يطل الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصرالله، غدا السبت،  بخطاب جديد في مناسبة “يوم الشهيد”، وهو الثاني له في غضون أيام قليلة. ففي خطابه الأخير، لم يعلن الانخراط في الحرب كليا بل أكد أن قرار الحزب في هذا الخصوص مرتبط بأمرين هما مسار العملية العسكرية في غزة، وأيضا الأداء الإسرائيلي وممارساته تجاه لبنان، واضعا معادلة “المدني مقابل المدني”.

مع مشاهد النزوح التي تبث من غزة، يستذكر نحو مليون و600 ألف فلسطيني من بين 2.2 مليون نسمة عدد سكان القطاع الساحلي الصغير نزحوا مؤخرا، التصاريح التي أطلقها ما يسمى “محور المقاومة” بداية عملية “طوفان الأقصى”، والتي مفادها أنه سيتدخل في الحرب إذا اجتاح الجيش الإسرائيلي غزة برا.

هؤلاء الذين شاهدوا الدبابات الإسرائيلية طوقت مدينة غزة ووصلت إلى أحيائها بعد موت أكثر من 11 ألف قتيل وإصابة حوالي 27 ألف شخص، يقولون اليوم لنصر الله، إذا كان خطابُه الأول “خطابَ التنصُّل”، فلا بدَّ أن يكون خطابُه الثاني “خطابَ الترقيع”.

في أوقات الجد: تحوّل إلى صانع تسالٍ

بعد ساعات من خطابه الأخير، صعدت إسرائيل القتال في غزة عبر قصف مستشفى الشفاء وغيره من المستشفيات والمدنيين، ردا على خطاب نصرالله. وخلال أيام قامت إسرائيل بقصف سيارة مدنية تنقل أم وثلاثة بنات وجدتهم فارقوا الحياة على الفور، وهنا كان واجبا على نصرالله تطبيق معادلته “المدني بالمدني”، ولكن لم نرى سوى قصفا لتلال فارغة من السكان في الأراضي الفلسطينية وتدميرا أكبر للعامود! 

رجل يحمل العلم الإيراني بينما يقف بجوار صورة القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، قبل أن يلقي الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، كلمة في طهران في 3 نوفمبر 2023. (تصوير مرتضى نيكوبازل / نور فوتو)

لحفظ ماء الوجه، قد يقوم الحزب في قابل الأيام أو خلال كلمة نصرالله أو بعدها، بعملية ما، انتقاما للقتيلات، خاصة وأن إجراء كهذا سيعيد تعويم الحزب بعد أن خيّب آمال الكثر من جمهوره في لبنان وغزة وما تسمي نفسها “دول الممانعة”. 

خطاب نصرالله الأخير، لم يشهد تصعيدا وكان ضعيف النبرة والمحتوى، رغم كل البروباغندا والدعاية التي سبقته. والرد المحتمل غدًا يمكن أن يكون “قويا” أو “استعراضيا” في الشكل؛ لكن مِن غير الضروري أن يؤدي إلى “حرب”، لا سيما وأن الأمور في غزة على مقربة من نهايتها.

الضغوط الدولية والتحذيرات مِن خطوة غير محسوبة النتائج، تتوالى، حيث حمل آخرها الموفدُ الأميركي، آموس هوكشتاين إلى بيروت في الساعات الماضية. وهذا المعطى يُبقي الأمور مضبوطة تحت سقفها الراهن. 

الصحفي اللبناني محمد زيناتي، حول هل سيتضمن خطاب نصرالله تصعيدا في المواجهات الميدانية مع إسرائيل، قال لـ”الحل نت”:  “ليس خطاب نصرالله من يحدد تطورات الميدان بل الميدان هو من يحدد الخطاب! فاليوم الجبهة الجنوبية تتطور بشكل ملحوظ والميدان يفرض نفسه في لبنان وغزة”.

كما أكد زيناتي، أنه لا علاقة للخطاب بتطورات الميدان، فالخطاب هو فقط سنوي وواجب في يوم الشهيد، وفي كل عام يطل نصرالله في هذا اليوم. 

كما لفت إلى أنه على الرغم من القصف الموجود في غزة وجنوب لبنان هنالك مفاوضات تجري على مستوى أعلى من خطاب نصرالله. و هذه المفاوضات لم تصل حتى الآن إلى نتائج ملموسة، وفي حال استمر فشل هذه المفاوضات ولم يصل المفاوضين إلى صيغة لوقف إطلاق النار، وتسليم الرهائن كل الاحتمالات مفروضة. 

من جهته، قال الدكتور مكرم رباح، الباحث في الشأن السياسي، إن اللبنانيين أصبح لديهم مواد للسخرية بعد كل خطاب لحسن نصرالله، وفي كلمته السابقة قال إنه لن يتدخل في حرب غزة وترك “حماس” والشعب الفلسطيني للموت، وأي خطاب بعده سيكون شكلي لا أكثر.

قمة عربية وقصف حاد يرافقان خطاب نصرالله! 

تصاحب مع إعلان كلمة نصرالله غدا السبت، قصف مدفعي إسرائيلي حاد على محيط بلدتي مارون الراس واللبونة جنوب لبنان، ما أدى إلى تعطيل قسم الطوارئ في مستشفى “ميس الجبل”، وإصابة عدد من الأطباء و المدنيين. 

يمنيون يشاهدون خطابًا مذاعًا لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله على شاشة التلفزيون حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حمود/ غيتي)

وفي الوقت عينه حليف نصرالله، الرئيس السوري، بشار الأسد، توجه اليوم الجمعة إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في أعمال القمة العربية الطارئة، والتي ستبحث الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وما يعيشه قطاع غزة من عدوان إسرائيلي.

مشاركة الأسد تأتي بعد فرض الأجهزة الأمنية خلال الأيام الماضية على الجهات والفصائل الفلسطينية “موافقة أمنية” من أجل تنظيم فعاليات ووقفات تضامنية مع السكان في قطاع غزة، مبرّرة هذه الخطوة تحت بند “الحماية من الإرهاب والعصابات المسلحة والحفاظ على الأمن والأمان”.

فمنذ بداية هجوم “حماس”، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وما تبعه من حربٍ بدأتها إسرائيل في قطاع غزة، التزم الأسد بسياسةٍ اعتبرها مراقبون أنها تصبّ في إطار “الابتعاد عن المشهد محاولة عدم الانخراط”. 

الرئيس الإيراني هو الآخر، سيتوجه الأحد إلى الرياض، وهنا يظهر أن نصرالله ترك وحيدا على الشاشات، في ظل مفاوضات وتكتيكات عربية-إيرانية غير معلن عنها حتى الآن؟ 

من جهته، الشعب اللبناني لا يريد حربًا والإعلام لا يتوقع ردات فعل من “حزب الله” على قدر المعركة، فبين مؤيد ومعارض لمواقف “حزب الله” اللبناني في لبنان، وعشية خطابه الثاني، أطلق عدد من الناشطين اللبنانيين والصحفيين آرائهم المتنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي رافضين إدخال لبنان في حرب غزة. 

وقبل يومٍ من الخطاب قام عدد من شبان العاصمة اللبنانية بيروت بتعليق صورة للناطق الرسمي باسم كتائب القسام “أبو عبيدة”، ما لقي غضب شديد على وسائل التواصل الاجتماعي. 

أما على مستوى الصحف اللبنانية المحلية، جاء في مانشيت جريدة “اللواء” اللبنانية، أن مصادر سياسية وضحت أن الكلمة المرتقبة لنصر الله بعد ظهر السبت، قد تحمل معها مواقف مرتفعة السقف بناءً على ما استجد على جبهة الجنوب، لكن ستبقي الأمور على ما هي عليه.

ونشرت صحيفة “الديار”، وصفت خطاب حسن نصرالله غدا، تزامنا مع قمة عربية تبدو دون “أنياب” جدية لوقف الجيش الإسرائيلي، حيث تغيب أي إرادة لاتخاذ إجراءات عملية لوقف الحرب، وفرض صيغة سياسية مقبولة ومنصفة للفلسطينيين بعدها.

تفاعل ضعيف! 

قبل يوم على إطلالة ثانية لأمين عام “حزب الله”، شهدت الجبهة الجنوبية تطورا نوعيا في الهجوم من قبل إسرائيل، “حزب الله”‬⁩ اليوم، أعلن مقتل 7 من عناصره في أكبر حصيلة يومية له لترتفع حصيلة قتلاه إلى 70 منذ بداية حرب ⁧‫غزة. 

حراس يحملون صوراً لآية الله روح الله الخميني (يسار) والمرشد الأعلى الإيراني الحالي آية الله علي خامنئي (وسط) وزعيم حزب الله حسن نصر الله (يمين) خلال جنازة أحد أعضاء حزب الله الذي قُتل في جنوب لبنان في اشتباكات عبر الحدود. (تصوير أحمد الربيعي / وكالة الصحافة الفرنسية)

وعلى الرغم من قوة وشدة المعركة، الشعب اللبناني لا ينتظر الخطاب ليحدد مصيره، بل أصبح الجميع يعلم ويدرك أن قرار السلم والحرب خارجي، مرتبط بقرارات إيرانية ومفاوضات غربية. ‬‬

كما صرح رئيس تحرير موقع “أساس ميديا”، محمد بركات، أنه وعلى الرغم من إطلالات نصرالله؛ لن يشارك “حزب الله” في الحرب وما يجري على الحدود ليس سوى تسجيل حضور في المشهد إعلاميا وسياسيا.

الإبعاد إلى ما وراء الليطاني!

قبل يوم من الخطاب، دعا أفيغدور ليبرمان، عضو الكنيست الإسرائيلي، اليوم الجمعة، إلى توجيه ضربة عسكرية إلى “حزب الله”، بزعم عدم تكرار ما حدث في السابع من الشهر الماضي، من إطلاق “حماس” للعملية العسكرية “طوفان الأقصى”.

خطاب نصرالله الثاني هل يعلن سقوط غزة ويستمر بـرفع العتب؟ (1)
دورية تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) تمر بصور زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله (على اليمين) ورئيس البرلمان نبيه بري في قرية العديسة بجنوب لبنان على طول الحدود مع إسرائيل في 10 أكتوبر 2023. (تصوير جوزيف عيد / وكالة فرانس برس)

ونشر ليبرمان، وزير الدفاع السابق، عبر حسابه الرسمي على موقع “إكس” (تويتر سابقا)، صباح اليوم الجمعة، طالب فيها الجيش الإسرائيلي بتوجيه ضربة حاسمة لـ “حزب الله”، بدعوى عدم تكرار ما جرى في جنوب إسرائيل، من عملية “طوفان الأقصى” شمالي البلاد.

التطورات في الأراضي الفلسطينية عموما وعلى الجبهة اللبنانية الجنوبية خصوصا، فرضت على “حزب الله” إعادة حساباته، ففي ظل التوتر على الحدود والذي كلّف الحزب حتى الساعة، أكثر من 70 قتيل، يبدو أن الحزب اضطر إلى سحب نحو 1500 من عناصره من سوريا، كما أفادت مصادر محلية سورية.

وأوضحت أن الحزب استدعى عناصره من مناطق مختلفة من سوريا في غضون الأسبوعين الأخيرين، مشيرة إلى أن عناصر الحزب انسحبوا من اللواء 46 في ريف حلب الغربي، ومن مدينة سراقب وقراطين شرق محافظة إدلب، ومن مناطق معرة النعمان وخان شيخون وكفرومة وكفرنبل وحزارين جنوب إدلب. وأضافت أن العناصر انتقلوا أولا إلى منطقة القصير جنوب غرب محافظة حمص ومنها إلى لبنان. 

بما أنهم من المتدربين وقد خاضوا معارك فيها على مر السنوات الماضية، يبدو أن نقلهم إلى الجنوب اللبناني سيفيد “حزب الله” للتخفيف مِن خسائره البشرية، خاصة وأن غالبية من سقطوا هم مِن الشباب الذين لم يختبروا الحروب بعد. 

على هامش التطورات وكلمة نصرالله غدًا المرتبطة بكلمته السابقة “العسكري بالعسكري” و”المدني بالمدني”، لا تشير الدلائل سوى أن نصرالله المفاوض مع إسرائيل بحرا والملتزم بـ“قواعد الاشتباك” برًا، سيخرج إلينا مرة أخرى بصورة ابن الجنوب جغرافيا وابن إيران سياسيا وطائفيا، ليقول كلاما إنشائيا جميلا، لا يتناسب أبدا مع تصورات كل من انتظر منه شيئا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات