احتجاجات السويداء التي دخلت أسبوعها الرابع تجاوزت من مرحلة الاحتجاج السلمي إلى مرحلة أعمق وأكثر تعقيدا، وهذا التطور أثار التساؤلات حول تجاوز تلك الاحتجاجات السويداء التظاهر السلمي، لا سيما أن تأسيس هيئة سياسية مدنية يمكن أن يكون خطوة كبيرة نحو تحقيق أهداف المعارضين في سوريا، ويمكن أن يكون لها تأثير هائل على المستقبل السياسي للبلاد.

خلفيات وأهداف وآفاق هذه الاحتجاجات، التي بدأت كمطالب اقتصادية واجتماعية، وتطورت إلى مطالب سياسية بالتغيير الديمقراطي وتغيير المنظومة السياسية، تمثل رؤية المحافظة لمستقبل سوريا، وتسعى إلى المشاركة في العملية السياسية على المستوى الوطني والدولي. 

احتجاجات السويداء بمذاق سياسي

مصادر إعلامية محلية في محافظة السويداء، الواقعة في جنوب سوريا، ذكرت أن أعيان المحافظة وقادة الاحتجاجات المتواصلة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، يعتزمون بدء تشكيل هيئة سياسية مدنية ابتداءً من اليوم الأربعاء، بعد أن شهدت المحافظة احتجاجات استمرت لأكثر من ثلاثة أسابيع، بدأت تنادي بدايةً بمطالب اقتصادية قبل أن تتحول إلى مطالب تطالب برحيل السلطة السياسية في دمشق.

وفقا للمصادر، ستنشأ الهيئة السياسية المدنية في المحافظة لتضم أغلبية الطائفة الدرزية في سوريا؛ كنتيجة لعقد مؤتمر سياسي في السويداء خلال الأيام القادمة، ومن المتوقع أن تقدم هذه الهيئة رؤيتها السياسية لمستقبل البلاد إلى المجتمع الدولي، وستشارك بفاعلية في العمل السياسي لإعادة بناء الدولة.

الهيئة الجديدة بحسب ما تابع “الحل نت”، ستلتزم بمجموعة من المبادئ الأساسية، منها التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشروع انفصالي، وستسعى أيضا لتعزيز مفهوم الإدارة اللامركزية وتقديم مفهوم الإدارة الذاتية في إطار تقديم الخدمات وتلبية احتياجات المجتمع، كما ستعمل على مكافحة انتشار ظاهرة المخدرات في المجتمع، والتي انتشرت بشكل كبير نتيجة دعم الأجهزة الأمنية السورية لها.

على وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها سوريا، والتي تفاقمت بفعل الزلزال المدمر في شباط/ فبراير الفائت والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الدول الغربية، حيث فقدت العملة المحلية أكثر من 99 بالمئة من قيمتها، يواصل سكان السويداء، مظاهراتهم المستمرة منذ منتصف آب/أغسطس الماضي، احتجاجا على الارتفاع الكبير في كلفة المعيشة.

ورغم أن الحكومة السورية قد ضاعفت أخيرا رواتب العاملين في الدولة، إلا أن ذلك لم يضعف هدير المحتجين الذي تعالى في مناطق متعددة في البلاد، خاصة بعدما تبخرت آمال انفراجة اقتصادية إثر عودة العلاقات مع الدول العربية وخاصة السعودية قبل نحو أربعة أشهر.

حطموا “تمثال حافظ” ومزقوا “ملصق بشار”

خلال يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، قام مئات المحتجين الغاضبين في السويداء بتحطيم تمثالا للرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، في إطار احتجاجات تم تنظيمها لإحياء ذكرى اغتيال زعيم درزي بارز ومناهض للحكومة في عام 2015.

عاصمة المحافظة المعروفة باسم مدينة السويداء، شهدت احتجاجات بعد أن دعا الرجال والنساء إلى إسقاط السلطة السياسية في دمشق، وقام بعض المحتجين بتدمير تمثال والد الرئيس السوري، بشار الأسد، الرئيس السابق حافظ الأسد.

كما خرج بعض المحتجين نحو مبنى الفرع المحلي للضمان الاجتماعي، ونفذوا عمليات تمزيق لملصق ضخم يحمل صورة الرئيس السوري، بشار الأسد، وفقا لمقاطع فيديو تمت مشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه التصرفات جاءت بالتزامن مع الذكرى الثامنة لاغتيال رجل الدين الشيخ وحيد البلعوس، وهو أحد أبرز الأشخاص الذين نقدوا الحكومة السورية، وسبق أن دعا الشباب في السويداء إلى مقاومة الخدمة العسكرية.

الشيخ وحيد البلعوس، الذي كان من المؤيدين القويين للإطاحة بالسلطة السياسية السورية، قتل في تفجير استهدفه بقنبلتين في الرابع من أيلول/سبتمبر عام 2015، مما أسفر أيضا عن مقتل 25 شخصًا آخرين، وألقى بعض الأشخاص اللوم على الحكومة في تنفيذ هذا الهجوم.

كيف ستتعامل الحكومة السورية مع المطالب؟

هناك إدراكا من شق واسعٍ من السوريين، أن تردي الأوضاع الاقتصادية يعود إلى حالة الجمود السياسي، بحسب تصريحات  أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة “باريس”، رامي الخليفة، فالمتظاهرون في السويداء ذات الأغلبية الدرزية، حيث القبضة الأمنية أقل من باقي المناطق، رفعوا مطالب بتطبيق القرار الأممي “2254” الذي ينص على انتقال سياسي وتأسيس نظام حكم جديد.

طبقا لحديث المحامي، حسن الحريري، لـ”الحل نت”، فإنه لا يمكن التنبؤ بسهولة بكيفية تعامل الحكومة السورية مع المطالب المتصاعدة للمتظاهرين في السويداء، فقد اتخذت مواقف متباينة في التعامل مع الاحتجاجات في مناطق أخرى من سوريا. ومن المحتمل أن تتأثر قراراتها بعوامل عديدة.

قد تواجه الحكومة السورية ضغوطا من الدول الغربية والعربية والأمم المتحدة للتفاوض مع المعارضة السورية والسماح بانتقال سياسي ديمقراطي، وفقا للقرار الأممي 22541؛ وقد تستغل هذه الدول الاحتجاجات في السويداء كفرصة لزيادة الضغط على دمشق وإظهار فشلها في إدارة الأزمة السورية.

أيضا قد تواجه الحكومة السورية تهديدات أمنية من جهات مختلفة، سواء كانت دولية أو إقليمية أو محلية؛ فقد تحاول إيران أو روسيا أو تركيا أو إسرائيل التدخل في شؤون السويداء لتحقيق مصالحها أو ضرب مصالح خصومها.

من المرجح بحسب الحريري، أن تحاول الحكومة السورية بناء تحالفات مع بعض الفئات أو الشخصيات المحلية في السويداء، لإضعاف حركة الاحتجاج أو تشتيت صفوفها. وقد تستخدم لذلك وسائل مختلفة، مثل المنافع المادية أو المنصبية أو التهديدات أو الترغيبات، وقد تستفيد من وجود انقسامات أو خلافات داخل المجتمع المحلي، سواء على أساس طائفي أو عشائري أو سياسي.

إذاً فإن رد فعل الحكومة السورية على المطالب المتظاهرين في السويداء سيكون معقدا ومتغيرا، وسيعتمد على تقييم المخاطر والفرص التي تواجهها في كل مرحلة، وسيكون لهذا الرد فعلا تأثير كبير على مصير الاحتجاجات ومستقبل السويداء وسوريا بشكل عام، لا سيما بعد الإعلان عن  تشكيل هيئة سياسية مدنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات