رغم توسع موجة الاحتجاجات في محافظة السويداء، التي تعد معقلا للطائفة الدرزية، للمطالبة برحيل السلطة السياسية في دمشق ومحاسبة المسؤولين عن الفشل والفقر والقمع، والمناداة بحرية التعبير والتظاهر والكرامة، إلا أن الإعلام الرسمي السوري، بدلا من أن ينقل حقيقة ما يحدث في السويداء، وأن يستمع إلى مطالبهم، فضّل أن يلجأ إلى التضليل والتشويه والتشهير.

فقد ادعى التلفزيون السوري، في تقرير مصور بثه يوم أمس الخميس، أن المحتجين في السويداء يتلقون 20 دولار لكل مشاركة في التظاهرات، وأن هذه الاحتجاجات تحرّض عليها جهات خارجية تريد زعزعة استقرار البلاد.

هذا التقرير، الذي يفتقد إلى أدنى مستوى من المصداقية والمهنية بحسب مصادر محلية، يعكس حجم الانفصال بين الإعلام السوري والواقع المعاش للشعب السوري، فهو يحاول تجاهل أزمة حقيقية تستدعي حلا عادلا وشاملا، ويحول دون نشر المعلومات الموثوقة والحوار المجتمعي، كما أنه بنظرهم يشكّل إهانة لكرامة المحتجين، الذين يخاطرون بحياتهم من أجل مستقبل أفضل.

منهجية واحدة للاعتراف بالاحتجاجات

مع تصاعد الأحداث والتحولات السياسية في السويداء، باتت حركة الاحتجاج والتظاهر تلعب دورا أساسيا في تعبير الشعب السوري عن آرائه ومطالبه، ومن بين المدن التي شهدت احتجاجات متواصلة ومستمرة مؤخرا تبرز مدينة السويداء كواحدة من أبرز المراكز لهذا الاحتجاج السلمي. 

إلا أن ما يثير الدهشة والاستفسار هو تقارير الإعلام حول تلك الاحتجاجات، وبالأخص ما تم نقله عن الإعلام السوري حيث ذُكر أن المتظاهرين في السويداء يتلقون مبلغ 20 دولار للمشاركة في التظاهرات، فضلا عن تلقيهم أسلحة قادمة من أراضي الجولان.

يبدو أن السلطات في دمشق تواصل تكرار خطاباتها التي تشجب وتدين المحتجين في مناطق مختلفة داخل البلاد، وهذا النهج أثار الكثير من التساؤلات والاستياء من قبل العديد من المحتجين، لا سيما بعد أن تكرر خطاب إرسال مبلغ 20 مليون ليرة من قبل شيخ الطائفة الدرزية في فلسطين موفق الطريف، للمحتجين في السويداء.

تكرار خطابات شيطنة المحتجين بحسب الناشط من مدينة السويداء، رافع أبو راس، لـ”الحل نت”، يمكن أن يزيد من التوترات في البلاد ويقوض الفرصة لحل سلمي ومستدام للأزمة، ولذا يجب أن تسعى السلطات إلى الاستماع إلى مطالب المحتجين بشكل جاد والبحث عن حلول تلبي تلك المطالب بدلا من اللجوء إلى تجنيب المسؤولية وتجريم المحتجين.

الإعلام المستقل في سوريا بحسب أبو راس لا أرضية له، لأن الإعلام الحالي يخضع لسيطرة وتأثير الحكومة السورية وجهات سياسية أو مالية أخرى، وهذا النوع من الإعلام لا يسعى إلى نقل الحقائق والأخبار بموضوعية ومهنية، ولا يحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

بحسب تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”، تحتل سوريا المرتبة 174 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، ما يجعلها واحدة من أخطر دول العالم للصحفيين. ووفقا للمنظمة، قُتل 10 صحفيين في سوريا خلال عام 2022، ولا يزال 30 صحفيا مفقودا أو مختطفا، كما تتعرض وسائل الإعلام المستقلة لهجمات إلكترونية وحملات تشويه وتشهير من قبل الأطراف المتصارعة.

“بلغ السيل الزبى”

في مدينة السويداء، تستعد ساحة الكرامة اليوم الجمعة، التي باتت معقلا لتجمع المحتجين؛ لاستقبال حشود ضخمة من المواطنين والمواطنات، حيث يتم التحضير لتظاهرة مركزية تجتمع فيها جماهير المحافظة، وهو موعد تم تثبيته كل أسبوع من قبل المحتجين.

أيضا في منطقة شهبا شمالي السويداء، تم التوافق بين نشطاء المنطقة بحسب أبو راس، على التجمع في ساحة البلدة في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحا، ومن المقرر أن تحضر وفود من العديد من القرى الشمالية والشرقية والغربية.

المحتجون في ساحة شهبا سينطلقون من البوابات الجنوبية، إلى ساحة “الكرامة” في السويداء، وسيتم التقاء المشاركين مع أهالي مردك وسليم وعتيل أثناء مسيرتهم إلى السويداء.

كذلك في الريف الجنوبي والغربي من المدينة، من قرى ملح وصلخد وعرمان وأمتان إلى المجدل والمزرعة وتعارة، تم الاتفاق في جميع المناطق على آليات محددة للتجمع والانتقال إلى ساحة “الكرامة”.

على الرغم من التهديدات التي وجهت لسائقي وسائل النقل العام بحرمانهم من مخصصات الوقود إذا قاموا بنقل المحتجين إلى السويداء، إلا أن الأهالي في معظم المناطق وجدوا وسائل بديلة لنقلهم إلى الساحة، ويبدو أن تلك التهديدات هي محاولة مبالغ فيها لترهيب السائقين.

مع ذلك وطبقا لحديث أبو راس، فإن السلطة تعلم جيدا أن حاجز الخوف قد تم تجاوزه من قبل الناس، وأصبح هؤلاء الأشخاص ليس لديهم ما يخسرونه بعد نهب السلطة لكل مقدراتهم، فساحة “الكرامة” أصبحت البديل الوحيد لهم للتعبير عن مطالبهم واحتجاجاتهم، حسب وصفه،.

الفرق الحزبية مغلقة 

في السياق ذاته، وبعد إصرار المحتجين في السويداء على إغلاق مراكز ومقار حزب “البعث”، دعت ما تسمى “الهيئة الدينية” في بلدة القريّا إلى عدم التعرض لمقام الرئاسة أو الجيش السوري بأي شكل من الأشكال وعدم المساس بمؤسسات ومنشآت الدولة وكوادرها وموظفيها.

“الهيئة” أشارت في بيان نُقل عبر صحيفة “الوطن” المحلية، إلى تأخر استجابة الحكومة لمطالب المتظاهرين المتعلقة بالأوضاع المعيشية، وأيضا قدمت “الهيئة” تأييدا للحراك الأهلي في البلدة ومطالبهم السلمية التي تعبّر عن رفاهية سكانها.

هذا البيان يأتي بعد مرور حوالي شهر من بدء الاحتجاجات الواسعة في محافظة السويداء، حيث شهدت مركز المدينة ومعظم القرى والبلدات احتجاجات تطالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وتنفيذ القرار الأممي “2254”، وتحسين الأوضاع المعيشية، وذلك بسبب زيادة أسعار المحروقات ورفع الدعم عنها من قبل الحكومة.

طبقا لما أفاد به أبو راس، فإن هذا البيان لا يعبر عن وجهة نظر الطائفة الدرزية ككل، بل يمثل موقف رجال الدين في بلدة القريا فقط، ففي السابق أعلن مشايخ عقل الطائفة الدرزية الثلاثة في محافظة السويداء دعمهم للحراك الشعبي وأصدروا بيانا مشتركا يتضمن ست مطالب، منها تشكيل حكومة جديدة قادرة على حل الأزمة وتحسين الوضع المعيشي.

“مشيخة العقل” أو “الرئاسة الروحية” تعد المرجعية الدينية العليا للطائفة الدرزية، وهي تتألف من ثلاثة شيوخ عقل يتصدرون قمة التنظيم الديني للطائفة الدرزية، وتعتبر مكانة المشايخ متوارثة ولا يمكن أن تخرج المشيخة عن أسماء ثلاث عوائل الهجري، والجربوع، والحناوي.

مكانة الشيخ حكمت الهجري الدينية تنحصر في الريف الشمالي والشمالي الشرقي والريف الغربي للسويداء ما يسمى بـ “دار قنوات”، فيما يبرز اسم الشيخ حمود الحناوي في منطقة سهوة البلاطة في الريف الجنوبي للمحافظة، ويعد الشيخ يوسف الجربوع المسؤول عن دار الطائفة في “مقام عين الزمان”، ويتركز نفوذه الديني في مدينة السويداء والقرى الصغيرة المجاورة لها.

لا يبدو أن السلطات السورية تملك أبسط الأدوات للتعامل مع مطالب المحتجين، لذلك فهي بدأت تلجأ لأساليب عديدة بهدف إنهاء الاحتجاجات عبر استمالة بعض وجهاء محافظة السويداء، أو حتى استخدام العنف بأيادي غير حكومية، أو تستخدم الإعلام لترويج التهم التي لم تغيرها منذ عام 2011 عندما بدأت الاحتجاجات في مدينة درعا وانتقلت إلى باقي المدن السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات