من المؤكّد أن لبنان يمرّ في مرحلة خطيرة وخصوصاً بعد سيطرة “حزب الله” على أكثرية المؤسسات الرسمية وتعطيلها لمصلحة دويلته ومشروعه ضمن الأجندة الإيرانية. 

ويبدو أن المرحلة الأخيرة هي الأخطر وتتمثّل بالسيطرة على آخر المؤسسات الرسمية وهي الجيش اللبناني الذي كان صامداً حتى الآن وغير الخاضع له مباشرة إلا بتأثيرات خفيفة نظراً إلى حكمة قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي نجح في تحييد المؤسسة العسكرية. 

لكن عون وصل إلى نهاية خدمته التي تنتهي في مطلع شهر كانون الثاني/يناير القادم، لذلك أعدّ “الحزب” العدّة مع حليفه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، للانقضاض على قيادة الجيش وإحكام السيطرة عليه ليكون طيّعاً بين أيديهم.

خوف من القائد!

تتنوّع الأهداف بين “الحزب” وحليفه باسيل في النظرة إلى قائد الجيش، فالأول يريد قائداً للجيش يكون متساهلاً مع مشروعه وبعيداً عن مناقبية المؤسسة العسكرية، متواطئاً وغير متعاون في تطبيق القرار “1701”.

حزب الله في الأمتار الأخيرة للاستيلاء على الجيش اللبناني! (1)
قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون في حفل تسليم أربع طائرات من طراز A-29 Super Tucano قدمتها الولايات المتحدة، 12 يونيو، 2018. (AFP)

 أما الثاني فيريد قائداً للجيش لا يمنع تدخله في التعيينات، بحيث يتحوّل الجيش إلى جهاز مواكبة لجولات باسيل وحامياً له ولتياره، غير آبهٍ بوضعيّته كمؤسسة رسمية تحمي السيادة ووحدة الشعب، ولا بتعزيز دور الدولة.

من الطبيعي أن هناك قوى سياسية حيّة في لبنان ترفض وضع يد “الحزب” وحليفه على الجيش، ولا تعمل لأجندة خارجية ويهمّها مصلحة لبنان، فاتخذت قراراً بالتمديد للعماد عون في المجلس النيابي، ولا سيما الكتل النيابية المعارضة وخصوصاً “القوات اللبنانية” التي حضّرت اقتراح قانون يقضي بتعديل سنّ التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد في الجيش، بحيث يصبح 61 سنة بدلاً من 60 سنة، ويستفيد منه بشكل خاص قائد الجيش.

تعتبر قوى المعارضة أن التمديد للقائد الحالي ضروري في هذه الظروف، لأنه لا يجوز تعيين قائد للجيش في غياب رئيس للجمهورية، كما لا يجوز إطلاقاً المساس بتراتبية المؤسسة العسكرية.

فضلا عن أن الحرب التي فرضها “الحزب” على اللبنانيين من خلال ما أطلق عليه تسمية “قواعد الاشتباك” والضغوط الدولية لتطبيق القرار “1701” تستدعي الحفاظ على تراتبية المؤسسة وجهوزيتها وقيادتها المتمرسة بدورها، وكل من يقف ضدّ التمديد هو متآمر على لبنان والجيش.

ماذا عن معركة “حزب الله” وعون؟

بالتحديد ما يفعله “حزب الله”، هو وضع في الواجهة رئيس “التيار” جبران باسيل، الذي حاول أن تؤول قيادة الجيش إلى الأعلى رتبة. 

عناصر من الجيش اللبناني يؤمنون المنطقة التي انقلبت فيها شاحنة في بلدة الكحالة، لبنان، 10 أغسطس 2023. (رويترز/محمد أزاكير).

ولكن بعد أن لمس مدى تمسُّك البطريرك الماروني بشارة الراعي بالموقع في مؤسسة لا تشبه المؤسسات الأخرى لجهة أنّ التراتبية داخلها ضرورية، انتقل إلى خطوة التعيين التي يجب برأيه أن تُرضي رأس الكنيسة، فإذا وافق يكون قد تخلّص من العماد جوزف عون المرشّح الأقوى للرئاسة، وإذا لم يوافق يحاول أن يستخدم ورقة التعيين للإطاحة بالتمديد، متّكلاً على موقف “الحزب” الذي يدعم باسيل في حال سلك خيار التمديد طريقه.

النائب باسيل يسير عكس التيار الشعبي اللبناني الذي يعتبر أنّ التمديد يجب أن يكون بديهيّاً في غياب رئيس الجمهورية ووسط الحرب الدائرة ومع قيادة أثبتت جدارة وكفاءة. 

وفي الوقت الذي تخوض فيه القوى السياسية معركة التمديد انطلاقاً من الاعتبارات الوطنية العليا، خاض النائب باسيل معركة رفض التمديد انطلاقاً من الاعتبارات الشخصية، لأن سياساته تتراوح بين المصلحة و النكايات.

تمكّنت المعارضة اللبنانية من إقناع رئيس مجلس النواب من تحديد جلسة لمجلس النواب بهدف التمديد لقائد الجيش، لكن تحالف “حزب الله” وباسيل كان يُعد العدّة بإفراغ الجلسة من مضمونها الأساسي. 

فبعد الاتفاق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على خطة انقلابية تقضي بتحديد جلسة حكومية تعتزم التمديد لقائد الجيش قبل إقراره في الجلسة التشريعية، فيما كان باستطاعته الدعوة لجلسة حكومية تؤجِّل التسريح منذ شهر أو ثلاثة أشهر، إلا أن “الحزب” وباسيل اختاروا هذا التوقيت لدفع برّي إلى استبعاد إقرار القانون في المجلس باعتبار أن الحكومة ستتكفّل بالمهمة، وبعد أن تمددّ الحكومة لقائد الجيش يقدّم باسيل بالطعن ويقبل مجلس الشورى الطعن وتسقط احتمالات التمديد في البرلمان مع الدخول في الأعياد، يسقط التمديد.

ما السيناريوهات المحتملة؟

في حال اكتمل هذا السيناريو، تصبح قيادة الجيش في حالة شغور، رغم أن الجيش هو الضامن لمنع الفوضى في مرحلة خطيرة إقليمياً في ظلّ شغور رئاسي متمادٍ وانهيار غير مسبوق، وصولاً إلى الحرب على الحدود واحتمالات توسّعها نحو الداخل. 

حزب الله في الأمتار الأخيرة للاستيلاء على الجيش اللبناني!
أعضاء من حزب الله يسيرون رافعين أعلام الحزب خلال مسيرة بمناسبة يوم القدس في بيروت، لبنان، 31 مايو 2019. (رويترز/عزيز طاهر)

وبالتالي هنا بيت القصيد؛ فمن الواضح أن “حزب الله” لا يريد التمديد لقائد الجيش ويتلطى بالنائب باسيل الذي يتكفّل دائماً بالمهام التي يريدها “الحزب” وكيف بالحري في مسألة يخوضها رئيس “التيار” كحياة أو موت انطلاقاً من الاعتبارات الشخصيّة والمصلحة التي تحكم أدائه.

من المؤكّد أن باسيل هدفه صغير، يتعلّق بمواقع ونفوذ ومصالح، فيما “الحزب” هو المستفيد الأكبر لأنه يطمح إلى الاستيلاء على المؤسسة العسكرية كاملة، بعدما كان تأثيره في إطار قيادة العماد عون جزئياً. 

فغالباً ما انتقد “الحزب” علاقة عون بالأميركيين و زياراتهم إلى مقرّه في اليرزة، علماً أن الجيش يعيش اليوم على المساعدات الأميركية من مال وسلاح وذخائر. واللافت أن الجيش يحظى باهتمام دولي كبير لأنه آخر حصن في دولة تتآكلها الميليشيات وخصوصاً “حزب الله” ومشروعه الإيراني.

أما السبب المباشر لرفض “الحزب” التمديد فيعود إلى سببين أساسيين: توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بأنّه إذا كان يتوقّع من الجيش أن ينفِّذ القرار “1701” فمنع التمديد دفعة على الحساب؛ والسبب الثاني لأن المطلوب في هذه المرحلة، بالنسبة إلى “الحزب”، تعطيل المؤسسة العسكرية وشلّها.

إذا ما يحصل في لبنان استثنائي وفي مرحلة من الخطورة، وخصوصاً أن الجيش اللبناني هو المؤسسة الرسمية الأخيرة التي كانت ضد الانهيار، ولكنه اليوم يواجه أجندة “حزب الله” الذي فرّغ مؤسسات الدولة ويريد اليوم شلّ المؤسسة العسكريّة عملًا بهذه الأجندة غير اللبنانيّة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات