بعد يوم واحد من تحديد “المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي”، لمشروع الاعتمادات الأولية من أجل الموازنة العامة للدولة للعام القادم 2024، أعلن مجلس الوزراء السوري أمس الثلاثاء موافقته مقررات المجلس، بتحديد مشروع الموازنة بمبلغ 35500 مليار ليرة سورية موزّعة على 26500 مليار للإنفاق الجاري و9000 مليار للإنفاق الاستثماري.

موازنة الدولة للعام القادم شهدت زيادة بأكثر من مئة بالمئة مقارنة بموازنة العام الجاري، التي تم إقرارها نهاية العام الماضي، ولكن بالطبع فإن مختصين أكدوا أن هذه الزيادة وهمية، فيما تؤكد الحقائق أن الحكومة السورية خفّضت من الميزانية، وذلك فيما إذا تمّ حساب قيمة الميزانية بالدولار الأميركي، حيث أن التضخم المستمر أفقد الموازنة كثيرا من قيمتها، وبالتالي فإن قيمة الموازنة بالليرة السورية لن تحدد قيمتها الحقيقية.

القيمة الحقيقية

قيمة الموازنة للعام القادم، بلغت بحسب سعر الصرف الرسمي الذي يحدده مصرف سوريا المركزي بـ 8500 ليرة للدولار الواحد، نحو 4.1 مليار دولار أميركي، بينما تعادل الاعتمادات الأولية 2.5 مليار دولار أميركي بحسب سعر صرف “السوق السوداء” الذي يبلغ 13850 ليرة سورية للدولار الواحد.

جميع المؤشرات الاقتصادية تؤكد زيادة نسبة العجز في الموازنة العامة رغم تخفيضها، ما يعني أن الحكومة ستلجأ إلى الطرق المعتادة لتغطية هذا العجز، عبر طباعة العملة أو تخفيض النفقات على الخدمات العامة والدعم الحكومي، ما يعني أن السوريين على موعد مع عام سيكون مليئا بالمصاعب الاقتصادية التي تُضاف إلى المصاعب التي يعيشونها حاليا.

فيما يخص كتلة الدعم المخصصة ضمن الموازنة العامة للدولة، أكدت الحكومة تخصيص 6210 مليارات ليرة، وهذا الرقم للدعم الاجتماعي أي لبعض المواد الغذائية والمشتقات النفطية والكهرباء من ضمنها 2000 مليار ليرة لدعم المشتقات النفطية، و75 مليار ليرة لدعم المناطق المتضررة من الزلزال.

قد يهمك: “استثمار حكومي”.. كهرباء الفنادق في سوريا للإنارة وليس للتدفئة

المؤشرات الاقتصادي تؤكد استمرار العجز في الموازنة العامة، حيث أشار الباحث الاقتصادي يونس الكريم، إلى أن عجز الموازنة هو عجزٌ مركّب وشامل بكل الاقتصاد السوري، حيث أن النفقات الحكومية على الخدمات أعلى من الإيرادات، والمعروف أن حالة العجز في الموازنة هي الحالة التي تتجاوز فيها النفقات حجم الإيرادات خلال فترة زمنية محددة، بحيث يكون إنفاق الفرد أو الحكومة أكثر من الإيرادات المتاحة.

مواجهة العجز

حول ذلك أضاف الكريم خلال حديث خاص مع “الحل نت”، “العجز في الموازنة هو العجز التشغيلي، ويأتي نتيجة ارتفاع الأسعار والتضخم، حيث أصبحت تكلفة الخدمات التي تقدمها الحكومة أعلى بكثير من الإيرادات التي تحصل عليها، ما تضطر الحكومة إلى تقديم قروض للمؤسسات الحكومية، الأمر الذي يؤدي إلى إظهار هذه المؤسسات مستقبلا على أنها خاسرة وغير مُجدية، وبالتالي تضطر الحكومة إما خصخصتها والتخلي عن القطاع العام، أو يتم مراجعة حقيقية للأسعار والخدمات التي تقدمها مؤسسات الحكومة، وهذا يحتاج لمراجعة بطبيعة الدستور والقانون الذي أنشأ هذه المؤسسة”.

وفق الكريم، فإن الحكومة ستلجأ إلى الحلول التقليدية لتغطية العجز في الموازنة، وذلك إما عن طريق طباعة العملة كما حدث في ثلاث مناسبات سابقة، مؤكدا أن هذه الطريقة ستؤدي إلى مزيد من انخفاض قيمة الليرة السورية، أو عن طريق خصخصة المؤسسات الخدمية العامة وإدخال شريك خاص.

حول هذه الطريقة أوضح الكريم، “خصخصة المؤسسات العامة، عبر التشاركية حيث يتم إدخال القطاع الخاص بالقطاع العام كطرف ثالث، يتم تقديم الخدمات للمواطنين بأسعار تقارب أسعار السوق وبالتالي تخفيف عجز النفقات، الحقيقة أن هذا الأمر يصطدم بنقطتين هما الفساد واستحواذ حلفاء دمشق عليها، هذا يؤدي إلى عدم استمرارية هذه السياسة”.

تخفيض قيمة الموازنة العامة للدولة إذا ما قيست بالدولار الأميركي مقارنة بموازنة العام الماضي واستمرار العجز، يوحي بأن الأرقام الحالية لا تبشّر بالخير للسوريين، فقد اعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، أن النسبة الكبيرة للزيادة في الموازنة العامة للدولة لعام 2024، “تُعد اعترافا غير مباشر من الحكومة بنسبة التضخم الحاصلة خلال هذا العام”.

عربش أكد كذلك في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، أن الأرقام الضخمة الواردة في الموازنة العامة لعام 2024، لن تؤدي إلى تحسين الواقع الخدمي في سوريا، واصفا هذه الموازنة بـ”المشوّهة كالعادة ولا تعكس أي انفراجة قادمة بل إنها تعكس تخبّطا وغيابا للسياسة المالية والنقدية في سوريا”.

أين أموال دعم المحروقات؟

بحسب الأرقام المُعلنة، فقد خصّصت الحكومة مبلغ ألفي مليار ليرة سورية لدعم المشتقات النفطية، وذلك رغم القرارات العديدة التي صدرت خلال العام الجاري برفع الدعم عن المواد النفطية، وهنا أوضح عربش، أن ما تبقّى من دعم المحروقات هو بعض المواطنين الذين ما زالوا يعتقدون أنهم مشمولون بالدعم بـ 50 ليترا من مازوت التدفئة، وقد يصل إليهم دور التوزيع وقد لا يصل.

هذا ما اعتبره عربش محاولة من الحكومة إخفاء العديد من الممارسات كالهدر والسرقات في المستودعات التي تزوّد المحطات بالوقود ومحطات التكرير والمصافي، وذلك تحت مسمى “دعم المواد النفطية”، بالتالي فإن حجم الدعم الفعلي هو أقل بكثير مما تعلنه الحكومة.

عام 2023 كان من الأعوام السّيئة على الاقتصادي السوري، فقد ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي في سوريا من نحو 6500 ليرة سورية نهاية العام الماضي، إلى أكثر من 13000 ليرة حاليا، كما ساهمت القرارات الحكومية بزيادة معدلات التضخم وانفجار أسعار معظم السلع والخدمات في البلاد.

خلال الأشهر القليلة الماضية، سجّلت سوريا أعلى وتيرة من ارتفاع معدلات التضخم، حتى أصبح متوسط الدخل السوري عاجزا أمام المستويات الدنيا من الحاجات الأساسية للمواطن، حيث عانى الأهالي  في مختلف مناطق البلاد من ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار مختلف السلع الأساسية الضرورية.

متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، وصل إلى أكثر من 9.5 مليون ليرة سورية”، وبحسب تقارير متخصصة فقد بلغ الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة السورية، نحو 6 ملايين ليرة سورية، والحد الأدنى لتكاليف الغذاء 3.5 مليون، ذلك في وقت بلغ الحد الأدنى للأجور في المؤسسات الحكومية بعد الزيادة الأخيرة إلى 185 ألف ليرة سورية فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات