في لحظة تاريخية حيوية، تقترب إيران من مفترق طرق يمتزج فيها الدّين بالسياسة، ويتلاحم الحاضن الثقافي بالمشهد السياسي، فتتسارع الأحداث نحو قمّة السلطة السياسية في البلاد. “حرب الجنرالات”، كما أَطلقت عليها بعض وسائل الإعلام، تعود إلى الواجهة مع اقتراب انتخابات مجلس الخبراء الإيراني، حيث يتصارع الجنرالات ورجال الدّين في ساحة المعركة السياسية على كرسي المرشد الأعلى.

في غمرة التكهنات والتساؤلات، يتساءل العديد من المراقبين: هل سيبقى علي جواد حسيني خامنئي على عرش السلطة الدينية، أم سيتم انتخاب وجه جديد، وما هي الأسرار والتفاصيل الخفية التي تحكم هذا الصراع الداخلي على رأس الهرم الإيراني؟

بينما يترقب العالم الخارجي هذه التحولات، يخوض الفقهاء ورجال الدين الإسلاميين المؤهّلينَ في إيران نقاشات ساخنة وحامية وراء الأبواب المغلقة، حيث يبدو أن مستقبل البلاد يتوقف على خياراتهم وقراراتهم. 

سباق الحشد

في غضون أشهر قليلة، سيصوّت الإيرانيون لانتخاب لمجلس الخبراء المؤلف من 88 من الفقهاء ورجال الدين الإسلاميين المؤهّلينَ، والذين، بناءً على الدستور، مسؤولون عن تعيين المرشد الأعلى والإشراف عليه وإقالته باعتباره أقوى سلطة سياسية ودينية في إيران.

يرتدي المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قناع وجه بسبب وباء كوفيد 19 ، وهو يقف بعد الإدلاء بصوته في 18 يونيو 2021 ، في يوم الانتخابات الرئاسية. (تصوير ماجد سعيدي/ غيتي)

لقد بدأ السباق على استبدال خامنئي بالفعل وهو ساخن للغاية، وكل ما يراه المسؤولون الإيرانيون في البلاد خلال العامين الماضيين وما بعده، يجب تحليله في سياق الصراع والاقتتال على كرسي خامنئي.

بحسب تقارير إعلامية، فقد سجّل 510 أشخاص أسماءهم للانتخابات التي تجري كل ثماني سنوات، ومن المقرر أن تجرى في الأول من آذار/مارس 2024، إذ شارك نحو 52 بالمئة من المرشحينَ في انتخابات مجلس الخبراء السابقة، والبقية هم مرشّحون لأول مرة.

في عام 2014، حذّر خامنئي السلطات الإيرانية من “التأثيرات في مراكز صنع القرار” في البلاد، وقال عن معارضيه: “إنهم ينتظرون أن تنام الأمة والنظام السياسي، وفي غضون 10 سنوات، عندما أكون قد فارقت الحياة، على سبيل المثال، سيحقّقون أهدافهم”.

إن حساسية خامنئي ومحاولته إبقاء المجلس ضمن دوائره الخاصة دفعت مجلس صيانة الدستور، المكلّف بفحص المرشحينَ، إلى استبعاد عدد كبير من المرشحينَ، بما في ذلك الشخصيات البارزة.

الجدير بالذكر أن أعضاء مجلس صيانة الدستور هم أنفسهم يتم اختيارهم بشكل مباشر وغير مباشر من قِبل خامنئي نفسه، فعلى سبيل المثال، مُنع حسن الخميني، حفيد مؤسس إيران، آية الله روح الله الخميني، من السباق في عام 2016.

جاء هذا المنع لدعم حسن الخميني، المرشحينَ الإصلاحيينَ في انتخابات مختلفة كونه رجل دين معتدل رفيع المستوى وله علاقات وثيقة بالاصلاحيينَ.

المعسكر الإصلاحي وبحسب موقع “ميدل إيست”، كشف أن الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تولى السلطة مرتين، والذي كان أيضا عضوا في مجلس الخبراء، كان يخطط لطرح الخميني والتمهيد له لخوض السباق ليحل محل خامنئي في حالة وفاته، لكن المجلس رفض الخميني وأحبط خطط رفسنجاني.

الزعيم القادم لبناني!

من بين المرشحين الذين يخوضون السباق الرئيس الإصلاحي السابق حسن روحاني، والرئيس الأصولي الحالي إبراهيم رئيسي، وكلاهما يسعى لولاية ثالثة في المجلس.

مجتبى خامنئي مرشح لخلافه والده كمرشد أعلى في إيران – إنترنت

ومع ذلك، وعلى عكس روحاني الذي يترشح في طهران، فمن غير الواضح ما إذا كان رئيسي سيترشح أيضاً في العاصمة، حيث يتمتع بشعبية منخفضة، ومع عدم خوض الرئيس الحالي للمجلس، أحمد جنتي، البالغ من العمر 97 عاماً، السباق، تبرز بعض الأسماء كمنافسينَ محتملين، بما في ذلك رئيسي؛ وإمام صلاة الجمعة في طهران أحمد خاتمي؛ والمسؤول الحوزوي الكبير أحمد عرفي؛ وإمام صلاة الجمعة في قم هاشم حسيني بوشهري.

مؤخراً، قال آية الله محسن أراكي، عضو مجلس الخبراء، إنه يكاد يكون من المستحيل أن ينتخب المجلس شخصاً غير إيراني لرئاسة المجلس، حيث جاءت تعليقاته بعد شائعات اجتاحت الأوساط السياسية الإيرانية حول احتمال انتخاب شخص غير إيراني، ربما رئيس جماعة “حزب الله” اللبنانية، حسن نصرالله، كزعيم.

ومع ذلك، فإن الخيار الأكثر واقعية هو نجل خامنئي نفسه، مجتبى خامنئي، الذي كان نشطاً للغاية من وراء الكواليس في السياسة الإيرانية. وفي الوقت نفسه، يعتقد الكثيرون أن رئيسي هو خليفة محتمل لخامنئي، على الرغم من أن البعض في إيران يعتقدون على ما يبدو أن الرئيس الحالي ليس لديه فرصة كبيرة.

هل تنقسم الدولة؟

بحسب حديث الخبير في الشؤون الإيرانية، بيير بهلوي، لـ”الحل نت”، فإن تكتيكات رئيسي تشير إلى أنه يعتمد على الخيار المشترك بقدر ما يعتمد على الإكراه، حيث يركز العديد من النُّخب في البلاد الآن على تجنّب المزيد من القمع أو السعي إلى الحفاظ على علاقات المحسوبية التي تمنحهم الوصول إلى ريع الدولة ومواردها. 

مروحية تابعة للشرطة الإيرانية تمر فوق صور المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي (على اليمين) وآية الله الخميني. ولا يزال الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، يحظى باحترام العديد من الإيرانيين، وصورته معلقة في جميع أنحاء البلاد. (تصوير جون مور / غيتي)

فالحركة الإصلاحية ضعيفة للغاية بعد الانتخابات الرئاسية والفشل الملحوظ لرئاسة روحاني. ومع ذلك، يعلم رئيسي أنه سيحتاج إلى تجاوز المعسكر المتشدد لمعالجة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تواجهها البلاد.

والواقع وفقا لبهلوي، أنه إذا انتصار رئيسي لن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى إنهاء السياسة المثيرة للجدل في إيران. وبدلا من ذلك، سيكون هناك تغيرات دورية أخرى في المشهد السياسي في البلاد والتي حدثت منذ تأسيس البلاد في عام 1979.

خلال العقود الثلاثة التي قضاها في منصب المرشد الأعلى، أدار آية الله علي خامنئي، العملية من خلال قصر المنافسة على المرشحينَ الملتزمين بالمثل الثيوقراطية للبلاد والموالين له شخصيا. 

لذلك، فإنه حاليا يقوم بتهميش بعض الأحزاب السياسية الإصلاحية، وفي الوقت ذاته يحاول زيادة احتمالات أن يكون خليفته متشدد مثله، وهنا الحديث قطعيا عن ابنه الثاني، مجتبى.

وفي الوقت الحالي، لا يوجد سوى مرشحَين محتملَين لخلافة إيران، رئيسي، الذي فقد شعبيته بسبب أدائه الضعيف كرئيس، والابن الثاني لخامنئي، مجتبى. وهنا جبهة المقاومة هي من أشد المؤيدين لمجتبى خامنئي، وانتصاراتها الأخيرة في فرض تغييرات على حكومة رئيسي هي نتيجة سنوات من التخطيط الدقيق. 

تم انتخاب مجلس الخبراء الحالي في عام 2016، ويسيطر المتشددون على 50 مقعدا وتحتفظ الشخصيات الأكثر اعتدالا بالباقي. ومع ذلك، تتطلب قرارات الجمعية أغلبية الثُلثين، لذا يحتاج اليمينيون إلى تسعة مقاعد أخرى لضمان السلطة. 

من الناحية النظرية، إذا نجح مجتبى في الوصول إلى المنصب الأعلى، فسوف يحتاج إلى تسلسل هرمي داعم بالكامل وموحّد لضمان الانتقال السّلس. والسيناريو الأفضل بالنسبة له هو أن يكون هناك صوت واحد فقط يأتي من جميع مؤسسات النظام، بما في ذلك الكيانات الأمنية والهيئات الثلاث المنتخبة – البرلمان، ومجلس الخبراء، والسلطة التنفيذية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات