أشار إلى أنه بالتأكيد يمكن أن تنتقل عدوى الإضراب والمظاهرات من منطقة إلى أخرى في سوريا، وذلك بناء على عوامل متعددة. فعادة ما تكون الأحداث والتحركات الاجتماعية مرافقةً مع انتشار الأفكار والمطالب الشعبية من مكان إلى آخر، وقد يكون للتجارب الناجحة في مدن معينة تأثيرا في تحفيز مدن أخرى على الانضمام إلى الحركة.

مدينة جبلة بدورها دعت إلى إضراب عام يبدأ من اليوم الاثنين، حيث لعبت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في نقل الأخبار والأحداث من مكان إلى آخر. إذ وصلت الصور والفيديوهات والتقارير إلى الناس في مناطق مختلفة، مما يمكن أن يحفزهم على اتخاذ نفس الخطوات.

طبقا لحديث عزام، فعندما تكون المظاهرات والإضرابات مرتبطة بقضايا عامة واسعة النطاق، يشعر الناس في مناطق أخرى بأنهم يواجهون نفس التحديات والظروف. وهذا أدى إلى توحيد الأصوات وتبادل الدعم من السويداء ودرعا إلى شمال سوريا في اللاذقية.

في السياق ذاته، إذا انضمت مدينة أو منطقة معينة إلى الحركة الاحتجاجية وحققت نجاحا أو تقدم في تحقيق المطالب، قد يتجه الناس في المناطق الأخرى إلى اتباع نفس النهج، محاولين تحقيق تغيير مماثل وهذا ما يراهن عليه المتظاهرون في السويداء.

بعد المظاهرات والإضرابات التي حصلت أمس الأحد، ذهبت وفود أهلية إلى مضافة الرئيس الروحي للطائفة الدرزية الشيخ حكمت الهجري، وأعلنت فيه تبنيهم للمطالب الشعبية، وأعاد الهجري كلمته المشهورة أن الصمت لا يعني الرضى. ووصف تواجد الروس والإيرانيين بغرباء استباحوا مقدرات البلاد وخيراتها. 

يوم الأربعاء الفائت، وفي ليلة واحدة، تغيرت حياة الملايين من السوريين بشكل جذري، بعد أن أصدرت السلطات السورية قرارات اقتصادية غير مسبوقة، تشمل زيادة مئوية على الرواتب والأجور والمعاشات للعاملين والمتقاعدين في الدولة، وإلغاء الدعم عن مادة البنزين بشكل كامل، ورفع أسعار النفط ومشتقاته بكافة الأصناف. 

هذه القرارات، التي جاءت في ساعات متأخرة من مساء يوم 15 آب/أغسطس 2023، لم تهدف إلى مواجهة التضخم المتفاقم في سوريا، الذي بلغ نسبة 3000 بالمئة في شهر تموز/يوليو الماضي، والذي يؤثر سلبا على قدرة المواطنين على شراء السلع والخدمات الأساسية.

ردود الحكومة.. ما قصة الفوضى؟

صحيفة “الوطن” المحلية، تعليقا على ما حدث في السويداء ذكرت أن احتجاجات متفرقة في مدينة السويداء والمحتجين يمنعون التجار من فتح محلاتهم والموظفين من الدوام في الدوائر الرسمية، وشبان قطعوا طريق دمشق – السويداء لدقائق قبل أن يتفرقوا.

المتحدث باسم المصالحة السورية، عمر رحمون، وصف إلى الذين خرجوا ليطالبوا بتحسين الوضع المعيشي، بأنهم أطلقوا شعارات مستفزة تشبه شعارات “داعش” و”النصرة”، ردا على مطالبة بعض المحتجين في مدينة السويداء برحيل الرئيس السوري، بشار الأسد، كونه المسؤول الأول عمّا يحدث في سوريا.

عضو المكتب التنفيذي لقطاع التموين في محافظة دمشق قيس رمضان، عبر إذاعة “أرابيسك” المحلية، أشار إلى أن الفوضى التي حصلت إثر صدور قرار رفع سعر المازوت المدعوم كانت نتيجة سوء التنسيق، مضيفا “نحن لم نكن على علم بالقرار الجديد بل شاهدناه على الشاشة مساءً”.

ما حدث خلال اليومين السابقين، جاء ردا على قرار متوقع منذ أشهر، حيث أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، المرسوم التشريعي رقم 11 للعام 2023، حيث يتضمن هذا المرسوم إضافة نسبة مئة بالمئة إلى الرواتب والأجور المقطوعة النافذة اعتبارا من تاريخ صدوره. وتشمل هذه الزيادة العاملين في جميع قطاعات الدولة، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، ولا تقتصر عليهم فحسب، بل تشمل أيضا المشاهرين والمياومين والمؤقتين، بغض النظر عن وضعهم الوظيفي الحالي.

في ذات الوقت، لم تتوانَ الحكومة عن إصدار قرارها الخاص بإلغاء الدعم عن البنزين بشكل كامل، بل قررت رفع أسعار المشتقات النفطية بخمسة قرارات، حيث أعلنت رئاسة مجلس الوزراء، أنه بناء على مقتضيات المصلحة العامة، فتم تحديد سعر المبيع للمستهلك من مادة المازوت المدعوم بـ 2000 ليرة سورية للتر، والمازوت الصناعي المقدم لكل من الصناعات الزراعية، والمشافي الخاصة، ومعامل الأدوية بـ 8000 ليرة سورية للتر.

قرار إلغاء الدعم عن مادة البنزين وزيادة أسعار النفط ومشتقاته ظهر كخطوة مثيرة للجدل. إذ إن هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق موارد إضافية للدولة والتخفيف من العبء المالي الثقيل. ومع ذلك، عكس هذا القرار تحديا كبيرا في توازن المصالح بين الدولة والمواطن، حيث من المؤكد سيزيد من تكاليف المعيشة ويؤدي إلى مزيد من الضغوط على الشعب المتضرر بالفعل.

مستقبل الاقتصاد السوري وسبل التعامل مع التحديات الاقتصادية معقد، إذ إن هناك التحديات الكبيرة التي تنتظر البلاد، لأن هذه القرارات تعكس عدم إرادة حكومية للتصدي للأوضاع الصعبة بقرارات جذرية وشجاعة. ومع مرور الوقت، سيتضح ما إذا كانت هذه الخطوات غير قادرة على تحقيق التحول الاقتصادي المرجو، وأنها ستفتح الباب أمام سيناريوهات غير متوقعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات