“المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا”: تعاون سرّي بين “داعش” وطهران

“المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا”: تعاون سرّي بين “داعش” وطهران

منذ الـ 18 من تشرين الأول/أكتوبر الفائت وحتى اليوم الجمعة، سجّلت أداة التّعقب في معهد “واشنطن” للدراسات، 42 هجوما على القواعد الأميركية في العراق وسوريا، ولاحقا هجوما على مواقع إسرائيلية في البحر الأحمر؛ ولكن اللافت في الأمر هو تبنّي هذه الهجمات من قِبل جماعة تسمي نفسها “المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا”.

لا تشير التسمية التي ظهرت على تطبيق “تلغرام” في تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى جماعة قائمة بحدّ ذاتها، بل هي اسم عام يُستخدَم للدلالة على الوحدة بين الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، والتأكيد على هويّتها الفردية خلال الهجمات التي أثارتها أزمة غزة، وهذا يعيد ذاكرة الشرق الأوسط للسرطان الذي ظهر في عام 2014، واجتث بواسطة قوات “التحالف الدولي” وشركائه عام 2019.

تقول مجلة “نيوزويك” الأميركية، إن إيران وضعت ميلشيات العراق وسوريا ضمن إطار واحد تحت اسم “المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا”، وفق متحدث باسم القيادة المركزية الأميركية.

ما بين الدولة والجمهورية

كثيرا ما تقول إدارة بايدن إنها تريد منع الحرب بين إسرائيل وغزة من التوسع في جميع أنحاء المنطقة؛ لكن الهجمات شبه اليومية التي تشنّها الميليشيات المدعومة من إيران على القوات الأميركية في العديد من دول الشرق الأوسط تظهر أن جهود الاحتواء التي يبذلها الرئيس بايدن تتصدع، إذ تهاجم إيران بالفعل القواعد الأميركية باستخدام قواتها بالوكالة، ولم تقم الولايات المتحدة بعد بصياغة الرّد المناسب.

المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا تعاون سري بين داعش وطهران (1)
مقاتلون من حركة حزب الله اللبنانية، يقومون بعرض في الضواحي الجنوبية لبيروت في 14 أبريل 2023، بمناسبة يوم القدس، (تصوير أنور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية).

اسم “المقاومة الإسلامية في العراق”، وفقا لمعهد “واشنطن، هو مصطلح شامل يُستخدَم لوصف العمليات التي تنفّذها جميع الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، لكن الاسم أضيف له سوريا، خلال النزاع بين إسرائيل و”حماس” في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتنتهج عمليات عسكرية حركية عابرة للحدود على حدّ سواء، تستهدف الولايات المتحدة في العراق وسوريا.

تشير الأدلة المتوافرة، طبقا لصحيفة “واشنطن بوست”، إلى أن “فيلق القدس” التابع لـ”لحرس الثوري” الإيراني، يؤدي دورا في تنسيق “المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا”، وتحرص الجماعات المسلحة بشدة على حماية هويّاتها، وتبني هجوم منفَّذ على مستوى جماعة فردية وهذا يدل على أن هناك سلطة عليا تتولى تنسيقها. 

بالإضافة إلى ذلك، تشير التسمية المشتركة مع جماعة “تشكيل الوارثين” في الهجوم الذي شُنَّ في 17 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، على قاعدة “حرير” الجوية إلى وجود صلة مباشرة بجماعةٍ يديرها بشكلٍ مباشر “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، وتتمتع بعلاقات وثيقة مع “حزب الله” وحركة “النجباء”.

أدى صعود تنظيم “داعش” بعد عقدٍ من الزمن إلى مساعدة إيران مرة أخرى في حشد العشرات من الميليشيات القوية، فضلا عن عودة القوات الأميركية لمساعدة الجيش العراقي المحاصر، والذي أقام علاقات وثيقة مع كلّ من طهران وواشنطن.

ومع ذلك، عادت الاحتكاكات المتزايدة بين طهران وواشنطن إلى الظهور مرة أخرى في أعقاب هزيمة “داعش” في عام 2019، واندلعت حملة جديدة من الهجمات الصاروخية ضد القوات الأميركية، إلى جانب الغارات الجوية الأميركية ضد الميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا.

تصاعدت التوترات في أوائل عام 2020، عندما قتلت الولايات المتحدة قائد “فيلق القدس”، قاسم سليماني، في مطار بغداد الدولي، مما دفع إيران إلى إطلاق وابل غير مسبوق من الصواريخ على المواقع الأميركية في العراق، ورغم أن أعمالاً عدائية بهذا الحجم لم تشهدها الحملة المستمرة التي شنّتها “المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا”، إلا أن العمليات الحالية حدثت بوتيرة لا مثيل لها.

الخليفة والولي

ينوّه الكاتب والصحفي السوري، عبدالناصر العايد، إلى أن الحركات ذات الأصول الدينية المتطرفة تشبه بشكل كبير الانفجار، حيث يكون مصيرها المحتوم التوسع حتى الزوال، يمكننا أن نشهد هذا بوضوح في الأمس القريب من خلال مثال “داعش”، ونستطيع أن نستنتج أن المغامرة المماثلة لها، وهي “المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا” التي أنشأتها إيران وتمتد اليوم إلى العراق وأجزاءٍ كبيرة من بلاد الشام ودول أخرى، تتجه نحو نفس المصير.

ملصق سامر أبو قمر، زعيم “جند السماء”، على الأرض بعد يومين من معركة محتدمة بين القوات العراقية والأميركية ضد مجموعة من المقاتلين الشيعة في مدينة الزرقاء. شمال مدينة النجف (تصوير قاسم زين / وكالة الصحافة الفرنسية)

“داعش” و”المقاومة” يتفقان في رؤيتهما بأن المؤمنين يقتصرون على أتباع الخليفة في حالة “داعش”، أو أتباع الولي الفقيه في حالة إيران، فيما يُعتبر الكفار والمرتدون هم عموم سكان الكوكب، وبينما يعزز النهج السّني استقطاب الأنصار من الجماعة السّنية في جميع أنحاء العالم إلى جانب دعم “داعش”، يُمكن للميول الشيعية في “المقاومة” أن تواصل ربط الجيوب الشيعية المتناثرة حول العالم بإيران. 

وبفضل الخلفيات الإثنية والقومية المتعددة لقادة هذين النمطين، سواء كانوا عرباً سُنّة أم شيعة، فإنهم يسعون جميعا إلى استعادة الهيمنة بصورة إمبراطورية تلتزم بولاءات مختلفة.

انتشار ظاهرة “داعش” وخطابها أدى إلى توفير فرصة للجميع لدراستها وتحليلها بعناية. ومع ذلك، يبقى خطاب “المقاومة” الإيرانية وجوهرها الفعلي غير معروفين بعد، إذ إن وجود دولة معترف بها دوليا في إيران يحمي النظام من الأخطار التي تهدد تنظيما مثل “داعش”، الذي يُعتبر نفسه دولة ولكن لم يحصل على الاعتراف الدولي. 

وبسبب تطلعاتها الدائمة نحو التوسع وعدم الاستقرار، أنشأت طهران دولتها الصغيرة خارج البلاد، والتي أصبحت مجرد قاعدة ومقر لـ”لحرس الثوري” الإيراني الذي نجح في التوسّع في المنطقة على مرّ السنوات، وتم ذلك تدريجيا على مدى أربعة عقود، مما منح قادة النظام الإيراني الوقت الكافي لتعزيز موقفهم بشكل أفضل من قادة “داعش”، خاصة في العراق وسوريا، حيث نجحوا في تحقيق نتائج مشابهة لما حققه “الحرس الثوري”، وذلك في غضون أربع سنوات فقط.

الفارق الجوهري بين “داعش” وإيران يكمن في الواقعية التكتيكية، فقادة الأخيرة ومخططيها يراعون الخطوات الفورية ويدرسونها بعمق وتردد، ومع ذلك، ينظرون أيضاً إلى الأهداف الاستراتيجية على المدى البعيد، والتي تتضمن التّوسع والتّمسك بحلم السلاح النووي. 

بالمقابل، يركز قادة “داعش” على الأهداف ذات المدى البعيد نتيجة تاريخهم العريض، وهم أكثر جرأة بفضل الثقة التي يمنحها لهم الواقع الجغرافي والتوزيع السكاني في عالم إسلامي سنّي متنوع؛ وعلى الرغم من التفاوت في المنهجيات، إلا أن النهايات ستكون متشابهة بالتأكيد.

منهجية واحدة

تيار “داعش” انتشر بأشكال متعددة إلى مناطق بعيدة في الغرب وتم استهدافه في مناطقه الأصلية، و”التحالف الدولي” لم يتوقف حتى الآن عن محاصرة هذا التيار ومطاردة آثاره المتبقية هنا وهناك، مدركا أن تجديد ظهور “داعش” مرة أخرى في المستقبل يعد أمرا شبه مستحيل.

المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا تعاون سري بين داعش وطهران (4)
عناصر تابعين للزعيم الشيعي العراقي الراديكالي مقتدى الصدر (تصوير باتريك باز / وكالة الصحافة الفرنسية)

بالمقابل، تركز إيران جهودها في المنطقة العربية القريبة وتحقق انتصارات تدريجية، وتظهر عداءا للغرب في خطابها العلني، لكنها لا تنفذ هذا العداء بشكل فوري، وعلى الرغم من اعتبار البعض أن هذا الخطاب يُستخدم لأغراض التسويق الإعلامي فقط. 

إلا أن الحقيقة تكمن في أن الواقعية تفرض أولويات قد تتغير تدريجيا عند اكتمال التوسع في المنطقة وحين تحصل على القدرة النووية الرادعة، والمرحلة الأولى من مواجهة الغرب لن تكون في الولايات المتحدة أو وسط أوروبا كما حدث مع “داعش”، بل ستكون في إسرائيل، قواعد “التحالف الدولي” ومصالح الولايات المتحدة وأوروبا في الشرق الأوسط والخليج.

استمرار النظام الإيراني يرتبط بشدة بوجود “داعش”، وتفاعلهما المتبادل والاعتماد على بعضهما البعض هو شرط أساسي لاستدامة كل منهما، وفي حالة اضمحلال “داعش”، قد يتغير أداء النظام الإيراني وتتغير سياستها تجاه العالم الغربي، سواء بشكل مباشر أو من خلال استهداف إسرائيل، بشكل أسرع مما هو مخطط له أو مُنظر، وفي كل الحالات، يبقى الصِدام وشيكا في النهاية، والانفجار لا بد أن يحدث في لحظة من لحظات التوسع الذي لا يمكن تحمّله، وهو ما لا يمكن لإيران البقاء بدونه.

محور المقاومة اللامركزي في إيران

في الأيام الأخيرة، ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط”، أن كبار القادة من الميليشيات المدعومة من إيران وصلوا إلى لبنان وسوريا من أجل جمع المعلومات الاستخبارية والتنسيق مع الميليشيات المحلية قبل أي هجوم محتمل، وذكرت الصحيفة أيضا أن إيران تدير غرفة عمليات مشتركة مع الميليشيات المدعومة من إيران من سوريا والعراق ولبنان ومع “حماس”، وأنها قامت بتوحيد خطة للهجوم ولم تُعرف تفاصيلها بعد.

عناصر تابعة لميليشيات إيرانية في حي بغداد بمدينة الصدر، (تصوير علي السعدي / غيتي)

كما تشير التقارير الأخيرة إلى أن “الحرس الثوري” الإيراني والميليشيات التي يدعمها قد بدأت في تعزيز قواتها على الحدود السورية اللبنانية وتجنيد عناصر إضافية للقتال، حيث يشارك ضباط إيرانيين في تنظيم أنشطة غرفة العمليات إلى جانب قادة من العراق وسوريا ولبنان، وكان هناك تفاعل متزايد بين جميع الفصائل وإيران، بعد تجمّع مجموعات في مناطق مختلفة بالقرب من الحدود.

في ذات الوقت، وبعد الإعلان عن ضربات “المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا” للقواعد الأميركية، ضرب تنظيم “داعش” على نحو مفاجئ مواقع قوات الجيش السوري في بلدة السخنة في بادية ريف حمص الشرقي، وحاول التقدم للسيطرة على البلدة عقب سيطرته على بعض المواقع.

النموذج التنظيمي الجديد الذي فرضته إيران في ظل الأوضاع الحالية والذي يشبه “داعش”، يبدو أن يستغل الحرب الحالية في غزة، ويسعى إلى إعلان دولته كما فعلت “داعش” إذ يرى بأن هذه الفترة هي فترة اللقاح المناسبة التي ستتمخض عنها الدولة المأمولة. 

على مرّ السنين، كانت إيران مرنة في ابتكار استجابات تكتيكية للتطورات الإقليمية على أمل بناء إمبراطوريتها الإسلامية، والنتيجة هي أن “محور المقاومة” يتحول الآن من شبكة هرمية تتمحور حول إيران إلى بنية أفقية لامركزية تعمل على تسهيل قدر أعظم من الاستقلال لأعضائها، والفوائد التي تعود على إيران والشبكة تظل أكبر، وهذا الحُكم الذاتي يمنح إيران القدرة المعقولة على الإنكار للنأي بنفسها عن استفزازات شركائها في حين تستمر في طلب دعمهم عند الحاجة.

0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول في العمق

جديداستمع تسجيلات سابقة