في زمن تتلاحق فيه الأحداث والمشاهد على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، يظل “شباب التغيير” في ريف دمشق مظهرا نادرا لا يمكن تجاهله، إذ ينشرون رسالة واضحة ومقنعة للعالم، فهم يعبرون عن تضامنهم مع حراك السويداء، ويؤكدون على أهمية الديمقراطية والتغيير السلمي كوسيلة لتحقيق الأمان والاستقرار في سوريا.

تظاهرات “شباب التغيير” في ريف دمشق، اليوم الجمعة، وعلاقتها بحراك السويداء وبيان الشيخ حكمت الهجري، هذا الموضوع يستحوذ الاهتمام حاليا محليا؛ لأنه يعكس حالة من الاستياء والمطالبة بالتغيير في مناطق تعتبر مؤيدة للحكومة السورية، ويشير إلى وجود تحالفات وتضامنات جديدة بين مكونات المجتمع السوري المناهضة للفساد.

 مرحلة جديدة

في تظاهرة نادرة تداولت وسائل التواصل الاجتماعي، اليوم الجمعة، مقاطع مصورة لتظاهرات في بلدة تل منين بريف دمشق، حملت لافتات كتب عليها “أنا تلي والشيخ حكمت الهجري يمثلني”، حيث تضامن ناشطوها مع حراك السويداء على طريقتهم، كما كتبوا “شباب التغيير الديمقراطي، جلسة صراحة تلية، تحية إكبار وإجلال لأحرار السويداء”.

“شباب التغيير” في سوريا بحسب الإعلامي السوري، قصي حوا، هم مجموعة من الناشطين والمدنيين الذين يسعون إلى إحداث تغيير ديمقراطي وسلمي في بلادهم، ويعبرون عن رفضهم للسلطة السياسية الحاكمة وسياساتها القمعية والفاشلة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

وحاليا طبقا لحديث حوا لـ”الحل نت”، هم يمثلون صوت الشعب السوري الحقيقي، الذي يطالب بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة، فهم يحملون رؤية واضحة ومنهجية لبناء سوريا جديدة، تضمن حقوق ومصالح جميع مكوناتها وطوائفها، وتحترم القانون الدولي والإنساني.

أهمية “شباب التغيير” في سوريا تكمن في أنهم يشكلون قوة حية وفاعلة في المجتمع السوري، ويمتلكون القدرة والإرادة للتأثير على الواقع والمستقبل، وينشطون في مجالات مختلفة، مثل الإعلام والتوعية والتعليم والثقافة والفن والرياضة والبيئة والتنمية والمجتمع المدني حتى في المناطق التي تعاني من قوة وسلطة الأجهزة الأمنية الحكومية.

وفقا لما كشفه حوا، فإن هذه المجموعة تستخدم وسائل مبتكرة للتواصل والتعبير والتنظيم والتحرك، مثل الإنترنت والهواتف الذكية والمواقع الاجتماعية والرسائل النصية والمنشورات واللافتات والشعارات والأغاني والرسومات والتظاهرات والإضرابات والعصيان المدني.

هل تغيرت المعادلة؟

بوتيرة متصاعدة، تدخل الاحتجاجات الشعبية في السويداء يومها الرابع والثلاثين، وهي التي بدأت شرارتها على إثر انهيار الوضع المعيشي بعد القرارات الحكومية الأخيرة المتعلقة برفع الدعم عن بعض السلع، إضافة إلى رفع أسعار المحروقات، ثم تحولت المطالب إلى التغيير السياسي ورحيل الرئيس السوري بشار الأسد.

في هذا السياق، يرى حوا أنه يمكن القول إن المعادلة تغيرت مع حراك السويداء و”شباب التغيير” في ريف دمشق، فهذه الحركات الشعبية تعبر عن رغبة قوية في التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي في سوريا، وتشكل تحديا للحكومة السورية وحلفائها.

بعض النقاط التي تدل على تغير المعادلة وفق تقديرات حوا، هي أن حراك السويداء و”شباب التغيير” يمثلان صوت الأغلبية الصامتة في مناطق سيطرة حكومة دمشق، وينطلقان من مطالب مشروعة ومنطقية تتعلق بالحياة الكريمة والحرية والكرامة والعدالة والمساواة.

فضلا عن ذلك، فإن حراك السويداء و”شباب التغيير” ومعظم الحركات الشعبية في بقية المحافظات يحظيان بدعم وتأييد من “الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين”، ممثلة بالشيخ حكمت الهجري، الذي يعتبر زعيما روحيا وسياسيا للطائفة الدرزية، والذي أصدر بيانا ندد فيه بسياسات السلطات وكافة الجهات المسؤولة في البلاد، وحملها مسؤولية ما يقاسيه السوريون من معاناة على كافة المستويات.

علاوة على ذلك، فإن رفع هذا الحراك شعارات ولافتات تطالب بحل سياسي وفق القرار الأممي الخاص بسوريا رقم 2254، وبدولة مدنية ديمقراطية دون مرجعية طائفية أو حزبية أو عرقية، وبالإفراج عن المعتقلين السياسيين ولد لهم قبولا شعبيا.

مؤشر على تغيرات قادمة

من واقع الأحداث الأخيرة، يبدو أن الحراكات الشعبية في سوريا هي مؤشر على تغييرات قادمة في البلاد، فهذه الحراكات تعبر عن روح التغيير والتجديد والتطور في المجتمع السوري، وتمثل تحولا في الوعي والمواقف والسلوكيات لدى الشعب السوري، كونها نشأت من قاعدة شعبية واسعة ومتنوعة، تضم مختلف الفئات والطبقات والمناطق والطوائف والأعمار والأجناس.

ما يدلل على ذلك، هي مطالب جديدة بات المتظاهرون في السويداء يردّدونها، والتي جاءت على لسان “دار طائفة الموحدين الدروز”، وتتعلق بحركة المرور من الأراضي السورية نحو الأردن، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول قدرة مظاهرات السويداء على تحقيق مطالب المحتجين، في ظل انخفاض المشاركة في الاحتجاجات ضمن المدن السورية الأخرى.

“دار طائفة الموحدين الدروز” في السويداء، أصدرت الأربعاء الفائت بيانا تحدثت خلاله عن جملة من مطالب المحتجين في المحافظة، من بينها مطلبٌ جديد يتعلق بفتح معبر رسمي بين محافظة السويداء والأراضي الأردنية، وذلك بهدف إنعاش المحافظة على المستوى الاقتصادي.

في هذه الأثناء يواصل المئات من الأهالي مظاهراتهم، تأكيدا منهم على مطلبهم الرئيسي، حيث تشهد مدينة السويداء اليوم الجمعة مظاهرة في ساحة الكرامة وسط المدينة، وتغطي المظاهرة لافتات كُتبت عليها رقم 2254، للتأكيد على المطالبة بتنفيذ قرار “مجلس الأمن” الدولي المتعلق بسوريا.

شبكة “السويداء 24″، بثّت العديد من الصور والتسجيلات المصورة، أظهرت هذه اللافتات، ونقلت عن بعض المتظاهرين قولهم، إن المطلب الرئيسي لأهالي السويداء هو “التغيير السياسي”، خاصة وأن الأهالي يعتقدون أن الوضع الاقتصادي المتدهور ناتج بالدرجة الأولى عن الفشل السياسي للسلطة.

من الواضح أن “شباب التغيير” ليسوا مجرد نشطاء عابرين في المشهد السوري، بل هم جزء من تطور سياسي أكبر قد يكون في طريقه للتغيير في سوريا، لا سيما أنه حتى الآن لا يبدو أن هناك قرار من السلطة باتخاذ الحل الأمني لقمع التظاهرات الشعبية في السويداء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات