في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عقد، تشهد المناطق الجنوبية من البلاد احتجاجات شعبية متصاعدة ضد الحكومة السورية وسياستها. وقد امتدت موجة الغليان هذه إلى دمشق وريفها، حيث أغلق محتجون غاضبون الطرقات الرئيسية إلى العاصمة في بلدات كناكر وزاكية، مطالبين برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وإنهاء حالة الفساد والجوع التي يعاني منها المواطنون.

العبور إلى عام جديد لم يكن بالضرورة يعني انحسار أمواج الاحتجاجات التي تلتهم الساحة السورية. فقد عاشت البلاد على مدى السنوات الماضية على وقع التغيرات والتحولات التي تركزت حول مظاهر مختلفة من الانتفاضة الشعبية. واليوم، تكشف مشهدية جديدة تنذر بمزيد من التوتر والتحديات، حيث تتجه الأنظار صوب دمشق وريفها، حيث اندلعت موجة جديدة من الاحتجاجات تزامنا مع الغليان الشعبي الذي يشهده الجنوب السوري.

على إثر إغلاق الطرقات الرئيسية إلى دمشق في بلدات كناكر وزاكية، تبرز تساؤلات بتشكيل هذه الأحداث تحولا جديدا في ديناميات المشهد السوري، والجدية التي يتجلى بها هذا الاحتجاج تعكس حجم التوتر الذي يتصاعد تدريجيا، حيث يرفع المحتجون شعارات غاضبة تستنكر سياسات الحكومة وتطالب بالتغيير الجذري.

الوصول إلى أبواب دمشق

خلال الأيام الماضية، طالب رياض عيسى شاليش ابن عمة الرئيس السوري بضرب محافظتي درعا والسويداء بيد من حديد بسبب خروج الأهالي بمظاهرات نتيجة تردي الوضع المعيشي والأمني وتغلغل الفساد في جميع الدوائر الرسمية.

عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، ذكر شاليش “لن أتوجه بأي كلمة لمن خرج في كل من درعا والسويداء لأن صوتنا بح من كثرة ما تحدثنا عمن يخرج هناك من أول الأزمة باسم الحرية وهدفه معروف”. وأضاف “اليوم أتوجه إلى الدولة كلها، القيادة الجهات الأمنية، إما أن تتخذوا قرارات اقتصادية جريئة تنتشلنا وتُخرسون هؤلاء، أو تضربوهم بيد من حديد”.

حديث شاليش المباشر للسلطات السورية جاء بعد انتشار لموجة الاحتجاجات والتي وصلت إلى دمشق وريفها، حيث أغلق محتجون شارع الاوتوستراد، الشريان الحيوي الذي يربط بين العاصمة ومختلف المناطق الجنوبية، والذي لم يكن مجرد طريق بل أصبح رمزا للصراع بين الحكومة والمحتجين. 

أيضا ضمن موجة الغليان الشعبي التي تشهدها المناطق الجنوبية في سوريا، وإغلاق محتجون غاضبون، ليل الخميس/الجمعة، في بلدات كناكر وزاكية الطرقات الرئيسية إلى دمشق؛ انتشرت كتابات لناشطين من دمشق يؤكدون على تضامنهم مع الحراك الشعبي.

تحولات جديدة على الساحة السياسية

إغلاق الطرق في مدينتي زاكية وكناكر وإحراق الإطارات كانت رسالة واضحة من المحتجين، إذ يعبرون عن استنكارهم الشديد للوضع الحالي وعدم رضاهم عن الإجراءات الحكومية.

أيضا من الملفت للنظر أن هذه المظاهرات لم تقتصر على المدن الكبرى فقط، بل اجتاحت المناطق الريفية كذلك. وهذا يكشف عن تواصل انتشار أفقي للرغبة في التغيير، مما يعني أن الاحتجاجات لا تقتصر على فئة معينة من السكان بل تعبّر عن استياء واسع النطاق.

العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية دخلت على خط التظاهر مع السويداء، حيث شهدت محافظة درعا مظاهرات عديدة، وقطع للطرقات ودعوات للإضراب العام، وشعارات مناهضة للسلطة، كُتبت على جدران مراكز حكومية مثل الفِرق الحزبية.

ما يدل على تدحرج كرة الاحتجاجات في سوريا، هو دخول مدينة حلب إلى خط الاحتجاجات المناهضة للسلطة، والذي أدى لمسارعة مؤسسات الحكومة السورية بشكل مبالغ فيه على نفي تلك الشائعات، وكرّست لذلك مساحة واسعة في الإعلام الرسمي، الأمر الذي قد يدل على خوف السلطات السورية من انتقال عدوى المظاهرات والإضراب من السويداء إلى مدينة حلب التي توصف بأنها “العاصمة الاقتصادية للبلاد”.

استمرار في التصعيد

مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، يتزايد التساؤل حول تأثير هذه التطورات على الصراع السوري بشكل عام. وهل الشارع السوري أمام مفترق طرق يستدعي تقييما دقيقا للمشهد السوري وسبل التعامل معه، وهل ستتبلور تداعيات هذه الأحداث في تحولات جديدة على الساحة السياسية والاقتصادية في سوريا.

بحسب حديث المحامي السوري، حسن الحريري، فإن موجة الغليان الشعبي التي تشهدها دمشق وريفها لها أسباب وخلفيات متعددة، تتراوح بين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ومن الأسباب الاقتصادية، تدهور الوضع المعيشي للسكان بسبب ارتفاع معدلات التضخم والفقر والبطالة، وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، ونقص في المواد الأساسية مثل المحروقات والغذاء والدواء. 

كذلك من الأسباب السياسية، استمرار حالة الحرب والنزاع في سوريا منذ عام 2011، وعدم تحقيق أي حل سياسي ينهي المأساة الإنسانية التي يعاني منها الملايين من السوريين داخل وخارج البلاد. كما تسببت سياسات الحكومة في إثارة غضب واستياء الشعب، بسبب قمعها لكل أشكال التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق، وإجرائه انتخابات رئاسية مثيرة للجدل في عام 2021، وفرضه خدمة عسكرية إجبارية على شباب المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن من الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى توسع رقعة الاحتجاجات، هي تفاقم حالة التمييز والتهميش التي يشعر بها سكان دمشق وريفها، مقارنة بغيرهم من المناطق التابعة للحكومة. فهؤلاء يرون أنهم يدفعون ثمنا باهظا لولائهم لدمشق، دون أن يحصلوا على أي مكافآت أو امتيازات. كما يشكون من سوء التوزيع الجغرافي للثروة والخدمات بين المحافظات، وانتشار ظواهر سلبية مثل الفساد والرشوة والمحسوبية.

التحديات والآفاق التي تواجه حركة الاحتجاج في دمشق وريفها هي كثيرة وصعبة. فمن التحديات، استمرار قوة وصلابة الحكومة السورية، وقدرتها على تكثيف حالات القمع. كما تواجه الحركة تحديات داخلية، مثل ضعف التنظيم والتواصل بين المحتجين، وانعدام رؤية وبرنامج سياسي مشترك، وخطر التشظي والانقسام بسبب التأثيرات الطائفية أو الإقليمية. 

موجة الغليان الشعبي التي تجتاح دمشق وريفها تذكّر بأن الصراع السوري لم ينتهِ بعد، وأن صوت الشعب لا يزال يرن في أرجاء البلاد، ينادي بالتغيير والإصلاح. والسبل الممكنة لإيجاد حل سياسي شامل وعادل للأزمة السورية هي قليلة وبعيدة. فلا يبدو أن دمشق مستعدة أو مهتمة بالدخول في حوار جدي مع المعارضة أو المجتمع المدني، أو بالقبول بأي تنازلات أو إصلاحات تهدد سلطتها أو مصالحها. كما لا يبدو أنها تستمع للإرادة الدولية الحقيقية لإنهاء الصراع في سوريا، أو لإزالة العقبات التي تحول دون تطبيق قرارات مجلس الأمن أو خطة جنيف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات