في ظل تنامي وتوسع الهيمنة الصينية في المحيط الهادئ، تحاول الولايات المتحدة الأميركية التشاور والتباحث مع حلفائها لوضع حدّ لصعود نفوذ بكين ومشاريعها العِدائية التي تعمل جاهدة على ترسيخها في المنطقة هناك، فضلا عن السعي إلى تشكيل قوة أو نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، حيث تعتقد بكين أنها من خلال التحالف مع بعض الدول التي تدعمها، مثل روسيا، ستحقق التوازن في ميزان القوى العالمي.

لأجل مجابهة النفوذ الصيني، يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن، قمةً لزعماء دول جزر المحيط الهادئ، اليوم الإثنين وغدا الثلاثاء، بعد عام على قمّة مماثلة في واشنطن. وذكر مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية أن بايدن، سيعلن عن موقف أميركي أكثر حزما في المنطقة، وتمويل مشاريع البنية التحتية وتعزيز التعاون البحري، خصوصا مكافحة الصيد غير القانوني، بحسب ما أوردته وكالات دولية.

من هنا لا بّد من طرح تساؤلات حول سبل ووسائل مواجهة واشنطن مع دول جزر المحيط الهادئ، تمادي النفوذ الصيني هناك، والأدوات والاستراتيجيات التي يمكن أن تستخدمها في الرّد على المشاريع والمخططات الصينية في تلك المنطقة، وكذلك النتائج المتوقعة من قمة جزر المحيط الهادئ، إذا ما ستُسفر عن تحالفات واتفاقيات تقوّض من توسع النفوذ الصيني.

قمة المحيط الهادئ ضد الصين

المنتدى سيجمع دولا وجزرا منتشرة عبر المحيط الهادئ من أستراليا إلى أرخبيلات ذات كثافة سكانية منخفضة ودول صغيرة. حيث أكد مسؤول كبير في “البيت الأبيض”، لم يشأ الكشف عن اسمه، أنه لا شك أن هناك دورا ما لعبته “جمهورية الصين الشعبية” في كل هذا، مشيرا إلى أن  “إصرارها ونفوذها بما في ذلك في هذه المنطقة، كان عاملا يتطلب منّا الحفاظ على تركيزنا الاستراتيجي”، كما نقلت “وكالة الصحافة الفرنسية“.

قمة واشنطن مع قادة دول جزر المحيط الهادئ في عام 2022- “وكالات”

بينما سيغيب رئيس وزراء جزر سليمان، وهو حليف وثيق لبكين، عن القمة. وكانت جزر سليمان وقّعت في نيسان/أبريل الماضي، اتفاقا أمنيا مع الصين يثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها. ولم يرغب رئيس الوزراء ماناسيه سوفاغاري، الذي شارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في البقاء. وقال مسؤول أميركي كبير آخر “نشعر بخيبة أمل لاختياره عدم الحضور في هذه القمة الخاصة للغاية”.

هذا الاجتماع يهدف إلى إعادة التفاوض لتجديد “اتفاقية الارتباط الحر” مع جزر مارشال، التي تنتهي شروطها الحالية بحلول السبت المقبل. بموجب هذه الاتفاقية، التي أبرمتها واشنطن أيضا مع كل من ميكرونيزيا وأرخبيل بالاو -وهي مناطق كانت خاضعة سابقا للإدارة الأميركية- يُسمح للولايات المتحدة بوجود عسكري في هذه الجزر.

في المقابل، تقدّم واشنطن مساعدات اقتصادية وضمانات أمنية، كما يصبح بإمكان سكان هذه الجزر العيش والعمل في الولايات المتحدة. وتطالب جزر مارشال بأن تأخذ واشنطن بالاعتبار في أي شراكة جديدة، آثارا تسببت بها حملاتها التجريبية النووية الضخمة في أربعينات وخمسينات القرن الماضي. وتأمل إدارة بايدن، بحسب المسؤول، في الإعلان عن تقدم كبير للغاية في هذه المفاوضات، إذ أعدّ الرئيس الأميركي برنامجا لهذه القمة التي ستبدأ بحضور مباراة رياضية.

الكاتب والباحث السياسي الدكتور سامح مهدي، يقول إن الصين تسعى إلى تنفيذ مشاريع وخطط بالتعاون مع العديد من الدول التي تُعتبر ضمن محورها مثل موسكو وطهران، في سبيل إبراز نفسها كقوة عظمى موازية لواشنطن، وقد ظهر ذلك واضحا خلال محاولتها الأخيرة لتوسيع مجموعة “البريكس” من خلال ضم دول في الشرق الأوسط ذات الأوزان والفعالية، مثل المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة.

هذا فضلا عن جهودها لتصدير نفسها كدولة ذات ثقل ونفوذ في العديد من مناطق العالم، بما في ذلك الوساطة بين السعودية وإيران الأخيرة، التي لم تجنِ ثمارها حتى الآن.

لكن هذه الجهود ستذهب كلها سُدىً، إذ لا يمكن التعويل على خطط ومساعي بكين في تمديد نفوذها بالعديد من الدول ومنها مناطق بالمحيط الهادئ، وسط عدم وجود علاقات استراتيجية بين الصين والدول التي تتعامل وتقيم معها اتفاقيات وتحالفات، إضافة إلى عدم مصداقية الشراكة مع بكين، حسب مهدي.

الرئيس الأميركي_ جو بادين_ “إنترنت”

فكل من يتعامل معها يكون حسبما يتوافق مع مصالحها وتحقيق أهدافها التكتيكية، فعلى سبيل المثال لا تقف بكين بشكل كبير مع روسيا في غزوها لأوكرانيا، إضافة إلى عدم وفائها بوعودها تجاه إيران، حين وعدت طهران باستثمار مليارات الدولار لإنقاذها من العقوبات الغربية، وفي خطوة لتحدي المحور الغربي، لكنها لم تسدد منهم شيء، بحسب ما يحلّل المهدي لموقع “الحل نت”.

أدوات مواجهة الصين

في ظل كل هذه التحركات والاتفاقيات التي تعقدها بكين مع عدّة دول بهدف توسيع نفوذها، الأمر الذي دفع واشنطن إلى تركيز جلّ اهتمامها على التحركات والأطماع الصينية المعادية. على سبيل المثال، ستعمل واشنطن في قمتها مع زعماء جزر المحيط الهادئ على تعزيز العلاقات والشراكات فيما بينهم، كوسيلة لتوسيع التحركات الدبلوماسية الأميركية لمواجهة الصين التي تثبت وجودها في تلك المنطقة، وفق ما يقوله المحلل السياسي في العلاقات الدولية.

هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها واشنطن بهذه التحركات الدبلوماسية في منطقة المحيط الهادئ، ففي العام الماضي، كانت هناك قمة مماثلة للتي ستجري اليوم، فضلا عن الإعلان عن فتح البعثات الدبلوماسية، بالإضافة إلى زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وإلقاء نائبة الرئيس بايدن كامالا هاريس كلمة أمام منتدى جزر المحيط الهادئ، طبقا لما يضيفه المحلل السياسي.

بالتالي، فإنه من المتوقع أن توقّع واشنطن اتفاقيات أمنية مع قادة جزر المحيط الهادئ، بحيث يُسمح لها بالانتشار البحري في تلك الجزر لتكون في مواجهة أي تعديات أو تواجد صيني هناك، خاصة بعد أن أبرمت بكين بشكل سري في نيسان/أبريل 2022 اتفاقا أمنيا مع جزر سليمان.

كما تدرك الإدارة الأميركية الأهمية الاستراتيجية الحيوية لمنطقة جزر المحيط الهادئ، ولهذا توليها اهتماما كبيرا، وقد ظهر ذلك واضحا خلال الفترة الأخيرة، وفق ما يراه مهدي، الذي أشار إلى أن إدارة بايدن ستُعلن عن شراكات واتفاقيات تجارية واقتصادية كبيرة، بجانب مشاريع الطاقة النظيفة وتزويد تلك الدول بأدوات الأمن البحري تشمل نشر زوارق في جنوب شرق آسيا لمكافحة الجريمة والصيد غير القانوني.

خاصة وأنه منذ تسلّمه رئاسة “البيت الأبيض” تعهد بإعطاء الأولوية للمنافسة العالمية مع الصين، التي صارت توقّع شراكات تجارية كبيرة في جنوب شرق آسيا، فضلا عن زيادة نفوذها في النزاعات على الأراضي في المنطقة.

عدد جزر المحيط الهادئ هو 14 دولة جزرية مستقلة تقريبا، ومعظمها حول أو تحت خط الاستواء. وهناك دولة واحدة فقط، هي بابوا غينيا الجديدة، يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة. وبالإضافة إلى جزر سليمان، هناك دول أخرى تشمل فانواتو وساموا وكيريباتي. حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول مجتمعة 36 مليار دولار تقريبا، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي لولاية فيرمونت الأميركية فقط، وفق تقرير سابق لـ”الشرق بلومبيرغ”.

قارب يرسو على شاطئ هونيارا في جزر سليمان- “غيتي إيمجز”

بعض الدول الجزرية هذه تصف سياستها الخارجية بأنها صديقة للجميع، ولا تعادي أحدا، لكن لديها أيضا علاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة وحليفتيها في المنطقة أستراليا ونيوزيلندا.

تحالفات لمواجهة الصين

من المفترض أن تعلن الولايات المتحدة عن إقامة روابط دبلوماسية مع جزر كوك ونيوي، وهي منطقة صغيرة يعيش فيها أقل من ألفي شخص. وقامت واشنطن بفتح سفارات في جزر سليمان وتونغا، وتسعى إلى تدشين سفارة العام المقبل في فانواتو.

كما وسيكشف الأميركيون أيضا عن مساعدات في البُنى التحتية، بما في ذلك تخصيص دعم مالي لكابلات الاتصالات تحت البحر، بجانب سعي “البيت الأبيض” إلى اقتراح انضمام دول المحيط الهادئ إلى “الرباعية” وهو منتدى دفاعي يجمع الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، ويتعلّق بالمراقبة البحرية، خصوصا لتعقّب السفن المتورطة في الصيد غير القانوني.

يشير المحلل السياسي إلى إمكانية قيام واشنطن بإبرام اتفاقيات أمنية مع دول جزر المحيط الهادئ خلال هذه القمة المقامة على مدار يومين، خاصة بعد أن وقّعت الولايات المتحدة في أيار/مايو الماضي مع باباوا غينيا الجديدة اتفاقية دفاع تسمح للقوات الأميركية بالوصول إلى موانئ ومطارات البلاد، وذلك بهدف مواجهة تصاعد النفوذ الصيني هناك.

لدى الولايات المتحدة العديد من الاستراتيجيات لمواجهة التوسع الصيني، بما في ذلك بناء تحالفات وشراكات دفاعية وأمنية، وبناء اتفاقيات ومشاريع اقتصادية، مما سيحدّ من توسع طموحات بكين، خاصة أن واشنطن تتفوق على الصين مرات عديدة في الجانب الأمني و​​العسكري والتكنولوجيا المتطورة، وفق ما يقوله مهدي.

كما أن اقتصاد واشنطن يُعدّ من أكبر الاقتصادات في العالم، وبالتالي فإن تقويض التوسع الصيني أمرٌ ممكن وسيكون على مراحل عدة، حيث ستدفع بكين ثمنه باهظا حيال تماديها،

خاصة أنها تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة ومستقبل نجاح مشروعها “الحزام والطريق” موضع شك حاليا، بعد أن واجهته الولايات المتحدة بإعلانها عن مشروع “الممرات الخضراء” الضخم الذي سيربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، في ختام حديث مهدي.

خلال الفترة الماضية يبدو واضحا التحركات الأميركية التي كانت تذهب في اتجاهات عديدة للحفاظ على مكانتها بينما تعمل في اتجاه محدد لبناء عدة تحالفات لمواجهة النفوذ الصيني، حيث تركزت على التحالفات النشطة والمتخصصة، منها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، والتي سترتبط ببناء منظومة علاقات إقليمية ودولية متنوعة، التي تعمل عليها واشنطن مع حلفائها، ومن المتوقع أن تكشف عن مقاربات مرحلية وبناء خرائط سياسية وجيوسياسية جديدة خلال الفترة المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات