مع دخول أول فصل الخريف، يتوجه الكثير من السوريين إلى الشواطئ للاستمتاع بالطقس اللطيف والمناظر الخلابة، لكن ما يجهله البعض، أن هناك خطرا يتربص بهم عند وصولهم إلى المنتجعات المجانية، وهو خطر عصابات الشواطئ، التي تستغل الوضع الأمني والاقتصادي الصعب في البلاد، للحصول على أموال سهلة من المصطافين، بحجة توفير خدمات مجانية، مثل المظلات والكراسي والطاولات، والتي تنصّ تعليمات وزارة الداخلية على مجانيتها.

إن مشكلة عصابات الشواطئ في سوريا ليست مجرد مشكلة محلية تؤثر على تجربة المصطافين فقط، بل هي قضية تمتد لتشمل العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وهناك العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها، مَن يقف وراء هذه العصابات، هل هم مجرد عاطلين يبحثون عن ربح سريع أم أن هناك جوانب منظمة لهذه الجريمة.

استياء متواصل

مع تزايد أهمية القضية وتأثيرها على السياحة والاقتصاد المحلي، تحدث “الحل نت”، مع مجموعة من الأشخاص الذين طالتهم أيدي هذه العصابات، وحول الحيثيات التي تتعلق بهذه الظاهرة السلبية، والتي تؤثر على سمعة السياحة السورية، وتضر بمصالح المصطافين والمواطنين.

في حديثه لـ”الحل نت”، قال أحمد دعاس، الذي يعمل موظف في دائرة الأراضي بدمشق، “كنت أخطط لقضاء عطلة مع عائلتي في اللاذقية، وحجزت فندقا قريبا من الشاطئ، لكن عندما وصلت فوجئت بأنه ممتلئ بالمظلات والكراسي، وأن هناك أشخاصا يطلبون مني دفع مبالغ مرتفعة لاستخدامها”. 

في السياق ذاته، كشف دعاس، أنه عندما رفض تعرّض للتهديد والسب والشتم، وحاولوا طرده من الشاطئ، مضيفا “شعرت بالإهانة والغضب، وقررت العودة إلى الفندق، وإلغاء عطلتي، لم أتوقع أن أجد هذا الوضع في منطقة سياحية، وأن أشاهد هذه العصابات تُفسد جمال الشواطئ وتستغل المصطافين”.

من جهتها، أفادت ريم العديلي، التي تعمل مدرسة في حرستا بريف دمشق، “أنا من محبي البحر والسباحة، وكنت أحلم بزيارة شاطئ بانياس، الذي سمعت عنه الكثير من الإشادات، وفي الأسبوع الفائت، قمتُ بتنظيم رحلة مع صديقاتي، وتوجهنا إلى الشاطئ، لكننا لم نستطع الاستمتاع بالرحلة، لأننا وجدنا أن الشاطئ محاصر بالمظلات والكراسي، وأن هناك أشخاصا يحاولون إجبارنا على تأجيرها، وإلا فلن نجد مكانا للجلوس”.

بعد محاولتها البحث عن مكان آخر، تقول العديلي، “تعرضنا للمضايقة والتحرش من قبل بعض الشباب، الذين يعملون مع العصابات، شعرنا بالخوف والقلق، وقررنا العودة إلى دمشق، لم أتوقع أن أواجه هذا النوع من المشاكل في شاطئ سوري، وأن أرى هذه العصابات تنتهك حريتنا وكرامتنا”.

أما علي عقباني المنحدر من مدينة طرطوس، بيّن لـ”الحل نت”، “أنا أملك محلا لبيع المشروبات والوجبات الخفيفة على شاطئ طرطوس، وكنت أعتمد على دخله لإعالة عائلتي؛ لكن منذ ظهور عصابات الشواطئ، بدأت أفقد زبائني، لأنهم يخافون من الذهاب إلى الشاطئ، أو لأنهم يجدون أن الأسعار مرتفعة جدا”.

البلديات شريكة في الجريمة؟

وفقا لما حصل عليه “الحل نت”، فإنه لا يوجد رقم دقيق يمكن الاعتماد عليه عن مقدار المبالغ التي يدفعها المصطافون لتأجير المظلات والكراسي من قبل عصابات الشواطئ في سوريا، لكن بعض الشهادات لفتت إلى أنها تتراوح بين 20 ألف و50 ألف ليرة سورية للمظلة الواحدة، وبين ألف و3 آلاف ليرة سورية للكرسي الواحد، وتعتبر هذه المبالغ باهظة مقارنة بالدخل المحدود للمواطنين، وبالخدمات المجانية التي تقدمها وزارة السياحة في بعض الشواطئ.

المصطافون يواجهون صعوبات في الحصول على مكان في الشاطئ دون دفع هذه المبالغ، حيث تقوم العصابات بحجز مساحات كبيرة من الشاطئ بالمظلات والكراسي، وتمنع المصطافين من استخدامها إلا بعد الدفع، وتستخدم العصابات أساليب التهديد والترهيب والعنف ضد من يرفضون الخضوع لشروطها، وتتحايل على الرقابة الأمنية والإدارية.

نسبة الإشغال في الفنادق والمنتجعات في محافظة اللاذقية خلال الموسم السياحي الحالي بلغت 90 بالمئة، وفق مدير سياحة اللاذقية، فادي نظام.

نظام، اعتبر أن الموسم السياحي خلال أشهر حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس للعام الجاري كان جيدا، مشيرا إلى نشاط ملحوظ للسياحة الداخلية والخارجية، حيث سجّلت حجوزات عديدة في الفنادق والمنتجعات لسيّاح عرب من العراق والأردن والإمارات ولبنان، ولمغتربين سوريين، إضافة إلى السياحة الشعبية التي كانت ضمن مجموعات سياحية من جميع المحافظات.

في محافظة اللاذقية حسب تصريحات نظام، توجد 400 منشأة سياحية تصنّف بين نجمتين وأربع نجوم، تتنوع بين فنادق ومطاعم وكافيهات ومطاعم وجبات سريعة، إضافة إلى 7 منشآت تصنّف 5 نجوم، وهي “لاميرا والشاطئ الأزرق و الغولدن بيتش وروتانا ولاوديسا والفيو ومنتجع نسمة جبل”.

كما أن منشأتي السياحة الشعبية اللتين تم افتتاحهما في الـ 14 من الشهر الجاري في كل من شاطئ “حميميم” القريب من مدينة جبلة الذي يضم مطعما وكبائن خشبية، وفندق “لابلاج” على شاطئ وادي قنديل الذي يتضمن 32 غرفة، ومسبحا للأطفال وفندقا وكافيتيريا وأكواخا خشبية، تخضعان لرسم دخول رمزي إلى شاطئ السباحة قدره 2000 ليرة سورية، ومجاني للأطفال دون 12 عاما.

لا قوة ردعية

الإجراءات التي تتخذها الحكومة والجهات المعنية لمكافحة هذه الظاهرة وتوفير بيئة آمنة ومريحة للمصطافين لم يلاحظها القادمون إلى الشواطئ السورية، حيث يذكر عقباني أنه “عندما حاولت الاحتجاج على هذه العصابات، تعرضت للتهديد والابتزاز، وحاولوا إغلاق محلي، شعرت باليأس والحزن، وقررت بيع محلي، والبحث عن عمل آخر، لم أتوقع أن أشاهد هذه العصابات تدمر مصادر الرزق وتقتل السياحة”.

عصابات الشواطئ في سوريا

“وزارة السياحة السورية” كشفت عن وجود زيادة في عدد القادمين، لنهاية الشهر السادس من عام 2023، بنسبة 37 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2022، حيث بلغ عدد السّياح حوالي مليون سائح قادم منهم 880 ألف قادم عربي، و120 ألف أجنبي، منهم 96 ألف زائر للمواقع المقدسة.

الوزارة تقول إن ثمة زيادة في عدد النزلاء العرب والأجانب بنسبة 22 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغ إجمالي عدد النزلاء حوالي 120 ألف نزيل منهم 100 ألف عربي و20 ألف أجنبي، كما بلغت إيرادات الفنادق العائدة للوزارة 38.5 مليار، بإجمالي ربح 7.5 مليار ليرة سورية.

لكن منذ مطلع الصيف الحالي في سوريا الذي تزامن مع ارتفاع خيالي في تكاليف ارتياد الساحل السوري خلال العطلة الصيفية، والحكومة السورية تروج لما يسمى بـ”السياحة الشعبية”، والتي تقوم على توفير منشآت سياحية تستهدف السياح المحليين بأسعار مخفضة تناسب معظم السوريين.

رغم محاولات الحكومة ترويج هذه المشاريع على أنها منشآت مناسبة للجميع، تؤكد معظم العائلات السورية أن مصطلح “السياحة الشعبية” بات مصطلح يستفزهم خلال متابعة الأخبار وأسعار هذه المنشآت، فرغم التخفيض الذي تتحدث عنه الحكومة تبقى هذه المنشآت صعبة المنال بالنسبة لمعظم السوريين إذا ما تمت مقارنة تكاليفها بمتوسط الدخل في البلاد.

المنتجعات التي تسميها الحكومة “منتجعات شعبية”، هي أماكن مخصصة للسوريين ويكون مستوى الخدمات فيها عادة متدني بشكل كبير، وهو ما شجّع انتشار مثل هذه الظاهرة التي تجسّدت في قالب عصابات تضم شباب عاطلين عن العمل ويبحثون عن الربح السريع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات