يبدو أن أسعار كل شيء تقريبا بهذه البلاد في ارتفاع مستمر، وكغيرها من السلع التي ارتفعت أسعارها مؤخرا في الأسواق السورية، تضاعفت أسعار المنظفات إلى أرقام قياسية، لدرجة أن توفير هذه المستلزمات للعائلات يحتاج إلى ميزانية مخصصة، تزامنا مع مضاعفة أجور خدمات التنظيف بنحو 300 بالمئة.

بالتالي، فإن هذا الارتفاع في الأسعار سيُجبر الأُسر السورية على تقليل استهلاكها لمواد التنظيف، فضلا عن التوجه لشراء الأنواع ذات الجودة الرديئة أو التي تُباع بـ “الفرط” دون عبوات مختومة بسبب انخفاض أسعارها، رغم قلّة فعاليتها وآثارها الصحية السلبية.

تضاعف أسعار المنظفات

في سياق ذلك أكد عددٌ من أصحاب محلات المنظفات في دمشق وريفها أن أسعار كل شيء زاد، ومنها المنظفات، حيث يبلغ سعر أقل قطعة صابون 3000 ليرة سورية، مقارنة بـ 1000 ليرة سورية العام الماضي، حتى مادة الفلاش والكلور وسائل الجلي “اللودلين” وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وفق ما أوردته صحيفة “البعث” المحلية قبل يومين.

هذا يعني أن مبالغ مالية إضافية إلى جانب الغذاء واللباس سوف يتحملها المواطنون، وحسب قول أصحاب المحال التجارية، فإن سلّة المنظفات للأسرة تحتاج اليوم لنحو 600 ألف ليرة سورية، بين سائل الجلي و صابون التنظيف وغسيل غسالة “الاتوماتيك” ومطهرات ومبيضات وغيرها، هذا فضلا عن أن أجور الغسيل للملبوسات والفرشات والحرامات والسجاد التي اختلفت كثيرا مؤخرا في المغاسل الخصوصية.

على سبيل المثال، تكلفة تنظيف السجادة الواحدة ارتفع من 5 آلاف ليرة سورية في العام الماضي إلى ما بين 7– 9 آلاف ليرة للمتر الواحد اليوم، حتى أن أجرة غسيل أي غطاء “الحرام” حسب القياس أصبح يتجاوز 35 ألف ليرة. ولفت أصحاب المحال التجارية إلى تراجع واضح في الإقبال على الغسيل بالمغاسل بنسبة زادت عن النصف مقارنة مع العام الماضي.

كما أن أجور اليد العاملة لم تكن بأحسن حال، فقد وصلت إلى 20 ألف ليرة سورية للعامل يوميا، بعد أن كانت 4 آلاف ليرة في السابق، وفواتير المياه والضرائب والبلدية وغيرها من الأمور التي تزيد الأعباء على صاحب المِهنة ومنه على الزبون تلقائيا.

الواقعية الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين السوريين، تتجلى في تراجع مبيعات منتجات النظافة الشخصية بنسب مقلقة. وليس ذلك فحسب، بل إن غلاء هذه المواد وعدم قدرة بعض العوائل على شرائها أثار ظاهرة فقر النظافة.

تأثير هذه المشكلة يمتد إلى العديد من جوانب حياة السوريين. إذ تؤثر على صحتهم ونظافتهم الشخصية، مما قد يؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض والظروف الصحية السيئة. كما تؤثر على جودة الحياة والرفاهية، حيث يصبح من الصعب القيام بالأنشطة اليومية بشكل طبيعي في ظل غياب الخدمات الأساسية.

أسباب إضافية

مع كل قفزة في أسعار المشتقات النفطية، فإن أسعار كل السلع ترتفع، ومنها أسعار المنظفات وخدمات التنظيف بشكل عام، ناهيك عن زيادة انتشار الأصناف المغشوشة منها، على إثر انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين في كل مرة.

رئيس لجنة المنظفات في غرفة صناعة دمشق، محمود المفتي، وصف حركة الأسواق بالضعيفة هذه الفترة مقارنة مع العام الماضي، مُرجِعا غلاء المنظفات إلى ارتفاع أسعار المحروقات من المازوت الصناعي والفيول والكهرباء والبلاستيك، إضافة إلى ارتفاع سعر الصرف الذي رفع من سعر المواد الأولية.

إلى جانب دخول معظم هذه المواد إلى منصة تمويل الاستيراد، ووصلت مدة التمويل إلى ثلاثة أشهر، مما أدى إلى زيادة دورة الإنتاج الشهرية للحصول على مواد جديدة، لافتا في الوقت نفسه إلى أن المنتجين، ونتيجة هذه الزيادات في المواد الخام والعوامل السابقة، أصبحوا من الخاسرين.

المفتي، نوّه إلى أن تكاليف الإنتاج اليوم أعلى من مثيلاتها في الدول المجاورة، وهو ما انعكس سلبا على الصادرات مع تراجع الإنتاج وارتفاع المواد، موضحا أن تراجع القوة الشرائية لعب دورا كبيرا في معدل مبيعات المواد، وهو ما أدى بالتالي إلى ارتفاع التكلفة بعد تراجع الإنتاج من أجل الاستمرار دون توقف.

فيما اعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها، عبد العزيز المعقالي، أن الارتفاع الكبير في أسعار المنظفات مؤخرا كان متعلقا بتغيير سعر الصرف، وارتفاع المحروقات التي رفعت المواد الأولية الداخلة في صناعة المنظفات، مبينا أن هناك حالة فوضى وتخبّط من ناحية عمليات التسعير، وعدم التزام بعض البائعين بالبيع بشكل سليم، خاصة وأنه يتم بيع المنظفات بشكل “فرط” أو كما يُسمى بالكيلو مما يعني أنها مخالفة جسيمة باعتبار أنها مواد رديئة على الأغلب.

تفاقم ظاهرة الغش

المعقالي، حذّر من تفشي ظاهرة الغش في المنظفات التي تكون غير مطابقة للمواصفات القياسية السورية وبيعها بأسماء شركات أخرى، ومنها المعامل التي تبيع منتجاتها ولا تضع علامتها التجارية على العبوة، وخاصة مواد التنظيف التي لا تخضع لمعايير التصنيع العلمية كونها مضرة بالصحة.

المواطن السوري يبدو أنه لم يعد قادرا على تحمّل الغلاء الجامح في الأسواق، إذ بالكاد يستطيع أن يعيش ويؤمّن رزقه اليومي في بلده المنكوب منذ أكثر من عقد، وبالتالي بات يبحث عن بدائل للسلع والمنتجات اللازمة التي لا يستطيع الاستغناء عنها، حتى لو كانت ذات نوعية رديئة وتحمّل مخاطر صحية التي قد تسبّبها استخدام هذه المواد مقابل الأسعار المخفضة، فقد صار السعر المنخفض هَمَّ المواطن.

في سبيل بحث الناس عن بدائل صغيرة لاحتياجاتهم الأساسية؛ زاد الإقبال في الآونة الأخيرة على مواد التنظيف التي تُباع بـ”الفرط” نتيجة فوارق الأسعار على الرغم من معرفتهم المسبقة بقلة فاعليتها وخطورتها.

إحدى المواطنات قالت لموقع “أثر برس” المحلي، مؤخرا، إن تكلفة المنظفات الشهرية تتجاوز 80 ألفا ما بين عبوة جلي ومسحوق غسيل وشامبو للاستحمام ومعطر وغير ذلك، مضيفة “كلها أشتريها بعبوات صغيرة لذلك لم أرَ خيارا أمامي سوى شراء مواد رخيصة بدلا من المواد المختومة”.

المواطنة أضافت أن سعر علبة الشامبو من الحجم المتوسط والمختومة يبلغ 25 ألفا وتكفي لمدة عشرين يوما أمّا في حال تم شراؤها “فرطا” فإن سعر عبوة الشامبو المعبأة بطريقة يدوية وبحجم ليتر ونصف يبلغ 12 ألفا وتكفي لمدة شهرين.

أما سليمان صاحب محل صغير يبيع فيه المنظفات الشعبية أي “غير مختومة”، كما سمّاها، بيّن أنه يعمل في هذه المهنة منذ ثلاث سنوات لأنه رآها مربحة فقد نشطت تجارتها وازدهر بيعها، وأسعارها تناسب 70 بالمئة من الأشخاص الذين يواظبون على شرائها شراءً شهريا.

سليمان أشار إلى أن سعر مسحوق الغسيل بوزن 2 كيلوغرام مختوم من الشركة الصانعة، يبلغ 35 ألفا بينما المسحوق الذي يُباع “فرطا” سعر الكيلو منه 9 آلاف ليرة، وكلما انتهت دفعة يحضر دفعة تكون قد ازدادت بمعدل ألف ليرة لكل كيلو.

أما عبوة الجلي المعبأة بعبوات بلاستيكية فارغة فسعرها 3 آلاف ليرة سورية، بينما المختومة بـ 8500 ليرة، على حين المعطّر والكلور يباع معبأً بعبوات بلاستيكية أو يوضع بأكياس نايلون بحسب ما هو متوفر فسعر النصف ليتر منه 2000 ليرة، بينما المختومة فيباع المعطر بـ 8 آلاف ليرة والكلور بـ 6 آلاف ليرة.

هذا ويبيع سليمان إلى جانب المنظفات المناديل الورقية والكيلو منه 23 ألفا ولكنه يكفي لأكثر من شهر بينما كيس المحارم المختوم بـ11 ألفا بالكاد يكفي لأسبوع؛ علاوة على حفاضات الأطفال وجميعها تُباع بالكيلو من دون معرفة الجهة المصنّعة وتتفاوت في جودتها.

إن ارتفاع أسعار المنظفات المختومة، دفع الأهالي إلى شراء المنظفات بـ “الفرط” من البسطات غير الموثوقة بسبب انخفاض أسعارها، مقارنة بالأسعار في المحلات التجارية، علما أن بعض المواد المغشوشة تتسبب بالتلف للغسالات الآلية.

لطالما حذّر أطباء الأمراض الجلدية عبر وسائل الإعلام المحلية من استخدام مواد تنظيف لا تخضع لمعايير التصنيع العلمية لأنها مؤذية، لافتين إلى أنهم استقبلوا حالات كثيرة، تكون فيها السيدات مصابات بحساسية أو حروق لاستخدام تلك المواد.

هذا وتنتشر المنظفات “الفرط” المغشوشة وذات الجودة الرديئة والمصنّعة محليا بشكل واسع في العديد من المتاجر والبسطات المنتشرة في الشوارع، وهناك إقبال كبير عليها، فقد أكدت العديد من الصحف والمواقع المحلية في السابق أن هناك عشرات الورش المتخصصة في إنتاج مواد التنظيف، ويقبل الأهالي بهذه الأصناف بسبب أسعارها الأرخص مقارنة بالعلامات التجارية المعروفة، رغم خطورتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات