منذ أكثر من شهر، تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا موجة من الاحتجاجات الشعبية ضد المنظومة السياسية الحاكمة وسياساتها الاقتصادية والأمنية، وهذه الاحتجاجات تميزت بخصوصيتها وتنوعها وإبداعها، فقد استخدم المحتجون لغة شعبية وفكاهية ومبتكرة للتعبير عن مطالبهم ورفضهم للوضع الراهن، حيث اتخذ المحتجون من الفكاهة والتسميات الكوميدية سلاحا للتعبير عن الغضب والاحتجاج.

“بدناش إياك”؛ هذه العبارة البسيطة والقوية التي تعبر عن شجب واستنكار، كانت جزء من مشهد أصبح يتكرر في السويداء ومدن أخرى في سوريا، حيث يلتقي النشاط الاحتجاجي مع الإبداع اللغوي والفكاهة، وتعكس هذه العبارة وغيرها من التسميات المبتكرة تفاعل الشباب والمحتجين مع الأحداث السياسية والاجتماعية في سوريا بطريقة فريدة.

هذه المواقف البسيطة ليست مجرد مزحة أو تسلية، بل هي تعبير جاد عن رفض شباب السويداء للأوضاع التي يعيشونها، وعن رغبتهم الجادة في التغيير والإصلاح، فمنذ اندلاع الاحتجاجات استخدموا لغة الفكاهة والتهكم للتعبير عن مطالبهم بشكل غير تقليدي وملفت للانتباه.

أبرز قفشات السويداء

بعد وصول الرئيس السوري بشار الأسد للصين في زيارة من أجل حضور البطولة الآسيوية التي تنظمها بكين، توالت العبارات التي كتبها المحتجون في السويداء، والتي تظهر جانب الكوميديا الساخرة والتي تدل على معناها السياسي.

أبرز هذه العبارات، كانت عند وصول الأسد إلى الصين، حيث ظهرت اللافتة الأولى تقول: “إلى الشعب الصيني، كلوه وخلصونا”، فيما كانت اللافتة الأبرز هي “قلنالك ارحل، مش تروح زيارات”، في حين حملت شابة لافتة كتبت عليها “مش مهم تروح عالصين، المهم تجي عالسويداء”، في إشارة إلى تجاهل الحكومة للاحتجاجات السويداء المنطلقة منذ أكثر من شهر.

من اللافتات التي برزت خلال مظاهرة أمس الأحد، كانت تلك التي كتبت عليها “جبلنا معك مفرقعات، لنحتفل بإسقاطك”، أما اللافتة التي تم تداولها بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، هي “بدناش ياك، لو بتروح عالهونولولو، بدناش ياك”.

لافتات السويداء لم توجه إلى الأسد وحده فحسب، بل حتى وصلت إلى أعضاء حزب “البعث”، حيث ربط المحتجون بين أعضائه وشخصية مسلسل “الخربة” الذي تناول حياة أهل السويداء، فإحدى اللافتات كتب عليها “أول مرة بتمنى كون حزبي.. بس مشان أستقيل”.

خريطة “2245”

لنكن واضحين هنا، هذا الموضوع ليس فقط عن النكت والتسميات الكوميدية، إنه يتعلق بقضية أعمق، إنه يتعلق بمدى أهمية حق الشعوب في التعبير عن آرائهم وانتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية بحرية ودون تهديد، وهذه اللافتات تذكر بضرورة فهم التحديات التي تواجه الشباب في مناطق النزاع وكيف يستخدمون الإبداع والفكاهة كوسيلة لجعل أصواتهم تسمع وتؤثر في المجتمع.

ما يميز حراك السويداء، هي الخريطة التي رسمها وتمسك بها المحتجين، فمنذ اليوم الأول للاحتجاجات لم تغادر لافتات المطالبة بتطبيق القرار “2245” الخاص بسوريا، وهذا ما أكد عليه رئيس “الطائفة الروحية للموحدين المسلمين الدروز”، حكمت الهجري

الهجري خلال لقائه عددا من الوفود في بلدة قنوات التي يتخذ منها مقرا له، قال إنه عند الحديث بالسياسة هناك قرارات أممية وبس، دون أي زيادة أو نقصان، ويقصد القرار “2245”، ليقوم العديد من الشبان بعد كلمته بإغلاق جميع مقار الفرق الحزبية الخاصة بحزب “البعث” في العديد من البلدات، وتحويلها لمراكز خدمية للشعب، حيث جاء دور تأميم أملاك الحزب الآن، بعد أن تحول إلى أكبر رمز للفساد والسرقة في البلاد، حسب تعبير المحتجين.

قرار مجلس الأمن رقم “2254” بشأن سوريا، تم التصويت عليه يوم 18 كانون الأول/ديسمبر 2015، وينص على بدء محادثات السلام بسوريا في كانون الثاني/يناير 2016، وبينما أكد أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد دعا لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية مطالبا بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري.

القرار تضمن عددا من البنود، فقد اعتمد بيان “جنيف” ودعم بيانات “فيينا” الخاصة بسوريا، باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سوريا، وشدد على أن الشعب السوري هو من سيحدد مستقبل سوريا.

استمرار دون تصعيد

الهجري اعتبر خلال كلمته السبت الفائت، أن ما يجري في السويداء، هو امتداد لما يجري منذ عام 2011، بعد أن وصل الشعب السوري الى حالة كبيرة من القهر والحرمان نتيجة الممارسات السياسية والأمنية الخاطئة.

السويداء ليل السبت/ الأحد، شهدت سلسلة من الأحداث بدأت إلقاء قنبلة أمام مشفى “المزرعة” الخاص في المدينة من قبل مجهولين، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية، كما اندلعت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة في محيط مبنى قيادة فرع حزب “البعث” في مدينة السويداء، لمدة خمس دقائق لم تعرف أسبابها، بحسب شبكة “السويداء 24”.

ليس ذلك فحسب، فمع استمرار الاحتجاجات التي انطلقت منذ أكثر من 35 يوما، انقطعت الكهرباء عن عموم محافظة السويداء، إلا إن مصادر محلية رجحت أن تكون تلك التوترات محاولة من الأجهزة الأمنية لبث الرعب والفوضى بين أبناء المدينة.

إلا أنه مع ذلك ما يزال التجمع اليومي هو السمة الأبرز، خصوصا في ساحة “الكرامة” التي باتت رمز الاحتجاجات في المحافظة، وما يميز هذه الاحتجاجات هذه الظاهرة الفريدة في الكوميديا الساخرة للافتات والتي أثرت على المشهد السياسي والاجتماعي في سوريا.

لجوء السويداء لهذه الظاهرة يأتي من باب أن الإبداع والفكاهة يمكن أن تكون أدوات قوية في يد الشعوب للتعبير عن آرائهم ومطالبهم، حتى في الظروف الشديدة الصعوبة والأكثر تحديا، كما أن هذه الظاهرة تعمل بنظرهم على نشر الوعي حولها، لأنها تمثل جزءا مهما من تاريخ ومستقبل الاحتجاج في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات