بعد أربعين يوما من الاحتجاجات، محافظة السويداء، وبالرغم من موقعها الاستراتيجي الهام، تشهد تحولات جذرية وتحديات عديدة، ففي ظل الوضع الراهن في سوريا، يبدو أن هناك سيناريو جديد يتجه إلى الظهور في هذه المنطقة الحساسة.

خلال الفترة الماضية برزت عدة أسماء داخل المحافظة التي تدعم الحراك الذي تطوّر من احتجاجات معارضة للسياسات الاقتصادية للحكومة السورية، إلى مظاهرات تدعو للتغيير السياسي، وتطبيق القرار الأممي “2254”، لكن أبرز هذه الأسماء، هو  رئيس “الهيئة الروحية للطائفة الدرزية”، الشيخ حكمت الهجري، وهنا تبرز التساؤلات حول لعب محافظة السويداء دورا مهما في المرحلة القادمة، وما هي التحولات التي قد تشهدها، هل سيكون هناك تأثير على السياسة الوطنية في سوريا.

المشاركة في التظاهرات هو واجب وطني

منذ طلوع شمس اليوم الجمعة، حشودٌ كبيرة ما تزال تتوافد إلى ساحة “الكرامة” وسط مدينة السويداء، للمشاركة بسلسلة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها المحافظة منذ 19 آب/أغسطس الفائت.

في قرية عمرة شمال شرق السويداء، استبق المحتجون التظاهرة الحاشدة في القرية للمرة الأولى مساء أمس الخميس، بإغلاق مقر الفرقة الحزبية وإزالة صور الرئيس السوري بشار الأسد، بعد إعلان نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، عن حديثه مع الهجري، والذي أكد فيه دعمه لحرية التعبير في البلاد.

في تطور ملفت ومعبّر عن تحديدٍ رئيسي في مشهد الساحة الدرزية، ألقى الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ الهجري، أمس الخميس، بيانا مهما أكد فيه على ضرورة المشاركة الواسعة في التظاهرات، ولم يكتف بذلك بل أكد على أهمية الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية، مشيرا بوضوح إلى قرار “2254”، وقرّر أن هذا الأمر له أساس دستوري قوي.

خلال لقاء مثير أجراه مع وفدٍ من المتظاهرات اللاتي شاركن في الاحتجاجات، أكد الهجري أنه يقف بجانبهنّ في سعيهنّ لتحقيق مطالبهنّ الشرعية والمشروعة، لافتا إلى أن تحوّل المطالب من طابع خدمي إلى طابع سياسي يُعتبر تطورا إيجابيا، ولا سيما فيما يتعلق بالمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية.

الهجري حمّل حكومة دمشق المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد، ورفض محاولات تشويه الحراك في السويداء بأنه يسعى للمزيد من الجوع والفقر، وبدلا من ذلك، أكد أن الحراك يهدف إلى الدفاع عن الكرامة والحرية، وأنه ليس للجوع.

كما شدد الهجري إلى ضرورة تنظيف الفساد داخل مؤسسات الدولة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، ورحّب بالأفراد النزيهين داخل الحكومة الحالية، وفي هذا السياق، أعلن أن يده ممدودة للشرفاء فيها، مؤكدا في الوقت نفسه أنه لم يتم التجاوب مع هذا العرض حتى الآن من قبل الحكومة.

“ممارسات الأجهزة الأمنية ستُبتر”

على مدى الأسابيع الماضية من انتفاضة السويداء اعتاد المحتجون في كل يوم جمعة على التوافد إلى مضافة الشيخ الهجري، واعتاد الأخير أيضا إطلاق عبارات تؤيد الحراك، وتؤكد على البقاء في الشارع.

“ممارسات الأجهزة الأمنية ستُبتر” هذه الجملة التي تحدث بها الهجري أمس الخميس، خلال تطرّقه للوضع الأمني في محافظة السويداء، والمطالبات الشعبية بإنهاء الانتهاكات والاعتقالات التي تمارسها الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية، مضيفا أن هذه “الممارسات سوف تُبتر وآخر دواء هو الكيّ”.

في تغيير ملموس للأوضاع، أصبحت المظاهرات الجارية في المحافظة محطة للتأييد الواسع من شيوخ العقل، وعلى رأسهم حكمت الهجري، هذا الزعيم الروحي البارز أعلن مرارا خلال الأيام الماضية دعمه الكامل لحراك الشارع، مؤكدا على ضرورة الاستمرار في الوقوف بقوة وإبداء الصوت حتى تحقيق المطالب المشروعة.

منذ ستة أسابيع، يصرّ المتظاهرون على إسقاط المنظومة السياسية الحالية ورحيل الرئيس بشار الأسد، مُطالبين بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم “2254” المتعلق بحل الأزمة السورية، وعلى الرغم من عدم تفصيله الدقيق للمطالب، يُكرر الشيخ الهجري دائما ضرورة المضي قدما في النضال والصمود لأشهر وسنوات حتى تحقيق الأهداف المنشودة.

لم يكن اهتمام الشيخ الهجري مقتصرا على دعم المتظاهرين فقط، بل ألقى اللوم على حكومة دمشق وحلفائها الإيرانيين في أعقاب حادثة إطلاق النار أمام مقر “حزب البعث” في وسط المدينة، كما أصبحت شخصيته ذات الوزن الثقيل محط اهتمام المسؤولين الغربيين ودفعتهم للقيام باتصالات.

الشيخ الهجري كان أحد أوائل من أيد مطالب المحتجين الذين يجتمعون بشكل رئيسي في “ساحة الكرامة” وسط المدينة، وكان له تجربة سابقة مع رئيس شعبة الأمن العسكري السابق، العميد وفيق ناصر، الذي أساء له في كانون الثاني/يناير 2021، ما أثار غضبا عارما واستدعى اعتذارا رسميا من دمشق في تلك الفترة.

دولة مدنية تضمن فصل السلطات

قبل بدء التجهيز لاحتجاجات الجمعة، ذكر الهجري أن مطالب الشارع هي دولة مدنية تضمن فصل السلطات، لا أن تستدعي الأجهزة الأمنية الأشخاص كيفما أرادت وعلى غير وجه حق، مؤكدا أن هذه المرحلة في استدعاء الناس للأجهزة ولّت من غير رجعة.

القائمون على الاحتجاجات عملوا على تطوير الحراك في السويداء، فخلقوا استراتيجيات جديدة تكفل الاستمرارية بالتظاهر، من خلال تنظيم العديد من النشاطات خلال الوقفات الاحتجاجية، وبمشاركة العديد من الفنانين ومن مختلف المجالات لا سيما في مجال الرسم والغناء، فأضافت أشكالا جديدة للمظاهرات التقليدية.

على الرغم من انشغالهم بأعمالهم المختلفة، فإن وتيرة التظاهرات لم تتوقف خلال أيام الأسبوع، لكنها تنخفض قليلا لانشغال الأهالي في أمورهم الحياتية، فضلا عن عدم قدرة البعض على تحمّل تكاليف المواصلات إلى نقاط التظاهر، لكنها تعود لترتفع في عطلة نهاية الأسبوع أي أيام الجمعة والسبت.

رقعة التظاهرات اتسعت خلال الأيام القليلة الماضية، كما سجّلت بعض المدن أعدادا قياسية من جموع المتظاهرين، وبحسب تقرير شبكة “السويداء 24″، فقد عاشت مدينة شهبا بريف السويداء يوما استثنائيا، أمام آثارها، حيث توافدت إليها حشود أهلية من قراها المجاورة، ومن كل منطقة استطاع ابناؤها الوصول إلى شهبا للتظاهر، والتأكيد على المطالب الشعبية للحراك السلمي.

منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء، عمدت السلطات السورية إلى مواجهة المظاهرات عبر استمالة بعض وجهاء المحافظة، أو حتى استخدام العنف بأيادي غير حكومية، أو خلق فئة موالية لتعزيز فكرة الانقسام بين الأهالي، إلا أن مطالب الأهالي لا تزال مركّزةً على تطبيق الانتقال السياسي للسلطة وفق قرار “مجلس الأمن” الدولي رقم “2254”، كما رفعوا لافتات رفضوا من خلالها استمرار حكم الرئيس السوري بشار الأسد، وحاليا يطالبون بدولة مدنية تضمن فصل السلطات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات