الأخطاء الطبية.. هل تحولت المشافي السورية إلى شبح يخوّف السوريين؟

مع استمرار تدهور القطاع الصحي في سوريا، زادت مخاوف المرضى من العلاج في المشافي السورية، لا سيما المشافي الحكومية التي تعاني من فوضى غير مسبوقة، بسبب قلة الكوادر وغياب الإدارة والتنظيم، الناتج من قلة الإمكانيات وعدم الاهتمام الحكومي بالكوادر الطبية.

ما زاد من مخاوف السوريين كذلك، هو ارتفاع معدلات الأخطاء الطبية خلال العمل في المشافي، حيث سجّلت البلاد على مدار السنوات القليلة الماضية عشرات الأخطاء الطبية المرتكبة في المشافي، بعضها تسبب بوفاة المرضى، الأمر الذي يدل ربما على انعدام الرعاية الصحية في البلاد.

بحسب إحدى الممرضات التي تعمل في مشفىً بمحافظة اللاذقية، فإن الاستهتار بالمرضى وصل حدّه الأقصى، ففي العام الفائت دخلت مريضة لتجري عملية (تصغير ثدي)، وكانت سعيدة للغاية أنها وأخيرا ستتخلص من المشكلات الصحية ولكن المريضة عانت من إنتانات في جرح العملية نفسها أدى إلى تموّت جزء من الثدي. لم تقدّم المريضة أي شكوى لأن الطبيب المسؤول عن الحالة من المتنفذين ضمن المحافظة، ولأن المسؤولية لا تقع على عاتقه وحده بل على عاتق المتدربين من قسم التجميل.

مرضى خائفون

“عندي تنظير معدة شهري وأخاف من المشافي السورية”، قال أحمد سامي وهو شاب يبلغ 25 من عمره، ويعاني من مشاكل بجهازه الهضمي، جراء تناوله كحول طبي عن طريق الخطأ قبل أشهر، مؤكدا أنه يضطر للسفر بشكل دوري لإجراء عملية التنظير بعيدا عن المشافي السورية.

سامي أضاف خلال اتصال هاتفي مع “الحل نت”، “عملية التنظير ليست جراحية، لكنني مع ذلك أخاف من إجراء العملية في المشافي السورية، خصوصا مع انتشار حوادث الأخطاء الطبية، ودائما ما نسمع عن الإهمال بالنظافة والتعقيم، أسافر إلى لبنان بشكل شبه شهري لإجراء العملية خوفا من المشافي هنا في سوريا”.

سامي نقل في حديثه تجربة إحدى قريبات صديق له، عندما أرادت قبل أسابيع إجراء عملية تجميل لجسدها (شد البطن ونحت) وهي من العمليات الأكثر شيوعا حاليا في العالم، لكن وبعد أن انتهت عملية المريضة بكل نجاح وغادرت المشفى لمنزلها، عانت من آلام شديدة.

عادت بعدها إلى المشفى وهي تتألم بشدة، ليتبين وجود انثقاب في الأمعاء وتلوث بالبطن، “أُدخلت بعدها المريضة إلى غرفة العمليات وتم استئصال قسم من الكولون وبقيت في المشفى ما لا يقل عن شهرين وخضعت لعدة عمليات لإصلاح الخطأ الطبي الذي حصل”.

ارتفاع معدل الأخطاء الطبية في سوريا وفق أطباء مختصين، يعود بالدرجة الأولى إلى ندرة الكوادر الطبية وعدم تأمين البيئة المناسبة لعمل الطبيب، مع عدم إهمال مسؤولية الطبيب المسؤول عن الحال في حال حصول أي خطأ.

من المسؤول؟

فالأطباء المقيمين في سوريا، يعانون من ضغط عمل هائل برواتب هزيلة، ومعظمهم يبحث عن أية فرصة تسمح له بالهجرة والعمل خارج سوريا، كذلك يشتكي الأطباء من ضعف الأجور والرواتب في سوريا مقارنة بالوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، كما اشتكى عشرات الأطباء خلال الأشهر الماضية، بضعف الخدمات المقدّمة لهم خلال عملهم، إذ تعاني الكوادر الطبية من ضعف الميزات وعدم تأمين وسائل الراحة للأطباء المناوبين، الأمر الذي يؤثّر على النتائج النهائية لعملهم.

في آخر تصريحات المسؤولين الطّبيين في سوريا، قال رئيس فرع “نقابة الأطباء” في حمص عزام حسون النجار، إن هناك فرقٌ بين الخطأ الطبي والاختلاط الطبي، مؤكدا في تصريحات نقلتها منصة “غلوبال نيوز” الإثنين، أن الخطأ لا يُغتفر ويحاسب الطبيب عليه،  لفتا إلى أن النقابة لا تحمي الطبيب إن كان مخطئاً حتى لو كانت مهمتها الدفاع عنه.

الأخطاء الطبية في سوريا، في حال قررنا فتح هذا الملف، فسيتطلب الأمر عشرات التقارير والمقالات، فالحالات الطبية التي تخلّلها خطأ طبي لا تُعد ولا تُحصى، فكثرٌ هم الذين ذاقوا مرارة التعافي في المشافي، بدل أن يذوقوا طعم حلاوته، ناهيك عن أولئك الذين قضوا تحت مباضع الجرّاحين وفي غُرف العمليات، وقد لا يكون الحق دائماً على الطبيب، ولكن على من الحق إذا.

المختصون في إدارة المشافي، يجمعون أن غالب المسؤولية لا تقع على الطبيب الذي يرتكب الخطأ، وإنما على آلية العمل المفروضة عليه، فضلا عن غياب البيئة المناسبة لقطاع صحي سليم، في وقت فإن الحكومة لا تبذل أية جهود للمحافظة على الكوادر الطبية، أو تأمين ما يلزمهم لتحسين الواقع الطّبي في البلاد.

وزارة العدل في دمشق كانت قد أصدرت منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي تعميما يقضي بعدم اتخاذ أي إجراء بحق الطبيب، إلا بعد الاستعانة بخبرة طبّية جماعية تخصصية، لتحديد مسببات وفاة المريض أو الإيذاء المنسوب للطبيب خلال أدائه ليتخذ الإجراء القانوني المناسب بحقه على ضوء الخبرة.

التعميم طالب القضاة الالتزام بالنصوص الخاصة في قانون التنظيم النقابي، المتعلق بعدم ملاحقة مرتكبي التشخيصات الطبية الخاطئة باعتبار مهنة الطب، هي إنسانية اجتماعية لزم حماية القائمين بها، وعدم معاقبتهم حتى تثبت إدانتهم، بحكم قضائي.

والمادة 550 من قانون العقوبات السوري تقول، إن الخطأ الطبي هو ضرر غير مقصود، أي تنتفي الصفة الجرمية القصدية عنه، أي لا توجد نيّة للقتل العمد، هذا القانون الذي يفشل الآن في منح المواطنين الحق في الحصول على الرعاية الصحية فيضّطرهم للسفر من أجل الخضوع لعملية بسيطة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات