حالة “زواج الكبار” في سوريا يعتبر موضوعا مُلفتا كونه يسلّط الضوء على تحولات اجتماعية واقتصادية تجتاح المجتمع السوري في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد، حيث يقوم أشخاص في سنّ الأربعين وما فوق بالزواج مرة أخرى، وهي ظاهرة تبدو ملفتة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به سوريا.

هذه الظاهرة تثير العديد من الأسئلة حول الدوافع والتحديات التي تواجهها الشباب الذين يعانون من صعوبة في تأسيس أسرهم، إذ في الوقت نفسه يعزف العديد من الشبان عن الزواج بسبب الضغوط الاقتصادية وعدم توافر الظروف المادية الكافية لتأسيس أسرة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تأخر الزواج وتأجيل الخطط الزوجية.

ظاهرة إيجابية أم سلبية؟

ربما تكون ظاهرة زواج الكبار في المجتمعات العربية عادية، خاصة في المجتمعات التي يسودها الرخاء الاقتصادي، والاستقرار السياسي والأمني؛ ولكن الحال هنا مختلف في سوريا التي تعاني من الظروف الاقتصادية الصعبة.

لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة زواج الكبار، وبصورة ملفته للنظر وتستحق الدراسة، حيث مئات من الرجال كبار السّن، وممن لديهم استقرار أسري يبحثون عن زوجة أخرى، ثانية وثالثة، في الوقت الذي نجد أن غالبية الشبان، ومن هم في عمر الزواج يعزفون عن الزواج بحجة عدم توافر الظروف الاجتماعية والاقتصادية، التي تمكنه من فتح بيت وعمل ومسكن للزوجة، في ظل انتشار البطالة بكافة أشكالها وعلى رأسها البطالة المقنعة المستفحلة بين الشباب.

هنا يبدو أن أمر الزواج اتخذ منحىً آخر بحيث أصبح منتشرا بين الكبار الذي تتراوح أعمارهم 40 عاما فما فوق، وجميعهم متزوجون ومنجبون، ففي حديثها مع “الحل نت”، ذكرت شهادة رنا إسماعيل، وهي موظفة بشركة خاصة، “أعمل في شركة كبرى، ولدي شهادة جامعية ومستوى ثقافي عالي، أنا في الأربعين من عمري، ولم أتزوج بعد، لأنني لم أجد الرجل المناسب لي، ولم يتقدم لي أحد خلال السنوات السابقة”.

طبقا لحديث إسماعيل، فقد تقدم لها مؤخرا رجل في الخمسين من عمره، متزوج ولديه أولاد، ويعمل مديرا في شركة أخرى، وأضافت “تزوجنا بعد فترة من التعارف، ووافقت على أن أكون زوجته الثانية، لأنني وجدت فيه المكان الثاني بعد هجرة أسرتي”.

أما علي حريتاني، فقال لـ”الحل نت”، “أنا تاجر أغذية، ومتزوج منذ 25 عاما، ولدي أربعة أولاد، أنا راض عن زوجتي وأسرتي، ولكني أشعر بالروتين في حياتي الزوجية، لذلك قررت البحث عن زوجة ثانية، تكون أصغر مني ، ووجدتها من خلال معارفي في مدينة حلب وهي فتاة في الثلاثين من عمرها، تعمل مدرسة”. 

لكن على العكس هو ما حدث مع ماهر عتيق، والذي تقاعد منذ سنتين ويعمل الآن في شركة حوالات، حيث قال “أنا أرمل منذ عشر سنوات، ولدي ثلاثة أولاد غير متزوجين ولكن مستقلين، أنا في الستين من عمري، وأشعر بالوحدة والحاجة إلى شريكة ترافقني في مرحلة الشيخوخة”. 

قرار عتيق بالزواج كان من امرأة في الخمسين من عمرها، مطلقة ولديها ولد واحد، وتعمل ربة منزل، وأخبر أولاده عن زواجه ووافقوا عليه وتقبلوا زوجته، رغم عزوفهم فكرة الزواج بسبب الأوضاع المادية وخوفهم من المسؤوليات في ما بعد الزواج.

هل هي أزمة أم مخرج؟

ظاهرة “زواج الكبار”، تعني الزواج بين الأشخاص الذين تجاوزوا سنّ الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين، وهي ظاهرة تزداد انتشارا في العالم العربي بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص، نتيجة لتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تؤثر على قرار الزواج، ولكن هل هي ظاهرة إيجابية أم سلبية؟

بحسب الباحث الاجتماعي، أحمد الزعبي، فإنه لا توجد إجابة قاطعة على هذا السؤال، فكل حالة تختلف عن الأخرى، ولكن بشكل عام، يمكن القول أن زواج الكبار له جوانب إيجابية وسلبية، وهذا ما تؤكده بعض دراسات والباحثين والمختصين في مجال الزواج والأسرة فيما يتعلق بسوريا.

مخرجات تلك الدراسات طبقا لحديث الزعبي لـ”الحل نت”، أوضحت أن ميل النساء لزواج الكبار لهنّ يعني زواج الناضجين والقادرين، الذين يمتلكون خبرة ووعي ومسؤولية أكبر من الشباب، ويستطيعون اتخاذ قراراتهم بشكل أكثر حكمة واستقلالية، ويتعاملون مع المشاكل والصعوبات بشكل أكثر هدوء وتفاهم.

أما في الحالة السورية، فينطبق عليها بعض الجوانب السلبية، حيث إن زواج الكبار هنا يعني زواج الوحيدين، الذين يعانون من الشعور بالوحدة والفراغ والضياع، ويبحثون عن الزواج كملاذٍ أو متنفس أو حلّ لمشاكلهم النفسية أو الاجتماعية، وليس كعلاقة حب أو شراكة أو تكامل.

كذلك يُصنّف هذا الزواج على أنّه الزواج الصعب، فالنساء هنا يرضين بكبار السنّ لأنه يصعب عليهن التكيف والتأقلم مع شركاء من فئة الشباب، ويصعب عليهنّ التنازل أو التغيير أو التجديد، ويصعب عليهنّ التواصل أو الاندماج أو الانسجام في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

 زواج عن حب أم زواج مصلحة

الباحثة الاجتماعية سوزان سمرا في حديثها لـ”اندبندنت عربية”، أوضحت كيف ولّدت الحرب شروطا ومواصفات جديدة تضاف إلى مواصفات العريس المتعارف عليها منذ 13 عاما، وتعتقد أن المجتمع السوري وما يواجهه من تداعيات النزاع إلى اليوم يستنزف الفئة الشابة، ولا سيما الذكور الذين فرّوا هربا من الالتحاق بالخدمة الإلزامية والاحتياطية بالجيش، وهذا ما سيجعل الواقع أكثر تعقيدا مع الارتباط بفتاة أحلامهم، حيث زادت سنوات الخدمة في الحرب لسبع أو ثماني سنوات، تلاحقهم خلالها المخاطر.

هناك بعض الإحصائيات حول زواج الكبار في سوريا التي حصل عليها “الحل نت” من خلال المصادر المفتوحة، ولكنها قد تكون غير دقيقة أو غير محدّثة، لأنها تعتمد على مصادر مختلفة ومتناقضة، ولأنها تتأثر بالحرب والنزوح والتهريب.

بحسب تقرير لـ “المركز السوري” للدراسات والأبحاث القانونية، فإن نسبة زواج الكبار في سوريا ارتفعت من 7 بالمئة قبل عام 2011 إلى 30 بالمئة عام 2015، واستمرت في الارتفاع، وأن هناك نحو 3 ملايين فتاة سورية غير متزوجة تجاوزن سنّ الـ 30 عاما.

أيضا في تقرير لـ “المكتب المركزي للإحصاء”، فإن نسبة زواج الكبار في سوريا تختلف باختلاف المناطق والمحافظات، وأنها تزيد كثيرا في مناطق الأرياف البعيدة عن العاصمة، وأنها تتراوح بين 10 بالمئة و60 بالمئة.

كذلك وفق تقارير صحفية، فإن نسبة زواج الكبار في سوريا تقترب من 70 بالمئة، بسبب الحرب والهجرة والفقر، وأن هناك نحو 4 ملايين نسمة في محافظة إدلب وحدها، نصفهم من النازحين والمهجّرين، وأن هناك ظاهرة الزواج عن بُعد، التي تتيح للرجال السوريين في الخارج الارتباط بنساء في الداخل.

أما تقرير “منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، فأشار إلى أن ظاهرة الزواج المبكر تسجل نسبا قياسية في بعض المناطق السورية، وأنها تؤثر سلبا على حقوق الفتيات وصحتهنّ وتعليمهنّ ومستقبلهن، وأنها تحتاج إلى تدخل عاجل وفعال.

هذه الإحصائيات لا تعبّر عن الواقع بشكل كامل، لكن زواج الكبار هو ظاهرة معقدة ومتغيرة، ومن المهم فَهم أسباب هذه الظاهرة وتأثيراتها على المجتمع السوري، فهل هي مجرد استجابة للظروف الاقتصادية الصعبة، أم هناك عوامل اجتماعية أخرى تلعب دورا في هذا السياق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات