منذ أكثر من عقد، تشكل سوريا محورا للأحداث الدولية المهمة والصراعات الجيوسياسية المعقّدة خصوصا لإيران وروسيا والجماعات المدعومة من قبلهما، لكن ما أُثير مؤخرا عن تفاصيل اتفاق بين إيران وروسيا يتضمن تسليم “حزب الله” اللبناني، أسلحة قديمة بحوزته للعشائر العربية في سوريا وللقوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا، مقابل حصول الحزب على أسلحة إيرانية جديدة، يعتبر ذلك اتفاقا رباعيا يتداخل مع مصالح وسياسات دول مختلفة.

تسعى إيران من خلال هذه الصفقة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الحيوية، بالنسبة لها، إذ من المعروف أن إيران تعتبر “حزب الله” حليفا استراتيجيا، ولها مصالح في الحفاظ على استقرار النفوذ الإقليمي للحزب وتزويده بالأسلحة الحديثة، ومع ذلك، تظهر هذه الصفقة بأنها قد تؤدي إلى تحوّلات كبيرة في المشهد الإقليمي، بما في ذلك تهديد للقوات الأميركية في سوريا وزيادة التوترات مع إسرائيل.

هنا يبدو أن النظام الإيراني بهذه الصفقة، يسعى لتشكيل “حزب الله” ثانٍ في لبنان وسوريا لمهاجمة إسرائيل بجبهة واحدة عند الضرورة، وهو الحلم الذي كلّف طهران مئات الملايين من الدولارات، مما جعل إيران أم الميليشيات الشيعية والسُّنية على الخطوط الأمامية للحرب مع إسرائيل.

فتح مخازن “حزب الله” لعشائر سورية وموسكو!

في 20 من أيلول/سبتمبر الفائت، نقل الأمين العام لـ “حزب الله”، حسن نصرالله، رسالة مهمة للواء إسماعيل قاآني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، خلال لقائهما في منطقة البقاع، قبل توجّه الأخير إلى شرق سوريا، حيث أبلغه بأن المواجهة مع إسرائيل تأخذ منعطفا جديدا، وهي الآن تتعامل مع الصراع على مصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

بناء على ذلك، زعم نصر الله، أن الحزب يحتاج إلى أسلحة نوعية تمكّنه من إقامة توازن ردع مع إسرائيل، ومن المقرر أن يتم التوصل إلى اتفاق مع روسيا للسماح بمرور هذه الأسلحة دون تعريضها لخطر الاكتشاف من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.

مصدر في “فيلق القدس” عقب الزيارة كشف لموقع “الجريدة” الكويتية، عن اتفاق معقّد تم بين إيران وروسيا مؤخرا، هذا الاتفاق ينص على أن يقدم “حزب الله” اللبناني، كمية كبيرة من أسلحته القديمة للعشائر العربية في سوريا، وفي المقابل، ستقوم إيران بتزويد الحزب بأسلحة جديدة من الجيل الأحدث، بينما ستحصل موسكو على جزء من أسلحة الحزب لدعم حربها في أوكرانيا.

وفقا للمصدر، الذي كان برفقة اللواء إسماعيل قاآني خلال زيارته الأخيرة لسوريا ولبنان، فإن روسيا وافقت على نقل كميات كبيرة من الأسلحة الإيرانية الحديثة إلى لبنان عبر سوريا، وذلك مقابل تسليم الحزب جزءا كبيرا من أسلحته وذخائره القديمة لتدعيم العشائر العربية التي تقاتل إلى جانب الحكومة السورية في شرق سوريا ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) التي تدعمها واشنطن.

بحسب ما ذكره القيادي في “فيلق القدس”، فإن روسيا تحتاج حاليا إلى كميات كبيرة من الأسلحة لتعزيز نفوذها في الحرب الأوكرانية، ولا تهتم بنوعية هذه الأسلحة، لذلك، ستحصل على جزء من الذخائر والأسلحة التي تم تخزينها في مستودعات “حزب الله” منذ حرب عام 2006 مع إسرائيل.

ليس هذا فحسب، بل هناك معلومات مهمة أشار لها المصدر، حول وجود اتفاق بين إيران وروسيا، وهذا الاتفاق يسعى إلى دعم جهود التسوية والتطبيع بين تركيا وسوريا، وفي هذا السياق، تتعهد سوريا بدخول حرب مع قوات سوريا الديمقراطية، وتنحيتها عن الحدود التركية وإبعادها إلى مناطق تقع على بعد 45 كيلومترا داخل الأراضي السورية.

هذا الاتفاق أمامه عَقَبة تقف دون تنفيذ هذه الترتيبات، وهي قوات “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة، إذ إن تجنّب مواجهة مباشرة مع واشنطن هو هدف مشترك لتركيا وإيران وروسيا، لذلك، يعتبر الجميع أن أفضل حلّ هو دور العشائر العربية في تطبيق هذه الاتفاقيات وإبعاد “قسد” من المنطقة الحدودية.

صفقة معقدة في سوريا

في 11 أيلول/سبتمبر الفائت، كشفت قوات الأمن اللبنانية عن شبكة لتهريب الأسلحة إلى حركة “حماس” من إيران، على الأراضي اللبنانية، حيث كان ميشال إلياس فرانسيس (43 عاما)، وهو ضابط سابق في الجيش اللبناني ومقيم في حي “سن الفيل” في بيروت، ومالك متجر “فادي إلياس” للأجهزة المنزلية بالمدينة، هو أحد من ساعدوا في تهريب الأسلحة إلى حركة “حماس”.

الشبكة التي تم الكشف عنها، كانت ضمن من استغلهم الحزب وأغلبهم من المدنيين في تهريب أسلحته القديمة، ولكن بعد ضرب وكالة المخابرات والعمليات الخاصة الإسرائيلية لهذه الشبكة في الأراضي الفلسطينية، وتخلي الحزب عن أعضائه المعتقلين لدى السلطات اللبنانية، توجّهت أنظار طهران ونصر الله، نحو موسكو والعشائر العربية للتخلص من الأسلحة القديمة، لا سيما أن الأولى بحاجة أسلحة لا تعطي حامليها القوة لإحداث تمرد كما حصل مع “فاغنر”، ودمشق لا تعبأ بنوعية السلاح المزوّد للعشائر طالما أن هدفها استعادة آبار النفط.

استراتيجية إيران و”حزب الله” مع العشائر، بحسب الخبير في السياسة الخارجية الإيرانية، بيير بهلوي، هي استراتيجية تهدف إلى تعزيز نفوذهما وتأثيرهما في سوريا والمنطقة، وذلك من خلال تسليح وتدريب وتمويل العشائر العربية الموالية لحكومة دمشق أو المعارضة لـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذلك لتأمين ممر بري يربط بين إيران وسوريا ولبنان، ولمواجهة التهديدات الأمنية المحتملة من الولايات المتحدة أو إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، وطبقا لحديث بهلوي لـ”الحل نت”، فإن طهران تسعى لتوسيع شبكة النفوذ الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين العشائر السورية، وذلك من خلال تقديم المساعدات العسكرية والخدمات العامة والمشاريع التنموية والدعوة الدينية، ولكسب ولاء وتأييد السكان المحليين، والذي سيؤدي لتشكيل تحالفات وتنسيقات للحفاظ على مصالحها وحقوقها في أي حلّ سياسي محتمل.

هذا الاتفاق الرباعي قد يؤثر على الصراع في سوريا بعدة طرق، أولها يمكن أن يؤدي إلى تقليل الضغط العسكري على الجيش السوري، وخاصة إذا تمكنت العشائر العربية من محاربة قوات “قسد” التي تدعمها الولايات المتحدة في شرق سوريا، وتعزيز الدور الروسي في سوريا.

أعمال العنف الجارية في مناطق ريف دير الزور الشرقي بسوريا، أظهرت مواقف وردود فعل العديد من الأطراف، برزت فيها عنصر تحريض العشائر هنا وهناك ضد قوات “قسد”، واتباع سياسات تقليدية تبعث بصراع هويّاتي بين العرب والكُرد، الأمر الذي يهدف إلى تحقيق ما تطمح إليه هذه الأطراف منذ فترة طويلة وهو إضعاف “قسد” والوجود الأميركي في مناطق دير الزور، وإن كان على حساب كافة أبناء مناطق شمال وشرق سوريا.

الحل العربي خارج المعادلة السورية

طبقا لما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية، عن السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فإنما لوحظ مؤخرا بين دمشق والدول العربية، هو تبادل اللوم بين لجنة التواصل والجانب الحكومي السوري، وهو ما يفسر بأن كل جانب بانتظار أن يبدأ الجانب الأخر بخطوة أولى.

السفير المصري أوضح أن اللجنة ترى أن الحكومة لم تتخذ أي خطوة لتشجيع المعارضة على الانخراط في عملية سياسية من أجل بناء الثقة، فيما تنتظر الحكومة بدء الدول العربية بخطوة تتمثل في التزام بشأن إعادة الإعمار، أو على المستوى الاقتصادي.

بالمقابل، كشفت البرلمانية غادة إبراهيم عضو البرلمان العربي، أن الشروط السورية أو رؤيتها الحالية تضع أولويات القضاء على الإرهاب وإنهاء الوجود الأميركي والتركي، في مقدمة الأولويات.

الحديث في هذا الشأن، يكشف تدخلات إيران و”حزب الله”، في انقطاع الاتصالات بين حكومة دمشق واللجنة الوزارية العربية المعنية بالحل السوري، فإذا ما نجحت الصفقة الأخيرة بين طهران وموسكو والحزب اللبناني، فيمكن أن يقوض الدور العربي في سوريا، وخاصة إذا أدى الاتفاق إلى تعزيز النفوذ الإيراني والروسي في البلاد، وتهميش الدول العربية التي تسعى لإعادة العلاقات مع دمشق أو دعم المعارضة السورية، كما يمكن أن يؤدي إلى تقليل الفرص للتوصل إلى حلّ سياسي شامل وعادل يرضي جميع الأطراف السورية والإقليمية.

ليس ذلك فحسب، بل تبعا لتقديرات بهلوي، فإنه يمكن أن يزيد من التهديدات الأمنية والإنسانية في سوريا، وخاصة إذا أدى الاتفاق إلى تصعيد العنف والنزاعات بين الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران وروسيا والفصائل المدعومة من الدول الغربية.

من جانب آخر، فإن حصول “حزب الله” اللبناني، على أسلحة إيرانية جديدة ومتطورة سيزيد من التوترات بين إيران وإسرائيل، وتصعيد عمليات التهريب على “طريق حرير طهران” الممتد من الأراضي الإيرانية إلى السواحل السورية واللبنانية.

ويمكن أن يؤدي هذا إلى تغيير التوازن الإقليمي بين الدول العربية، وخاصة إذا تمكنت إيران من توسيع نفوذها وتأثيرها على العشائر العربية في سوريا والعراق، وزيادة خطر التصادم العسكري بين القوات الأميركية والإيرانية أو حلفائها في سوريا، وخاصة في المناطق الحدودية مع العراق أو الأردن، حيث تسعى إيران لتأمين ممر بري لنقل الأسلحة والمقاتلين.

الجهود السياسية والدبلوماسية لإيجاد حلول للأزمة السورية، يبدو أنها آخر ما يهمّ النظام الإيراني و”حزب الله” اللبناني والميليشيات التي تدعمها طهران داخل سوريا، وإذا استخدمت إيران و”حزب الله”، العشائر في زيادة نفوذهما وقوتهما سيؤثر ذلك حتما على سيادة وسلطة حكومة دمشق وسيمنعها من الالتزام بأي اتفاق عربي أو دولي، فضلا عن هذه الصفقة المعقّدة ستؤدي إلى تعزيز الاستغلال السياسي والإعلامي لتنظيم “داعش” لهذه الوضعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة