مع تصاعدت حدة الاحتجاجات في السويداء، يبدو أن القضبة الأمنية لدمشق بدأت تتفلت، حيث أطلق عناصر من قوات الأمن السوري، أمس الأربعاء، النار على المحتجين أمام مقر حزب “البعث” في مدينة السويداء، مما أسفر عن إصابة عدد منهم.

هذا التصعيد أثار ردود فعل غاضبة من قبل شخصيات وفصائل درزية، التي أكدت رفضها للوجود الإيراني في سوريا، وطالبت بإسقاط المنظومة السياسية الحاكمة، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية. ومن بين هذه الردود، تصريح شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، الذي وصف إيران والميليشيات الموالية لها بأنها قوى احتلال، وحث على التحرك ضدها.

دلالات بيان الشيخ “حكمت الهجري”

إن الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة السويداء في سوريا لا يمكن أن يلتفت لها بلامبالاة أو تجاهل، فقد اندلعت احتجاجات غاضبة هناك منذ أربعة أسابيع لتصل لمرحلة إطلاق النار على المحتجين من قبل عناصر الأمن، وهذه الأحداث لها أبعاد كبيرة وتأثيرات ملموسة على الوضع السوري ومستقبل المنطقة بأسرها.

إن تصاعد التوترات في السويداء وتصاعد حدة الاحتجاجات يلقي الضوء على مدى التوترات السياسية والاجتماعية التي تعصف بسوريا منذ عام 2011، وفي هذا السياق، يأتي تصريح الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، بأهمية فهم الأبعاد الحقيقية للمشكلات التي تعصف بالبلاد.

بالنسبة لحادث إطلاق النار أوضح الهجري أنه ليس مستغربا مما حدث بالأمس، وذكر أنه حذر سابقا من أن أي سوء سيصيب المدنيين سيكون من هؤلاء “الحزبيين الساقطين” في إشارة لحزب “البعث” و”حزب الله” اللبناني، ولمطلقي النار الذين كانوا يتمركزون فوق مبنى حزب “البعث” في المدينة.

أيضا خلال البيان الذي ألقاه على مجموعة من المحتجين، لفت إلى أن إيران محتلة لسوريا منذ لحظة دخولها إليها عقب عام 2011 لمساندة الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته، مضيفا أنه يجب “الجهاد ضد الميليشيات الإيرانية وحزب الله في سوريا”. 

كما أكد الهجري الذي يدعم احتجاجات السويداء منذ اليوم الأول، أن إيران وميليشياتها دخلوا لسرقة ثروات سوريا، كما استجلبوا مرتزقة من أجل ذلك، بالإضافة لتغيير عقول الناس في اتجاه لسنا مقتنعين به، ولنشر فكرهم التخريبي، محذرا في الوقت ذاته من مؤامرة.

لا شك أن تصريح الشيخ الهجري يعكس درجة القلق البالغة بين الفصائل السورية المختلفة حيال التدخل الإيراني في شؤون سوريا، إذ يرى الشيخ الهجري أن إيران تعتبر محتلة لسوريا، وهو تصريح يظهر تصاعد الاستياء من وجود قوات إيرانية وميليشياتها في البلاد.

الدعوة لتصعيد الاحتجاجات

خلال كلمته التي أذيعت على منصات التواصل الاجتماعي، هدد الهجري قائلا “أي سلاح ضد الشعب السوري يجب اجتثاثه.. الطلقة ببيت النار وبدو يضل سلاحنا منضف بس لوقت منطلب التدخل”، وأردف هذه الجملة بالدعوة للاستمرار في التظاهر ضد الحكومة السورية في السويداء، بالرغم من خططها لجر المحافظة إلى العنف، حسب وصفه. 

هذا البيان وفق تقدير الباحث السياسي، ليث سلوم، يعتبر تغيرا جذريا في موقف العام لشيخ عقل الطائفة الدرزية، الذي كان سابقا يهدأ من زخم الاحتجاجات، ويشير إلى تصاعد حدة التوتر بين السلطة والمجتمع المحلي في المحافظة.

خلال حديثه لـ”الحل نت”، أشار سلوم إلى أن هذا البيان ينتقد بشدة سوء إدارة الحكومة وفسادها وإهمالها لمطالب وحقوق الشعب، ويحذر من استمرار الجوع والفقر والضغط الضريبي والأمني على المواطنين.

ليس ذلك فحسب، بل أيضا يرفض التورط في أية فتنة طائفية أو منطقية أو انفصالية، ويؤكد على انتماء أهالي المحافظة للوطن السوري الواحد، وتضامنهم مع السوريين في كل المحافظات، ولا سيما درعا.

رفض وساطة دمشق للتهدئة في السويداء

في 24 آب/أغسطس الفائت، رفض رئيس مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، وساطة الرئيس السوري بشار الأسد للتهدئة في مدينة السويداء، التي كانت تشهد احتجاجات منذ أيام، وذلك بعد زيارة محافظ السويداء، بسام بارسيك، للهجري وقدم عرضا له حول حلول للواقع الاقتصادي والمعيشي.

بارسيك عرض على الهجري إجراء اتصال مع أحد القيادات في دمشق، إلا أن الشيخ الهجري رفض، وأكد أن المسألة لا تحتاج لوساطات ولا اتصالات، وأن مطالب الشارع معروفة ولا داعي لشرحها، ولن يكون هناك أي تواصل مع أحد قبل تحقيق مطالب الشارع.

الهجري الذي كان قد تلقى اتصالا من بشار الأسد، عام 2021 بعد غضب شباب ومشايخ السويداء بسبب إهانته من قبل رئيس فرع “الأمن العسكري”، لؤي العلي أثناء طلبهم من الأخير الإفراج عن أحد المعقلين من أبناء السويداء، رفض الوساطة الجديدة، ويبدو أنه تحول بمجريات الأحداث في جنوب سوريا.

تجدر الإشارة إلى أن تصاعد الاحتجاجات في المدينة وحادثة إطلاق الرصاص على المحتجين، أمس الأربعاء، أشعل ظاهرة إغلاق مقار حزب “البعث”، حيث أغلق محتجون اليوم الخميس، مقرين للحزب في بلدتي المزرعة والغارية والأمر الملفت هو تحويل مبنى إحدى الفروع إلى روضة للأطفال تحمل اسم “الحرية”، وهو رمز لرغبة الشعب السوري في التغيير والحرية.

هذه التطورات تشير إلى تغير جذري في موقف سكان المحافظة، وإلى تصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة السياسية ومؤسساتها، ويبدو أن تأثيراتها على المشهد السوري ستكون بادرة لانطلاق موجة جديدة ضد دمشق، لا سيما مع دخول “حزب الله” وإيران في المعادلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات