في المشهد المأساوي الذي يعيشه السوريون، يبرز تناقض غريب ومثير للدهشة، وهو ظهور ظاهرة “ملوك الأناقة” في سوريا التي تفتقر للتفسير السهل. هؤلاء هم شباب سوريون، يحرصون على ارتداء أفخر الملابس والمجوهرات والإكسسوارات، رغم الظروف الصعبة التي يعيشون فيها. ويتباهون بصورهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يظهرون فيها بأحدث صيحات الموضة والجمال.

من الواضح أن هناك تناقضا حادا بين واقع الفقر المدقع الذي يعيشه معظم السوريين وبين أسلوب حياة ملوك الأناقة. حيث يعاني الكثيرون من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، ويواجهون صعوبة في تأمين احتياجاتهم اليومية. ومع ذلك، يظهر هؤلاء الشبان وكأنهم يعيشون في عالم منفصل تماما، حيث يسابقون الزمن ليظهروا بأبهى ثيابهم وأجمل مجوهراتهم.

ظاهرة غريبة في ظل الأزمة

بحسب زائري البلد، فإن توصيف “ملوك الأناقة” أُطلق على معظم الشباب السوري، الذين يحرصون على ارتداء أفخر الملابس والمجوهرات، رغم أنهم يعيشون بلا كهرباء ويلبسون أفخم الماركات العالمية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد. ويتباهى هؤلاء الشباب بصورهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يظهرون فيها مرتدينَ أحدث صيحات الموضة.

محمد الخمايسة، الذي زار سوريا منذ أسبوع يذكر لـ”الحل نت”، أن الشباب السوري يحبون الحياة والجمال، ويحترمون أنفسهم وأجسادهم، ويهتمون بصحتهم ونظافتهم، ويسعون إلى تحسين مظهرهم وثقتهم. فهم لا يرضون بالانكسار أو الاستسلام للظروف القاسية، بل يحاولون إضفاء بعض البهجة والألوان على حياتهم، وإظهار جانب إيجابي من شخصياتهم.

خلال جولته التي استمرت أسبوعين حيث زار خلالها اللاذقية ودمشق وطرطوس، يقول الخمايسة، إن اللافت بالنسبة له هو لباس الشباب الذي لم يكن يتصوره، خصوصا أن الجميع يعلم حال السوريين اقتصاديا. فبالرغم من ذلك، تفاجأ بنوعية اللباس الذي يرتديه الشباب.

حسب الخمايسة فإن الشباب السوري يرغب في التعبير عن هويته وأسلوبه وتفرده، وفي التحدي والتغيير والابتكار. فهم يتبعون الموضة ليس فقط للتقليد أو التأثر بالثقافات الأخرى، بل لإظهار قدراتهم وإبداعاتهم في اختيار الملابس والأكسسوارات التي تناسب ذوقهم وشخصيتهم. كما يستخدمون الموضة كوسيلة للتواصل مع الآخرين، وتكوين صداقات وعلاقات مع أشخاص يشاركونهم نفس الاهتمامات. 

رغم معاناتهم من ضغوط اجتماعية كبيرة، سواء من قبل الأُسرة أو المجتمع أو الدولة، ومواجهتهم لمشاكل كثيرة، مثل البطالة والفقر والانزلاق إلى الجريمة أو المخدرات أو التطرف. إلا أن المظهر الجيد قد يكون طريقة للحصول على فرص عمل أفضل، أو للحفاظ على كرامتهم، أو للدفاع عن حقوقهم، أو للانتقام من المجتمع.

ليس هذا فقط، بل بات ثَقب الأذن والأنف من أكثر أنواع “البيرسينغ” انتشارا بين النساء والشباب وأصبح “برستيجا” منتشرا بأشكاله وأنواعه كافة من ثقب الأذن والأنف إلى ثقب الشفاه والبطن واللسان والسرة وغيرهم؛ كما أن الأمر لا يقتصر على فئة عمرية معينة، بل أصبح  “ترند” بين الشباب والفئات العمرية الأخرى إذ بدا واضحا أن الجنسين يتبارون في إظهار جمالهم.

بين الواقع المرير والحلم المنشود

هناك عدة عوامل تلعب دورا في تفسير هذه الظاهرة الغريبة، الباحث الاجتماعي،  أحمد الزعبي، يشير إلى أنّه قد يكون الأمل في التغيير والانتقال إلى حياة أفضل دورٌ في دفع هؤلاء الشبان إلى تجاهل الصعوبات الاقتصادية والاهتمام بالمظهر الشخصي. إضافة إلى ذلك، فوسائل التواصل الاجتماعي لها دور كبير في تعزيز هذه الظاهرة، حيث يمكن للشباب أن يشعروا بالانتماء إلى مجتمع عالمي من خلال مشاركة صورهم وأسلوب حياتهم.

أيضا بحسب حديث الزعبي لـ”الحل نت”، هناك عدة أسباب محتملة تدفع الشباب السوريين للتركيز على الموضة والجمال، منها الهروب من الواقع المرير الذي يواجهه الشباب السوري، من حرب وفقر وقمع وانعدام أمن. فبدلا من أن يغرقوا في اليأس والإحباط، يحاولون إضفاء بعض البهجة والألوان على حياتهم، وإظهار جانب إيجابي من شخصياتهم.

كذلك قد يكون التركيز على الموضة والجمال طريقة للتعبير عن الذات والاستقلالية في مجتمع محافظ ومقيد. فالشباب السوريون يرغبون في إظهار هويتهم وأسلوبهم وتفرّدهم، وفي التحدي والتغيير والابتكار. كما يرغبون في التواصل مع الثقافات الأخرى، ومتابعة الاتجاهات العالمية في الموضة والجمال.

فضلا عن ذلك، فقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة جديدة وهي الانتماء للمجموعة والحصول على القبول والإعجاب من قبل الآخرين. فالشباب السوريون يسعون إلى تكوين صداقات وعلاقات مع أشخاص يشاركونهم نفس الاهتمامات والذوق، وإلى تحقيق شعور بالانسجام والاندماج مع المجتمع. كما يسعون إلى تحسين صورتهم الذاتية وثقتهم بأنفسهم، وإلى تجنّب الانتقاد أو السخرية من قبل الآخرين.

ملوك الأناقة.. هل هي ظاهرة صحية أم مرضية؟

من منظور صحي يرى الزعبي، أنه قد يكون التركيز على الموضة والجمال طريقة للحفاظ على صحة الجسم والروح، وللتخفيف من آثار الحرب والفقر والقمع على النفسية. فالشباب السوريون يحبون الحياة والجمال، ويحترمون أنفسهم وأجسادهم، ويهتمون بصحتهم ونظافتهم، ويسعون إلى تحسين مظهرهم وثقتهم. فهم لا يرضون بالانكسار أو الاستسلام للظروف القاسية، بل يحاولون إضفاء بعض البهجة والألوان على حياتهم، وإظهار جانب إيجابي من شخصياتهم.

لكن من منظور مَرضي، قد يكون التركيز على الموضة والجمال طريقة للهروب من الواقع أو التعبير عن حالة نفسية مضطربة أو مشكلة اجتماعية خطيرة. فالشباب السوريون قد يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق أو انخفاض الثقة بالنفس، نتيجة للصدمات التي تعرضوا لها جراء الحرب والفقر والانزلاق إلى الجريمة أو المخدرات أو التطرف. فهم قد يستخدمون الموضة والجمال كوسيلة لإخفاء هذه المشاعر أو التغلب عليها بطرق غير صحية. كما قد يستخدمون الموضة والجمال كوسيلة للانتقام من المجتمع أو لإثارة غيرته أو لإظهار الاستخفاف به.

لا سيما وأن قسما كبيرا داخل سوريا وبسبب غلاء المعيشة فرض حيلا جديدة لإحياء الملابس القديمة، فمع العودة إلى المدارس يعاني الأهالي من مشقة تأمين اللباس المدرسي في ظل ظروف معيشية صعبة، حيث تلجأ الأسر لإعادة تدوير القطع القديمة لديها لتأمين احتياجات أبنائها من الملابس. ويحدث ذلك نتيجة ترنح ميزانية الأسرة تحت ضغط فواتير المؤونة والقرطاسية وفواتير أخرى ترهق كاهلهم.

خلال الشهر الحالي تزايدت طلبات الأهالي بخصوص تغير ألوان البنطلونات وإعادة صبغها باللون الرمادي أو الكحلي لاستخدامها لطلاب الإعدادي والثانوي، كما أن أجور الصباغة أيضا لم تعد رخيصة كالسابق، حيث أصبحت التكلفة 25 ألف ليرة ورغم ذلك تبقى مقبولة للأهالي كحل بديل فأي بنطال في السوق لا يقل سعره عن 90 ألف ليرة.

مع كل هذا تبقى التساؤلات عن تأثير هذه الظاهرة على المجتمع السوري بشكل عام، وهل هي مجرد هروب من الواقع الصعب أم هناك رسائل أعمق تُرسَل من خلال هذا السلوك، عبر مساهمتها في تحسين معنويات الشباب وزيادة إيجابيتهم رغم الظروف الصعبة، أم هل هناك خلفية اجتماعية أو اقتصادية تجعل هؤلاء الشبان يتبنون هذا الأسلوب الحياتي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات