سوريا تعيش اليوم أزمة اقتصادية خانقة، بسبب عدّة عوامل منها التضخم المتفاقم، والتداعيات الطويلة للنزاع الداخلي الذي أثّر على كافة جوانب الحياة، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، عاش الشعب السوري تحت وطأة الأزمات المتتالية، ما دفع بعضهم إلى اللجوء إلى وسيلة تُعتبر غير مألوفة في العصر الحديث، وهي استخدام الحمير في خدمات متعددة في الحياة اليومية.

بالنسبة للكثيرين، قد يبدو هذا الموضوع غريبا وربما طريفا، ولكنه يحمل في طياته أهمية كبيرة تفرض التفكير الجَدّي في أسباب وتداعيات هذه الظاهرة، إذ تشير عودة الحمير إلى الخدمة إلى أن الأزمات الاقتصادية في سوريا وصلت إلى مرحلة لا تحتمل المزيد من الانتظار، فهي تعكس واقعا يوميا يواجهه المواطن السوري، حيث تتفشى البطالة، وترتفع أسعار السلع الأساسية، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الضرورية، وهذه الأوضاع المعيشية الصعبة تدفع البعض إلى استخدام وسائل تقليدية للتخفيف من حدّة الأزمة.

عودة الحمير للخدمة ليست مجرد حدث طارئ أو حادثة فردية، إنها عبارة عن إشارة واضحة للحاجة المُلحّة إلى تحسين الوضع الاقتصادي في سوريا، فالاعتماد على الحمير كوسيلة لنقل البضائع والمواد الأساسية يعكس تدهور الوسائل الحديثة للنقل.

حمير سوريا.. من وسائل النقل إلى رمز للأزمة الاقتصادية

الحكومة السورية، أعلنت مساء الأحد الفائت، زيادة جديدة في أسعار المحروقات، وذلك بعد نحو شهر من زيادة سابقة، وبحسب نشرة أسعار صدرت عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، فقد ارتفع سعر البنزين “95 أوكتان” إلى 14.660 ليرة بدلا من 14.460 ليرة لليتر الواحد، كما ارتفع سعر ليتر المازوت الحر إلى 13.000 ليرة سورية بدلا من 12.360 ليرة للتر الواحد، ورفعت الوزارة سعر الفيول الحر والغاز السائل “دوغما”، الموزّع على القطاع الصناعي الخاص وبقية القطاعات الأخرى الخاصة.

أسعار البنزين في سوريا سجلت زيادة نحو 167 بالمئة في محطات الوقود، بدءا من أمس الثلاثاء، بعد الزيادة الثالثة خلال العام الجاري، حيث تشهد مختلف المناطق السورية أزمات متلاحقة في مختلف المشتقات النفطية، مع استمرار مشهد طوابير المنتظرين للحصول على حصتهم.

بسبب هذه الارتفاعات وندرة المحروقات وتوقف وسائل المواصلات فضلا عن ارتفاع أسعارها، شهدت الحمير في سوريا ظهورا جديدا في الشوارع السورية، وهي حيوانات ذات أهمية تاريخية واقتصادية في سوريا، حيث كانت تستخدم في الماضي كوسيلة للنقل والزراعة والتجارة والسياحة، وتعتبر الحمير من الثروة الحيوانية التي تساهم في تحسين دخل ومعيشة السكان الريفيين والبدويين، خاصة في المناطق النائية والجبلية والصحراوية.

مع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، تأثرت الحمير في سوريا بشكل سلبي بالصراع والعنف والنزوح والفقر والجفاف والمرض والنهب والقتل، وانخفض عدد الحمير في سوريا من حوالي 300 ألف حمار عام 2010 إلى أقل من 100 ألف حمار عام 2019، وتعرضت الحمير للإهمال والإساءة والاستغلال من قبل بعض الجهات المسلحة و المهربين والمتاجرين باللحوم والجلود.

في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا، ازداد الطلب على حمير سوريا كوسيلة رخيصة ومتاحة للنقل والعمل والتدفئة والتغذية، وأصبحت الحمير رمزا للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، حيث تراجعت قيمة الليرة السورية وارتفعت أسعار الوقود والمواصلات والسلع الأساسية، وبحسب بعض الشهادات التي حصل عليها “الحل نت”، فإن سعر الحمار في سوريا يتراوح بين 600 ومليون ليرة سورية، بينما يصل سعر السيارة إلى ملايين الليرات.

خيار عملي واقتصادي

إحدى الشهادات التي حصل عليها “الحل نت”، جاءت من عبد الكريم حمدان، البائع في سوق دمشق القديمة، يقول “في السابق، كان لدي سيارة صغيرة لنقل البضائع، وكانت الأمور جيدة، لكن مع ارتفاع أسعار الوقود وصعوبة الحصول على قطع الغيار، اضطررت للانتقال إلى استخدام الحمير، إنها بالنسبة لي الآن وسيلة أقل تكلفة وأكثر فعالية لنقل البضائع”.

من جهة أخرى، تفيد سلمى شحادة، وهي أم لثلاثة أطفال، بأنه “ليس لدينا مهنة أو دخل ثابت، زوجي كان يعمل في مجال البناء، لكن بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فقد فَقَد وظيفته، واليوم النقل بالحمار لتأمين لقمة العيش لأطفالي، ورغم صعوبة المهنة لكنها تساعدنا على البقاء على قيد الحياة”.

أحمد عطيه الذي يعمل مزارعا في ريف دمشق، قال لـ”الحل نت”، إننا “كنا نعتمد على الحمير في أعمال الحقول والمزارع، لكننا لاحظنا ارتفاعا كبيرا في أسعارها في السنوات الأخيرة، كانت الحمير في السابق وسيلة ميسّرة لنا للعمل، لكن اليوم أصبحت تكلفة إضافية نحن بصعوبة نستطيع تحمّل تكاليفها”.

أما برهان شاكر، ذكر لـ”الحل نت”، أن استخدام الحمير كوسيلة نقل داخل بلدة قطنا بريف دمشق، وفّر الكثير عليهم، حيث كان سابقا يضطر لدفع 8 آلاف ليرة لسائق التكسي خلال انتقاله من السوق إلى البيت، لكن الآن لا تبلغ أجرة انتقاله عبر الحمار أو ما يعرف محليا بـ”الحنتور” سوى 1500 ليرة سورية، وهي بالنسبة له خيار اقتصادي وفّر الكثير عليه.

مجرد أزمة أم تغيّر دائم؟

ظهور حالة “الحناتير” أو “الطنبر” في سوريا بعد اختفائها يعود إلى عام 2018، وهي عبارة عن حصان أو حمار يجر عربة خشبية، حيث اعتاد بعض الأهالي في بعض قرى الريف استخدامه في بيع أسطوانات الغاز السائل أو المياه أو لبيع النفط الأبيض “الكيروسين” أو الخضار، أو في الأعياد لنقل الأطفال إلى المنتزهات لقاء مبالغ زهيدة.

طبقا لحديث الاقتصادي السوري، مازن الحمود، لـ”الحل نت”، فإن استخدام الحمير في سوريا كوسيلة نقل ليس مجرد أزمة مؤقتة، بل يمكن اعتباره تغييرا دائما في بنية النقل والاقتصاد في البلاد، إذ إن هذا التحول يعكس الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتحديات الكبيرة التي يواجهها السوريون، ويعكس أيضا تراجع البنية التحتية والخدمات العامة في البلاد.

الحمود أوضح أن الحمير أصبحت بديلا أقل تكلفة وأكثر إتاحة لبعض الأشخاص في سوريا بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف الوقود وصعوبة الوصول إلى وسائل نقل أخرى، لذا يمكن النظر في هذا التغيير كاستجابة طبيعية للظروف الاقتصادية الصعبة.

مع ذلك، يجب التذكر أن استخدام الحمير كوسيلة نقل له تأثيرات جانبية ومحددة، ويعكس هذا التغيير تدهور البنية التحتية والاقتصاد في البلاد، ويؤكد على الحاجة الملحّة للتحسينات والإصلاحات، كما أنه أيضا يظهر حاجة سوريا لتنويع اقتصادها وتحسين فرص العمل والاستثمار في القطاعات الأخرى.

خلال العام الجاري، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورا من داخل مدينة حلب وغيرها من المناطق السورية، تظهر استخدام السكان للحيوانات التي تجرّ عربات خشبية “الحنتور”، لإيصال العمال والطلاب إلى أماكن أعمالهم ودراستهم.

إن عودة الحمير للخدمة في سوريا تجسّد حقيقة قاسية، تدل على مدى تأثير سياسات الحكومة التقليدية في الاقتصاد السوري، والتي تسببت بانهيار العملة المحلية في سوريا، ووصول سعر الدولار الأميركي إلى نحو 14000 ليرة، وأصبحت الفئات الصغيرة من العملة قيمتها شبه معدومة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات