كانت التداعيات الإقليمية الناجمة عن الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزة سبباً في تجدد الانتباه إلى ما يسمى “محور المقاومة”، وهو تحالف ما بين “حماس”، وجماعتي “حزب الله” و”الحوثي”، والميليشيات العراقية، وإيران وسوريا.

ولكن في حين أن “حزب الله” وإيران ينشطان بشكل واضح منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فقد لعبت حكومة دوراً أكثر صمتاً في دعم حليفتها “حماس”، لكن من أجل مآرب أخرى وليس دعما للقضية الفلسطينية.

إن مساهمة سوريا في القوة المادية لـ “حماس” ضئيلة ومن غير المرجّح أن تكون قد لعبت أي دور في تسهيل هجوم “طوفان الأقصى”، إلا أن هذه الحرب تساعد الرئيس السوري، بشار الأسد، على الخروج من حالة المنبوذ، لكن القصف الإسرائيلي والتهديد بالتّوسع يشكّلان تهديدات خطيرة.

ما هو دور سوريا؟

منذ بداية الحرب على غزة، كانت سوريا مسرحا لهجمات وأعمال انتقامية بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران والميليشيات المدعومة من “الحرس الثوري” الإيراني من جهة أخرى.

مكاسب سياسية أم بصرية الرهانات السورية في الحرب بين إسرائيل وغزة (4)
في هذه الصورة الأرشيفية الملتقطة في 4 كانون الأول (ديسمبر) 2006، الرئيس السوري بشار الأسد، على اليمين، يجتمع مع إسماعيل هنية من حماس في دمشق، سوريا. (ا ف ب)

وبينما قال إسماعيل هنية، رئيس الجناح السياسي لحركة “حماس”، لقناة الجزيرة العام الماضي إن جزءاً من ترسانة الصواريخ بعيدة المدى للحركة يأتي من سوريا، فإن الجزء الأكبر من مخزونها العسكري يأتي من إيران أو يتم تصنيعه محليّاً. 

ومع ذلك، فإن موقع سوريا ضمن التحالف الأوسع مع إيران و”حزب الله” يظل عاملاً مهماً في تصعيد العنف في جميع أنحاء المنطقة، حيث تقول نسرين أختر، طالبة الدكتوراه في جامعة “سانت أندروز” التي تبحث في العلاقات بين “حماس” و”حزب الله” وسوريا: “لا تزال سوريا تلعب دوراً في محور المقاومة، ولكن ببساطة فقط بحكم موقعها الجيوستراتيجي”.

فضلاً عن كونها قناة لنقل الأسلحة إلى “حزب الله”، توفّر سوريا لإيران موطئ قدم في الساحة العربية الإسرائيلية، مما يسمح لها بفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل، وتمنحها قاعدة يمكن من خلالها استهداف الولايات المتحدة. 

لكن ضمن هذا التحالف، تعتبر دمشق لاعباً سلبياً، فمنذ عام 2011، لم يكن لسوريا أي دور مستقل تقريباً، وهي تعتمد على إيران أو روسيا، وأحياناً تلعب إحداهما ضد الأخرى، وبات جليا أن أي فتح لجبهة عسكرية ضد إسرائيل من سوريا سوف يبدأها في الواقع “حزب الله” أو الميليشيات الموالية لإيران.

إن القتال الأخير بين إسرائيل ومسلحي “حماس”، وتكتيكات حرب العصابات التي تتبعها الجماعة المسلحة عبر القطاع، يعكس أحدث مثال على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. 

والحقيقة أن الحرب بين إسرائيل و”حماس” تعمل على تحويل الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة بشكل جذري، الأمر الذي يؤدي إلى الإضرار بالأمن الإقليمي والناس الأبرياء. 

إلا أن هذه النتيجة لم تأتِ في الفراغ؛ بل إنها تعكس ميل طهران إلى العمل في تعميق المواقف الفوضوية في جميع أنحاء المنطقة لصالحها، كما تعكس تصرفات طهران الخبيثة في الأراضي الفلسطينية اتجاهاً طويل الأمد أدى إلى نتائج سلبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. 

الرهانات السورية في الحرب

إن تصاعد العنف يخلق المزيد من عدم الاستقرار في سوريا، ويزيد من احتمالية أن تتحول سوريا إلى ساحة معركة لحرب بالوكالة تشنّها القوى الإقليمية والعالمية، مما يزيد من المعاناة والبؤس على الشعب السوري.

الرئيس السوري بشار الأسد يتحدث خلال مقابلة في دمشق، سوريا، 9 أغسطس، 2023. ( AP)

ولكن بينما يعاني السوريون من العواقب المترتبة على تحالف حكومة دمشق مع “حماس”، فإن الأسد ذاته قد يستفيد سياسياً مع تعرض زعماء المنطقة لضغوط شعبية متزايدة لحملهم على تغيير موقفهم تجاه إسرائيل.

إن الحكومة التي يقودها الرئيس السوري بشار الأسد لديها مصالح كبيرة في الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ عشرة أسابيع على غزة، والتي امتدت بالفعل إلى سوريا. 

قصفت إسرائيل مطاري دمشق وحلب، بالإضافة إلى مواقع ومقار للميليشيات الإيرانية في المناطق الريفية السورية بحجة ردع إيران والميليشيات الإقليمية المدعومة من طهران من استخدام الأراضي والبنية التحتية السورية لمهاجمة إسرائيل وسط مزيدٍ من التصعيد.

ومع ذلك، تحاول دمشق الاستفادة من الغضب السائد في جميع أنحاء العالم ومعظم دول الجنوب بأميركا اللاتينية بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية الدموية في غزة والدعم غير المشروط الذي تلقّته من الولايات المتحدة.

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “القديس يوسف” ببيروت، كريم إميل بيطار، قال إن “الأسد يحاول إعادة تموضعه كعضو في النادي بعد أن تم استبعاده ومعاملته كمنبوذ بين عامي 2011 و2022”.

وفي حين أن الحرب في غزة تعزز جهود الأسد للهروب من وضعه المنبوذ، وخاصة بين الدول العربية، فإنها تشكل أيضاً تهديدات. فمع تركيز دمشق على التحايل على العقوبات الغربية وجذب الاستثمار الأجنبي لإعادة إعمار سوريا، تشعر حكومة دمشق بالقلق بشكل خاص بشأن التصعيد المحتمل للحرب إلى صراع إقليمي أوسع.

إيران عدوة الأسد

تُعد سوريا مثلاً حيّا لما يجري في غزة، حيث دعمت إيران بشكل مباشر وغير مباشر الرئيس بشار الأسد خلال قسم كبير من الصراع الذي امتد على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، حيث قدمت المعدات العسكرية والتدريب وغير ذلك من الأصول إلى جانب المساعدة الاقتصادية وبعض الغطاء السياسي في المنتديات الإقليمية والدولية. 

وفد من حركة “حماس” يلتقي بالرئيس السوري بشار الأسد، يشارك فيه قيادات من فصائل فلسطينية أخرى كالجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية- القيادة العامة – إنترنت

وتعمل في سوريا ميليشيات متعددة مدعومة من إيران وتشكل ما يسمى “محور المقاومة”، بما في ذلك “حزب الله” اللبناني و”الجهاد الإسلامي” حليفة “حماس”، بدعم من “الحرس الثوري” الإيراني. 

تقوم هذه المجموعات بانتظام بتهريب الأسلحة والمخدرات والمقاتلين عبر سوريا لدعم طموحات إيران الإمبراطورية. وتستخدم مثل هذه العمليات عناصر موالية لدمشق ومجموعات أخرى على حساب المجتمعات السورية، بينما تؤدي إلى انهيار الأنظمة المجتمعية والاقتصادية والسياسية المحلية التي أضعفها الصراع. 

وبدلاً من دعم التطلعات الديمقراطية لمعظم السوريين – الذين يرغبون في رؤية نظام ديموقراطي جديد ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب الوحشية والجرائم ضد الإنسانية مثل الهجمات الكيميائية، والتعذيب والاختفاء القسري – تهدف هذه المجموعات لخلق اقتصاد الحرب في سوريا. 

وخلافاً للتصريحات العلنية، فإن الأسد بات يعي أن هذه المجموعات لا تعمل لصالح السوريين، ناهيك عن الحكومة السورية؛ بل إنها امتداد لاستراتيجية إيران الأمنية الخارجية وخصوصا بعد استهداف قواعد “التحالف الدولي” في سوريا وضرب إسرائيل بالصواريخ عبر الأراضي السورية.

وبات جليا لدى الأسد أن الطموحات الإمبريالية لإيران تتكرر في غزة اليوم، فبينما تزعم “حماس” وإيران أنهما تدعمان المصالح الحقيقية للفلسطينيين وآمالهم في دولة مستقبلية، فإن الواقع أكثر ضبابية، حيث تستخدم هذه الجماعات “المقاومة الفلسطينية” لتحقيق أجنداتها – أي آمال إيران في الهيمنة الإقليمية ورغبة “حماس” في السيطرة على الأراضي الفلسطينية. 

وبينما تتحمل إسرائيل جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن الضربات التي تلحق الضرر بالمدنيين بموجب القانون الدولي، فإن الجهات الفاعلة في “محور المقاومة” تلعب دورًا مهمًا في هذا الكابوس. 

وفي هذا السياق، تمثل سوريا وفلسطين وجهين لعملة واحدة فيما يتعلق بالدور الإيراني المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، طهران تزدهر في حالة من الفوضى، وتهدف بنشاط إلى تعميق عدم الاستقرار لدعم عقيدة أمنية خارجية تتطلب مشاكل أمنية خارج حدودها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات