العلاقات بين الأردن وإيران متوترة منذ فترة طويلة بسبب الخلافات حول القضايا الإقليمية، مثل النزاع في سوريا والعراق واليمن، والتدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، والبرنامج النووي الإيراني والتهديدات الإسرائيلية.

لكن هذه التوترات ازدادت مؤخرا بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما احتشد آلاف العناصر من تنظيمات عراقية قرب الحدود مع الأردن، وتحديدا عند معبر طريبيل، وتحت دعوات مناصرة غزة، ويقيمون خيماً ويتظاهرون بتوجيهٍ من مرجعيات دينية وسياسية عراقية، مما دفع مراقبين للتحذير من خطورة الوضع على الداخل الأردني وما قد يشكّله من عنصر ضغطٍ مستقبلاً.

لماذا الأردن؟

الأردن يسعى إلى حل الأزمة السورية بطريقة تحفظ وحدة وسيادة سوريا، وتحمي مصالحه الأمنية والاقتصادية، وتراعي مصير اللاجئين السوريين الذين يشكلون عبئاً كبيراً على المملكة. لذلك، يدعم الأردن الحوار السياسي بين الأطراف السورية، ويشارك في المبادرات الدولية لإيجاد حل سلمي للنزاع.

العلاقات بين الأردن وإيران متوترة منذ فترة طويلة بسبب الخلافات حول القضايا الإقليمية – إنترنت

مع استمرار تطور الشبكة المعقدة لسياسات الشرق الأوسط، بدأت تظهر ديناميكية جديدة وربما تحويلية، ويبدو أن إيران، موطن النظام الذي يتبنى بكل فخر وصراحة خطاباً موجهاً نحو السيطرة وطموحات الهيمنة، يضع أنظاره على الأردن، وهي خطوة قد تخلف عواقب على الشرق الأوسط وخارجه.

إن هذا التحول في تركيز إيران على الأردن هو أكثر من مجرد مناورة جيوسياسية، وهذه الاستراتيجية يمكن أن تغير بشكل كبير توازن القوى الإقليمي، وتتحدى المواقف الراسخة للاعبين الرئيسيين مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ومن الممكن أن يكون تأثيرها مضاعف يتجاوز حدود هذه الدول، ويمس المخاوف الأمنية العالمية والحسابات الاستراتيجية للقوى العالمية الكبرى.

وعلينا أن نتذكر أن الاستراتيجية التي يتبناها النظام الإيراني تشبه إلى حد كبير التحركات المحسوبة لحيوان مفترس يطارد فريسته وسط الصراع الداخلي، حيث تتمتع طهران بسجل حافل في استغلال الصراعات الداخلية داخل الدول، وتكثيف وتأجيج التوترات لتسهيل الاستيلاء التدريجي عليها – وتبرز سوريا والعراق كشاهدين على هذا النهج.

إن مثل هذه التكتيكات ليست انتهازية فحسب؛ فهي تعكس مخططاً أعمق وأكثر طموحاً وضعه الزعيم الإيراني السابق آية الله روح الله الخميني. إذ لم تكن رؤيته في أعقاب الإطاحة بالشاه تقتصر على إنشاء جمهورية إسلامية فحسب، بل كانت تتلخص بتحول مركز العالم الإسلامي من مكة إلى قم.

وفي هذا التصميم الاستراتيجي الكبير، تلوح المملكة السعودية باعتبارها جائزة مرغوبة، وإن كانت بعيدة، وهو الهدف الذي تجعله قدرات إيران الحالية والحقائق الجيوسياسية بعيدة المنال. ومع ذلك، فإن استراتيجية عزل وإضعاف المملكة السعودية يمكن أن تبدأ بتوسيع النفوذ إلى الدول المجاورة، مثل الأردن. 

الطريق إلى مكة يمر عبر عمّان

وفقاً للمحلل السياسي الأردني عبد الله الجندي، فإن الأردن اقترح رؤية لحل الأزمة السورية تقوم على “سياسة خطوة مقابل خطوة”، تبدأ بإعادة فتح السفارات العربية في دمشق، وإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية معها، وتنسيق الجهود الإنسانية والإغاثية، وتشجيع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ودعم عملية الانتقال السياسي والدستوري والانتخابي في سوريا.

تتمتع طهران بسجل حافل في استغلال الصراعات الداخلية داخل الدول – إنترنت

مبادرة الأردن التي يخشى من نجاحها تأتي لتخوفه من تمركز الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا، فمن ناحية أخرى، يواجه الأردن تحدياً إيرانياً جديداً، بعد انسحاب القوات الروسية من جنوب سوريا، وتوسع النفوذ الإيراني والمليشيات الموالية له في المنطقة.

إن التنبؤ بمسار الطموحات الإيرانية في الأردن ينطوي على التنقل في متاهة من التعقيدات الإقليمية والحسابات الاستراتيجية؛ ففي حين أنه من الصعب تحديد جدول زمني أو نتيجة محددة، فإن الاتجاهات الحالية والأنماط التاريخية لإيران تشير إلى نهج تدريجي ومتعمد.

تتوافق هذه الاستراتيجية مع أهداف إيران الإقليمية وممارستها الطويلة المتمثلة في توسيع نفوذها عبر الشرق الأوسط، إذ إن الطريق إلى مكة – مجازياً وجيوسياسياً – قد يمر عبر عمان إذا أثمرت طموحات النظام الإيراني في الأردن، وهو ما من شأنه أن يغير المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط على نحو عميق وربما لا رجعة فيه.

ترى كاثرين شكدام، المستشارة السابقة في مجلس الأمن الدولي، والإعلامية الغربية الوحيدة التي حصلت على مقابلة مع الرئيس الحالي لإيران إبراهيم رئيسي، أنه من خلال تقويض المملكة الهاشمية، فإن إيران ستشكل تحدياً استراتيجياً لمكانة المملكة السعودية في المنطقة والعالم الإسلامي. ومن شأن هذه الخطوة أن تمثل تحولاً كبيراً في الديناميكيات الدينية والسياسية في الشرق الأوسط، نظراً لوصاية الأردن على المواقع الإسلامية الرئيسية في القدس ونسبها الهاشمي الذي يعود إلى النبي محمد.

أدوار “فيلق القدس” ووكلاء إيران مثل “حزب الله” اللبناني، تؤكد على تفضيل النظام الإيراني لأساليب التأثير غير المباشرة وغير المتكافئة. وفي سياق الأردن، الذي حافظ تاريخياً على علاقة حذرة مع إيران، من المرجح أن يكون نهج طهران أكثر دقة، حيث يستغل نقاط الضعف الداخلية بدلاً من المواجهة المباشرة.

بينما تنشغل العواصم العالمية بمناقشة القضية الفلسطينية، والدفاع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، تشدد طهران قبضتها على المنطقة، وتخنق ببطء تلك القوى التي لا تزال قادرة على مقاومة نفوذها.

ونظراً للأهمية الاستراتيجية للأردن في الشرق الأوسط، بات من الضروري مراقبة تصرفات إيران وتحالفاتها عن كثب من خلال دعم استقرار الأردن من خلال الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية، ويعد الانخراط في دبلوماسية إقليمية استباقية ومكافحة الخطابات المتطرفة من الاستراتيجيات الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
2 3 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات