سمحت دلالات الصراع المفتوح بين إيران والغرب عموما وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية مساحاتٍ من التحالف فيما بين طهران وعديد التنظيمات العقائدية والجهادية، بغية ممارسةٍ أكبر قدرٍ من الضغط التكتيكي على مصالح واشنطن الإستراتيجية عَبر عدد من ساحات الصراع المفتوحة واستغلال كافة الظروف والأحداث وتناقضاتها أحيانا لتوطين ذلك الهدف واستغلاله، الأمر الذي يضمن إطالة أمد الصراع والقبض على أوراق تؤمّن كبح معادلات التفاعل في الجغرافيا الساخنة ورهن الضربات الشاملة بمتغيرات الأوضاع الجيوسياسية وحسابات المصالح الشاملة.

يأتي ارتباط الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتنظيم “القاعدة” الإرهابي من خلال الفهم الدقيق لحساسية ودقة الجغرافيا السياسية التي تعمل من خلالها عبر عدد من مناطق الشرق الأوسط بدءً من لحظة سقوط نظام صدام حسين في العراق، وما تبع ذلك من تطورات ما عُرفت بثورات “الربيع العربي” سيما في اليمن وسوريا، وكذا سقوط حكم “طالبان” وهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، وتداعيات ذلك من خلال التحركات النشطة لتلك التنظيمات الجهادية عبر تحالفها مع طهران على خلفية الهدف المشترك بعيدا عن خلافات العقيدة والإيديولوجيا.

إذن فثمة سياق منطقي نستطيع أن نتلمسه والتحرك من خلاله لتدبر مقاربة منطقية لذلك التعاون والتحالف الذي نشأ بين الطرفين عبر سياق ما طرأ من أحداث وما أنتج من فراغ عملت من خلاله طهران لتوفير ملاذات آمنة  لقيادات وأعضاء “القاعدة” وعائلاتهم بعد أحداث الـ11 من سبتمبر في مقابل الحضور الميداني للقوات الأميركية في أفغانستان حيث الحدود المتاخمة لإيران، فضلا عن كون ذلك سمح لطهران ممارسة توجيه عمل التنظيم بحسب مصالحها وأهدافها وكذا التفاوض مع واشنطن لدخول في مساحة تفاوض وحوار. 

إيران و”القاعدة”

لا شك أن تحالفات إيران مع عدد من التنظيمات مثل “حزب الله” في لبنان وجماعة “الحوثيين” في اليمن وغيرها في العراق ومناطق أخرى سمحت لها غير مرة الدخول في خطوات تكتيكية عبر وكلائها مما وضع النظام الإيراني على قائمة الدول الراعية للإرهاب مما فرض عليها  جملة من العقوبات.

أيمن الظواهري الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن الزعيم السابق للتنظيم- “الحرة”

وبحسب تقارير الخارجية الأميركية المتتابعة أصرّت طهران متمسكة برعايتها لكبار أعضاء “القاعدة” ورافضة تقديم أي معلومات عن المقيمين لديها أو تقديمهم إلى العدالة، كما سمحت لعملاء “القاعدة” بتشغيل خط مرور عبر أراضيها منذ زمن بعيد، مما مكّن تلك القيادات الاستفادة من ذلك والعمل على نقل الأموال والمقاتلين إلى مساحات العمل الميداني، فضلا عن عمليات تحويل الأموال واللوجيستيات صوب جبهات القتال وحماية مناطقها وحدودها من الهجمات الإرهابية.

مؤخرا، أشار تقريرٌ لوزارة الخارجية الأميركية، أن الزعيم الجديد لتنظيم “القاعدة” بعد مقتل أيمن الظواهري العام الماضي، يسمى “سيف العدل” الذي لجأ إلى إيران بعد العام 2001.

سيف العدل الذي ترقى من رتبة أحد حراس أسامة بن لادن الشخصيين إلى قائد التنظيم أقوى رجل في صفوف التنظيم، فضلا عن كونه مثبت في لائحة الولايات المتحدة للإرهابيين التي تضم اثنا وعشرون إرهابياً مطلوباً.

يقول مسؤولو الاستخبارات الأميركية إنه بعد سقوط “طالبان” وفرار أعضاء تنظيم “القاعدة” انتقل سيف العدل إلى إيران عبر المناطق الحدودية الشرقية تحت حماية “الحرس الثوري الإيراني”. في حين أنكرت إيران بدورها على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان، ما جاء في التقارير الأميركية، غير أن منطق الأحداث وبنيتها السياسية يشي بأن تاريخ العلاقة بين طهران وتنظيم “القاعدة” يسمح بذلك التحالف والتعاون على خلفية الأهداف وبراغماتية كلا منهما.

التنظيمات الإرهابية أدوات لإيران

نحو ذلك يقول الدكتور محمد الزغول الباحث المختص في الشأن الإيراني ومدير وحدة الدراسات الإيرانية في “مركز الإمارات للسياسات”، إن “غزوة الموصل” لفتت الأنظار إلى الدور الإيراني في صعود تنظيم “داعش” الإرهابي، إذ كان الهدف الإستراتيجي للمشروع الإيراني يقوم على فكرة إقامة منطقة نفوذ تمتد من آسيا الوسطى إلى البحر الأبيض المتوسط بتكريس مركزية إيرانية للشيعة في العالم والمنطقة.

وهذا المشروع وجد في الحرب الأميركية على الإرهاب في أفغانستان والعراق فرصة تاريخية عزّزها الانسحاب الأميركي من البلدين الذي جرى دون تكريس دولة وطنية قادرة على الحفاظ على سيادة البلاد كما أدت الثورة السورية وحالة الضعف التي أصابت النظام الحاكم إلى تحوّل سوريا إلى دولة “تحت الانتداب الإيراني” وهو ما أدى إلى تعميق الشرخ الطائفي في المنطقة، وفق الباحث المختص في الشأن الإيراني، محمد الزغول.

يتابع الزغول في سياق تصريحاته لـ “الحل نت” أن إيران كانت تواجه مشكلات حقيقية في تثبيت “النظام السوري” حيث فكّرت في نقل المعركة مع جماعات السلفية الجهادية من سوريا إلى العراق، إذ يمكنها هناك حسم الصراع لصالحها في سوريا والعراق معاً وذلك لاعتبارات كثيرة؛ ففي العراق يمكن الحصول على دعم وغطاء دوليَين لمحاربة هذه التنظيمات وهو أمرٌ لم يكن متوافر آنذاك في سوريا وفي حال تم سحب جزء كبير من المقاتلين في سوريا إلى العراق سيخفف ذلك من الضغط على جبهة الحكومة السورية ويوفر فرصة للقضاء عليها بإجماع وتأييد دولي.

وكان العراق أكثر قدرة على تحمّل فاتورة هذه الحرب فهو يتمتع بميزانية ضخمة ولا قيود على صادراته النفطية، بينما الاقتصاد الإيراني يعاني الاستنزاف والاقتصاد السوري مُنهار، وكانت في العراق ميليشيات شيعية كثيرة على درجة عالية من الكفاءة القتالية والتدريب والانضباط ومتحفّزة للدخول في هذه الحرب بينما كانت القوات السورية مرهقة وبدت معنوياتها في تراجع كبير لعدم وجود أُفق لحسم عسكري أو حل سياسي، ومن ناحية أخرى تكفّلت المرجعية الدينية في العراق بتأمين الغطاء الشرعي اللازم لتجنيد المتطوعينَ ورفع المعنوية والروح القتالية للمحاربين وأن تؤمن لهم حاضنة اجتماعية قوية.

حصل هناك اختراق إيراني لهذه التنظيمات حيث ظهرت مؤشراته بالدعم اللوجستي الذي تلقّاه عناصرها أثناء انتقالهم من أفغانستان إلى العراق واستضافة وتأمين أُسر قيادات “القاعدة” في إيران وعقد التفاهمات السياسية المتقدمة مع حركة “طالبان”.

ورغم الفجوة المذهبية العميقة بين إيران وتنظيمي “القاعدة” و “داعش”، بيد  أن الأولى كانت قد استغلت الوجود الأميركي في كلٍّ من العراق وأفغانستان جيداً لبناء خطوط اتصال وعقد تفاهمات بينها وبين هذين التنظيمين بهدف إبعاد خطرها عن إيران من جهة وتوظيفها بشكل مباشر أو غير مباشر في تحقيق أهداف “الثورة الإيرانية” أمنياً وسياسياً.

وبالفعل حصل هناك اختراق إيراني لهذه التنظيمات حيث ظهرت مؤشراته بالدعم اللوجستي الذي تلقّاه عناصرها أثناء انتقالهم من أفغانستان إلى العراق واستضافة وتأمين أُسر قيادات “القاعدة” في إيران وعقد التفاهمات السياسية المتقدمة مع حركة “طالبان”، وقد ظهرت تقارير دولية عدّة تثبت وصول الأسلحة الإيرانية بشكل مضّطرد إلى التنظيمات الجهادية العراقية أثناء محاربة الولايات المتحدة، وفي هذه الأثناء سعت الدبلوماسية الإيرانية إلى توظيف تحرك “داعش” بالعراق في توجيه ضربة للسعودية ودول الخليج العربية، وإيجاد توتر في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة من خلال توجيه الاتهامات برعاية التطرف للسعودية ودول الخليج وذلك تمهيداً لعرض خدماتها كشريك في محاربة الإرهاب وراعيةً لمصالح القوى الدولية في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات