يبدو أن نهاية المطاف حانت، فالميليشيات الشيعية الإيرانية في سوريا أمام سيناريوهات غير متوقعة، ولا تدري ماذا يخبئ لها القدر من مصائب ومحن بعد سحب إيران يدها عنها على الأقل في غرف الساسة الدوليين، وهي لا تدري كيف تواجه خطر الانقلاب والانحلال والاندثار، غير مستفيدة من التجارب والدروس السابقة للمعارضة الإيرانية.

خذلان إيران للميليشيات الشيعية في سوريا يُفضي إلى إثارة التوجس في المستقبل من صدق دعم ومساندة إيران لحلفائها في المنطقة والإعراض عن تحقيق مصالحها وتنفيذ استراتيجياتها العسكرية والأمنية في الدوائر الجيوسياسية في جوارها القريب، لأنها لن تأمن ألا تخذلها إيران عندما تقتضي مصالحها العليا ذلك سواء مع العالم الغربي أو العربي بعد التقارب مع السعودية أو غيرها.

على أرض الواقع وما يجري في المنطقة، حيث هذا ما يحصل حالياً مع حركة “حماس” في غزة أو أذرعها في سوريا، إذ إن إيران تعرض عن دعمها في المعارك العسكرية القائمة حاليا، وتكتفي في عبارات التنديد بإسرائيل وإعلان الدعم الكلامي، فيما يكتفي “حزب الله” في المناوشات على الحدود الجنوبية مع إسرائيل ضمن قواعد الاشتباك، ما دفع برئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في الخارج خالد مشعل، إلى التصريح بأن المطلوب من “حزب الله” أكثر مما يفعله الآن.

أذرع فاسدة لخدمة إيران

في أول تصريح على تواصل الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية في سوريا والعراق منذ أسبوعين، والتي وصلت إلى 23 هجوما 14 مرة على الأقل في العراق و9 مرات في سوريا، تنصل وزير الخارجية الإيراني، من إشراف بلاده على ذلك، وقال إن الجماعات التي تهاجم القوات الأميركية في سوريا والعراق تتصرف بشكل مستقل، ولم تتلق أوامر أو تعليمات من طهران.

الميليشيات الشيعية الإيرانية في سوريا
أنصار “حزب الله” يرتدون ملابس عسكرية خلال جنازة أحد مقاتلي الحزب الذي قتل على يد الجيش الإسرائيلي أثناء اشتباكات في جنوب لبنان، عبر شوارع منطقة الضاحية في 23 أكتوبر 2023 في بيروت، لبنان. (تصوير مانو برابو / غيتي)

حديث أمير عبد اللهيان، أتى بعد أقل من يوم من إعلان الولايات المتحدة أنها شنت ضربات عسكرية على منشأتين سوريتين مرتبطتين بـ “الحرس الثوري” الإيراني استخدمتا لشن هجمات ضد القوات الأميركية في المنطقة، وهنا يظهر أن طهران تسعى من خلال توظيف الوكلاء إلى حماية نفسها من اللوم أثناء تحقيق الأهداف الإقليمية.

صحيفة “نيويورك تايمز” في وقت مبكر من يوم السبت الفائت، ذكرت أن مسؤولي المخابرات الأميركية أبلغوا الرئيس بايدن أن إيران لا تسعى إلى حرب إقليمية، وهذا التقييم جاء بناء على رسائل من الحكومة الإيرانية ومجموعات الضغط التي تدعمها في واشنطن، لكن في الوقت ذاته لم تعترض إيران على إي إجراء وقائي من الجيش الأميركي على الميليشيات التي تدعمها داخل سوريا وحتى العراق.

إيران، ومن الواضح أنها سوف تبذل قصارى جهدها للحفاظ على الوضع الحالي دون الاضطرار إلى الدخول في حرب مباشرة مدمرة، ففي تحليل على موقع “المونيتور”، امتنع قائد “الحرس الثوري” الإيراني عن الحديث عن أي مشاركة إيرانية مباشرة، واتبع الخط الرسمي لطهران منذ أن بدأت إسرائيل بقصف غزة ردا على هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، على المجتمعات المحلية في جنوب إسرائيل.

خذلان إيران لميليشياتها

“البيت الأبيض” أيد الضربات الجوية التي استهدفت منشأتين في شرق سوريا يستخدمهما “الحرس الثوري” الإيراني يوم الخميس الفائت، وحمل إيران مسؤولية الهجمات الأخيرة على القوات الأميركية في المنطقة، وقال  المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بـ “البيت الأبيض”، جون كيربي، “أعتقد أننا أثبتنا بوضوح تام الليلة الماضية أننا نحمل إيران المسؤولية”.

رفيق لثلاثة من أعضاء “حزب الله” قتلوا في مناوشات حدودية مكثفة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، يقفز على نعشه خلال جنازتهم في مدينة النبطية بجنوب لبنان في 27 أكتوبر 2023. (تصوير محمود الزيات / وكالة فرانس برس)

بعد هذه الضربة، من الممكن أن تكون أميركا قد تخلت عن استخدام الردع الصبور في المنطقة وهي مصممة على القضاء على الميليشيات التابعة لإيران بشكل فعال. وبالتالي، قد لا يلتزمون بمبدأ الانتقام المتناسب ضد “حزب الله”. 

وفي مقابلة مع “إيران إنترناشيونال”، قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان: “إن نظام آية الله هو رأس الأخطبوط وحماس ليست سوى واحدة من مخالبه، وبمجرد أن ننتهي من هذه الحرب، سنتعامل مع هذا التهديد العالمي الذي تشكله إيران”.

وفي الضربة الانتقامية السريعة التي شنتها واشنطن مؤخرًا ضد المواقع المرتبطة بإيران في سوريا في أعقاب الهجمات على قوات القيادة المركزية الأميركية في سوريا والعراق، لم تستفد إيران من التكتيك المعتاد المتمثل في عدم الانتقام. 

من الواضح أن الولايات المتحدة تدعم حاليا خطة لإنهاء وجود ميليشيات إيران في سوريا بشكل كامل، وأن الحرب الشاملة قد لا تكون في مصلحة إيران، وعلاوة على ذلك، فإن تكتيك التحويل المعتاد الذي يتبعه النظام قد يكون غير فعال في هذه الحالة، على الأقل في هذه المرحلة.

لذا برز تعليق مهم أمس الاثنين، وفيه يظهر كيف تنظر قيادة إيران سواء المدنية أو العسكرية للفصائل والميليشيات العربية الخاضعة لها، حيث قال محمد باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية: “حتى لو استمر قصف غزة لمدة عام وقتل جميع سكان غزة، فإن إسرائيل ستظل مهزومة”.

الميليشيات الشيعية الإيرانية في سوريا
في حديقة إيران التي بنتها الحكومة الإيرانية وبجوار العلم الفلسطيني، مجسم لقاسم سليماني الذي كان قائد “فيلق القدس” الإيراني والذي تم اغتياله بواسطة طائرة أميركية بدون طيار في بغداد في يناير 2020، يقف منتصبًا فوق برج مراقبة ويشير بإصبعه نحو القدس على حدود إسرائيل. (تصوير كافية كاظمي / غيتي)

هنا يقول الباحث والمفكر السياسي، محمد حواتمه، لـ”الحل نت”: “‏نعم هكذا يفكر صانع القرار في إيران بصوت عالٍ، فالخسائر البشرية والمادية لميليشياته لا تعنيه بقدر ما يعنيه تحقيق أهدافه وأجندته، و‏لا يرى في مقتل كل أهل غزة وميليشياته في العراق وسوريا نصرا”.

الميليشيات الإيرانية أمام سيناريوهات مرعبة

أرسلت الولايات المتحدة قوات كبيرة إلى الشرق الأوسط، والتي تشمل القوات البرية المكونة مما يقرب من 1000 جندي، بالإضافة إلى بطاريات “باتريوت”، وأنظمة الدفاع الجوي الأخرى مثل نظام “ثاد”، ومجموعة قتالية مع حاملة الطائرات “جيرالد فورد” في شرق البحر الأبيض المتوسط للقوات البحرية.

جندي إسرائيلي يقف فوق دبابة ميركافا متمركزة في منطقة الجليل الأعلى بالقرب من الحدود اللبنانية في 25 أكتوبر، 2023. (تصوير جلاء ماري / وكالة الصحافة الفرنسية)

وهناك أيضا مجموعة برمائية جاهزة، وهي سفينة “يو إس إس باتان” الهجومية، وقوة الرد السريع البحرية، ووحدة الاستطلاع البحرية السادسة والعشرون، حيث تحافظ الولايات المتحدة على وجود قوي في الشرق الأوسط منذ إنشاء الأسطول الخامس، وغالبا ما تبقي على اثنتين من حاملات الطائرات، بمجموعاتها القتالية، ويتم تجهيزهما بآلاف الأفراد.

وتشير بيانات لوكالة “فرانس برس”، إلى وجود 18 سفينة، بينها حاملة طائرات من طراز نيميتز “يو أس أس هاري ترومان”، و3 مدمرات صواريخ موجهة، هي “يو أس أس لاسين” و”يو أس أس فاراغوت” و”يو أس أس فوريست شيرمان” وطراد صواريخ موجهة “يو أس أس نورماندي”.

وفي أعقاب اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل بالشهر الحالي، أمر “البنتاغون” أيضا بإرسال طائرات حربية إضافية لدعم أسراب طائرات “A-10 وF-15 وF-16” الموجودة في الشرق الأوسط، وتتمركز معظم القوات الأميركية في الأردن في قاعدة “الملك فيصل الجوية” في الجفر.

بحسب حواتمه، فإن الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران في سوريا هي مجموعات مسلحة تنتمي إلى المذهب الشيعي في الإسلام وتتبع أو تتأثر بإيران، التي تعتبر الدولة الشيعية الرئيسية في المنطقة، وهذه الميليشيات تنشط في بعض البلدان التي تشهد صراعات أو توترات طائفية، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. 

بعض هذه الميليشيات تحظى بدعم سياسي ومالي وعسكري من إيران، وتعتبر جزءا من ما يسمى “محور المقاومة” ضد إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما، أما بعضها الآخر فقد نشأ بسبب الظروف المحلية أو الإقليمية، وتختلف درجة انسجامها أو خضوعها للنفوذ الإيراني.

حاليا ولعدة أسباب أهمها استغلال إيران للوضع الحالي، والتحول نحو مصالحها السياسية والاقتصادية، ستواجه الميليشيات الشيعية في سوريا سيناريوهات غير متوقعة ومحفوفة بالمخاطر، نتيجة للتغيرات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تشهدها إيران وسوريا والمنطقة. 

بعض هذه السيناريوهات هي، انسحاب إيران من سوريا عسكريا، حيث قد يضطر النظام الإيراني إلى خفض دعمه للميليشيات الشيعية في سوريا بسبب الضغوط الدولية والأزمات الداخلية والتدهور الاقتصادي وعدم قدرته على التصعيد مع إسرائيل، وهذا قد يؤدي إلى ترك الميليشيات دون حماية أو تمويل أو تدريب أو تسليح، أمام الضربات الأميركية القادمة بلا شك.

أما السيناريو الثاني، فهو الانقلاب على إيران، وهنا قد يقرر بعض قادة الميليشيات الشيعية في سوريا التحول من حلفاء إلى عدو لإيران، سواء بسبب خلافات فكرية أو سياسية أو مصالح متضاربة، وخاصة بعد تيقنهم من إدارة النظام الإيراني ظهره لهم بعد توجيه ضربات أميركية لهم، وهذا قد يؤدي إلى نشوب صراعات دامية بين الميليشيات المختلفة وبين “الحرس الثوري” والجهات الأخرى التابعة لإيران.

هذا بدوره سيقود نحو السيناريو الثالث، الذي سيكون عنوانه انحلال الميليشيات، إذ سيفقد بعض عناصر الميليشيات الشيعية في سوريا ثقتهم في قادتهم أو في رؤية إيران أو في دورهم في سوريا، خصوصا بعد سنوات طويلة من الحرب والخسائر والإجهاد، وهذا سيؤدي إلى تفكك الميليشيات أو انشقاق جزء منها أو انضمامها إلى جهات أخرى، أو اندرثارها بعد تعرضها لهجمات عسكرية شرسة من قبل القوات الأميركية أو الإسرائيلية.

في النهاية، يبدو أن الميليشيات الإيرانية في سوريا ستتلقى خلال الأيام القادمة صفعة مزدوجة، الأولى من النظام الإيراني تمثلا برفع الحماية عنهم في سوريا كما حدث مع ميليشيا “الحوثي” في دمشق واضطروا إلى إخلاء السفارة اليمنية وتسليمها للحكومة اليمنية، والأخرى هي حمم الصواريخ والقنابل الأميركية التي ستلاحقهم في سوريا، وهذا يعني أن ربيع هذه الميليشيا قد انتهى بدخول الشتاء من الغرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات