تزايدت في إيران خلال العقود الماضية الاتجار بالبشر وخاصة النساء والفتيات والأطفال، فقد تم الكشف عن عدد غير مسبوق من شبكات الدعارة والاتجار الدولية، وهذه الزيادة مُلفتة للنظر بشكل خاص بالنسبة لبلد أسّسه وحكمه الأصوليون الدينيون بقيادة “الحرس الثوري” الذين جعلوا من تجارةٍ في الأجساد أحد أركان دولتهم.

إيران تقع في موقع استراتيجي، مما يجعلها ممرّاً مرغوباً للمتاجرين بالبشر، إذ تجاور البلاد 10 دول: سبع منها تشترك في الحدود البرية مع إيران (باكستان وأفغانستان وتركمانستان وأرمينيا وأذربيجان والعراق وتركيا)؛ أما الدول الثلاث الأخرى (عمان وقطر والكويت) فيفصل بينها الخليج العربي أو خليج عمان.

وزارة الخارجية الأميركية قالت في وقت سابق، إن بيلاروسيا وإيران وروسيا وتركمانستان، لا تزال من بين أسوأ الدول المرتكبة للاتجار بالبشر والعمل القسري. حيث يحدث الاتجار بالبشر عندما يتم خداع شخص ما أو احتجازه أو إكراهه على استغلاله لتحقيق مكاسب أو أرباح خاصة لشخص آخر. وهذه جريمة ويمكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة، مثل: الاستغلال الجنسي، السخرة، العبودية المنزلية، العبودية أو الممارسات المماثلة، العنف القائم على النوع الاجتماعي، التسوّل القسري أو الإجرام.

طهران مدينة الدعارة النسائية

يُعد الاتجار بالنساء والفتيات الإيرانيات من بين القضايا التي يتم فيها تجاهل الحقوق الأساسية للمرأة، وفي أخبار الاتجار بالبشر في إيران، تم تهريب معظم ضحايا الاتجار بالنساء إلى بلدان أخرى عبر المحافظات: هرمزكان وسيستان وبلوشستان وخوزستان. 

الصندوق الأسود.. أسرار الحرس الثوري الإيراني بتجارة البشر (2)
صورة مضاءة من الخلف لصورة ظلية لامرأة تضغط يديها على نافذة زجاجية. الصورة الظلية مشوهة، والأذرع ممدودة، الصورة مشؤومة وتنذر بالخطر، وفيها عنصر من الرعب. يبدو الأمر كما لو أن “المرأة” تحاول الهروب من خلف الزجاج. (غيتي)

بعض التقديرات تشير إلى أن هناك زيادة بنسبة 600 بالمئة بالاتجار بالبشر في السنوات الأخيرة. فقد انخفض متوسط سنّ ممارسة الدعارة إلى 16 عام، ويتم بيع فتيات لا تتجاوز أعمارهن 10 سنوات. ونظراً للحكم الديني الشمولي الذي يحكم إيران، فإن معظم الأنشطة المنظّمة معروفة للسلطات. 

وقد أظهر الكشف عن شبكات الاتجار في إيران، أن العديد من رجال الدين والمسؤولين متورطين في الاستغلال الجنسي والاعتداء والاتجار بالنساء والفتيات إلى بلدان أخرى وأبرزهم محمد رضا أنصاري، أحد قادة “الحرس الثوري” الإيراني، هو المخطط الرئيسي. وتبلّغ النساء عن أشكال مختلفة من الاستغلال الجنسي على أيدي المسؤولين، مثل أنه يجب على المرأة ممارسة الجنس مع القاضي حتى يوافق على الطلاق. 

وتقول نساءٌ أخريات تم القبض عليهن بتهمة الدعارة، أنه يجب عليهن ممارسة الجنس مع الضابط الذي قام بالاعتقال. فيما يقوم “الحرس الثوري” الإيراني أيضاً بتجنيد الشابات لممارسة الجنس مع رجال الدّين الأثرياء والأقوياء.

ويُشار إلى الفقر والبطالة على أنهما السبب وراء تحوّل النساء البالغات إلى الدعارة لدعم أُسرهن. حيث كانت هناك زيادة بنسبة 635 بالمئة بالدعارة بين طلاب المدارس الثانوية. ويذكر الباحث المختص في الشؤون الإيرانية، محمد عبادي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن الدعارة أصبحت ظاهرة متفشية في طهران.

يوجد 10 آلاف داعرة في طهران وحدها، في حين يذهب البعض أن الرقم الحقيقي هو ضعف هذا الرقم، إلا أن الخطورة الحقيقية تكمن في أن 35 بالمئة ممن يمارسن الدعارة متزوجات مما يعني أن هذا السلوك تحوّل إلى وسيلة لكسب العيش والتجارة، وفق عبادي.

مؤسسة “إف داب” الإيرانية

ملايين النساء والأطفال الإيرانيين يعانون من البطالة، ولا يحصلون على التعليم، ويفتقرون إلى الدعم الاجتماعي. فهؤلاء الأشخاص هم الأكثر عرضة لخطر الاتجار بالبشر في إيران. هذا بالإضافة إلى التدهور المستمر للاقتصاد الإيراني، فضلاً عن التدهور البيئي الخطير والمستمر في البلاد، الذي أدى إلى تفاقم مشكلة الاتجار بالبشر في إيران بشكل كبير، لا سيما بالنسبة للمجتمعات الضعيفة والمهمّشة مثل الأقليات العِرقية، واللاجئين والمهاجرين، والنساء والأطفال.

المتعة والاستغلال الجنسي

تقع العديد من الفتيات الإيرانيات ضحايا الاتجار الداخلي؛ حيث يتم تجنيد الفتيات من المناطق الريفية ونقلهنّ إلى المدن الكبرى، مثل طهران، لممارسة الدعارة. وتشير التقارير إلى أن العديد من الأيتام الذين تُركوا بعد زلزال في 2003، قد تم اختطافهم وبيعهم من قبل المتجرين لرجال كبار السّن الأثرياء في الأسواق السوداء أو تم إرسالهم إلى الخارج. 

صورة لامرأة إيرانية تحمل لافتة كتب عليها “لست للبيع”. (غيتي)

ويتم بيع الفتيات في مقاطعة خراسان شمال شرقي إيران للرجال الباكستانيين كعبيد جنس. ويواصل النظام الإيراني نمطه المستمر منذ سنوات في انتهاك حقوق ضحايا الاتجار بالجنس. ولم يقم المسؤولون الحكوميون بأي محاولات لتقليل الطلب على الخدمات الجنسية، أو زواج الأطفال، أو الاعتداء الجنسي على الأطفال.

صحف إيرانية ذكرت أن الرجال الباكستانيين المرتبطين بـ”الحرس الثوري”، يتزوجون فتيات تتراوح أعمارهن بين 12 و20 عام، ثم يبيعوهن لبيوت دعارة تسمي “الخرابات” في باكستان. وتقوم الجماعات الإجرامية المنظمة باختطاف أو شراء الأطفال الإيرانيين والمهاجرين وإجبارهم على العمل كمتسوّلين. 

علاوة على ذلك، تفيد التقارير أن حالات الزواج المؤقت لغرض الاستغلال الجنسي التجاري، والتي تستمر من ساعة إلى أسبوع، آخذة في الارتفاع. وهو شكل من أشكال الزواج عند الإيرانيين معروف باسم “زواج المتعة “ولعل تلك الحالة تتفق مع ما ذهبت إليه الخارجية الأميركية في تقريرها لعام 2019 : إن “حكومة إيران لا تلبي بشكل كامل الحد الأدنى من معايير القضاء على الاتجار بالبشر ولا تبذل جهوداً كبيرة للقيام بذلك”.

تواطؤ مع عصابات الاتجار بالبشر

تثبت التقارير الصحفية والحقوقية، أنه يتم تنظيم الاتجار بالنساء والفتيات الإيرانيات خارج إيران، عبر مؤسسات حكومية إيرانية مختلفة، بما في ذلك “الحرس الثوري”. ففي عام 2008، ألقى حسن عباسي، وهو استراتيجي إيراني متشدد، خطاباً عاماً كشف فيه عن الاتجار بالنساء الإيرانيات إلى خارج البلاد بما فيها دول عربية ينشط فيها “الثوري”. 

الصندوق الأسود.. أسرار الحرس الثوري الإيراني بتجارة البشر (4)
تم نقل مجموعة من النساء الأجنبيات، خلال حملة ضد الدعارة والاتجار بالبشر تشمل النساء والقاصرين في 9 نوفمبر 2018. (تصوير ماداري توهلالا / وكالة الصحافة الفرنسية)

وأدان عباسي جميع المسؤولين ومؤسسات الدولة ذات الصلة – رئيس الجمهورية، ووزير الإعلام، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، والحرس الثوري، والباسيج، ورئيس السلطة القضائية، وقائد قوات أمن الدولة، ورئيس بلدية طهران – لفشلهم في مواجهة هذه القضية، وعدم محاسبتهم، وعدم الاهتمام، وعدم منع مأساة تهريب النساء والفتيات الإيرانيات؛ قائلا: “لقد وصل وضع نظامنا الإسلامي إلى درجة أن الفتيات الشيعيات يتم بيعهنّ بالمزاد العلني”. 

لا يتخذ النظام الإيراني أي إجراء مهم أو فعّال لمكافحة الاتجار بالبشر. ويسهّل هذا النظام عمليات عصابات الاتجار بالبشر، لأنه يجني أرباحاً هائلة من الاستعباد الجنسي، سواء في الداخل أو الخارج

المنظمات الإجرامية، التي ترتبط أحياناً سياسياً، تلعب دوراً مهماً في الاتجار بالبشر من وإلى إيران، خاصة عبر الحدود مع أفغانستان وباكستان فيما يتعلق بتهريب المهاجرين والمخدرات والأسلحة. وهناك ما يقرب من مليون أفغاني يعيشون في إيران، بعضهم كلاجئين والبعض الآخر كمهاجرين اقتصاديين، وهم عرضة لظروف الاتجار بالبشر. 

الحكومة الإيرانية لم تشارك المعلومات حول جهودها في مكافحة الإتجار بالبشر مع المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن المعلومات المتاحة للعامة من المنظمات غير الحكومية، والصحافة، والمنظمات الدولية، والحكومات الأخرى تدعم نتيجتين أساسيتين: أولا، أن الاتجار داخل إيران وإليها ومنها واسع النطاق؛ وثانياً، استجابة السلطات ليست كافية لمعاقبة الجُناة، وحماية الضحايا، والقضاء على الاتجار بالبشر. 

وفي الواقع، فإن بعض جوانب القانون والسياسة الإيرانية تعيق الجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر. بل إن المسؤولين الحكوميين متواطئون بشكل واضح أيضاً في هذه المسألة. بالإضافة إلى ذلك، تشير وزارة الخارجية إلى فشل الحكومة في “التّعرف على ضحايا الاتجار بالبشر وحمايتهم، وبشكل عام معاملة ضحايا الاتجار كمجرمين”.

طهران تستخدم ضحايا الاتجار في حروبها

يجني المتاجرون بالبشر في إيران الأموال من خلال البيع غير القانوني للأعضاء البشرية. ويتم حصاد الأعضاء ثم بيعها في السوق السوداء للأشخاص الذين يحتاجون إلى زراعة الأعضاء. وتستهدف هذه الأعضاء الأشخاص المحتاجين مالياً الذين يبيعون أعضاءهم طوعاً، في أغلب الأحيان الأطفال الذين يختطفهم المتاجرون بالبشر ويتم تشويههم من أجل الحصول على أعضائهم. 

أظهر الكشف عن شبكات الاتجار في إيران أن العديد من رجال الدين والمسؤولين متورطين في الاستغلال الجنسي والاعتداء والاتجار بالنساء والفتيات إلى بلدان أخرى – إنترنت

كما تجبر الحكومة الإيرانية الرجال البالغين والصبية الصغار على الانضمام والقتال في الميليشيات المتمركزة ليس فقط في إيران ولكن أيضاً في دول أخرى، أبرزها أفغانستان واليمن وسوريا. والعديد من هؤلاء الأفراد، وبعضهم “أولاد لا تتجاوز أعمارهم 13 عاماً”، ليسوا حتى إيرانيين – فالحكومة الإيرانية تستغل المهاجرين غير الشرعيين وغالباً ما تتاجر بأفراد من دول أجنبية أيضاً- وبالإضافة إلى ذلك، تقوم الحكومة الإيرانية بتمويل الميليشيات وتدريب الجنود الأطفال على القتال. 

في هذا الصدد يقول الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، محمود حمدي أبو القاسم، لـ “الحل نت”، إنه بعد الاحتجاجات السورية عام 2011 اتجه “فيلق القدس” لآلية أخرى وهي تشكيل مليشيات من اللاجئين الأفغان في إيران أو من الشيعة من جنسيات أخرى، مقابل أموال تدفع لهم كـ “لواء فاطميون” و”زينبيون”.

ويمكن أن يطلق على بعض مكونات هذه التشكيلات مرتزقة وبعضهم انضموا ببواعث عقدية تحت شعارات حماية المقدسات والعتبات، ومهما كان لا يمكن تجاهل وجود شبهات اتجار بشر ضمن عمليات التجنيد مارستها إيران لتعويض النقص في القوات في ساحات المواجهة لا سيما في سوريا، خصوصا في ظل الضغوط التي يواجهها اللاجئين الأفغان في إيران.

ففي السنوات الأخيرة، وفي ظل حرارة الحروب الأهلية في الشرق الأوسط، ظهرت ظاهرة جديدة في إيران: الاتجار بالبشر للأجانب الذين لجأوا إلى إيران للفرار من مناطق القتال في العراق وسوريا.

ومنذ بداية الحرب مع “داعش” في سوريا، شكّل “الحرس الثوري” وحدات ميليشيا مختلفة تتألف من مقاتلين أجانب تحت قيادته. “وحدة الفاطميون” (المقاتلون الأفغان)، و”وحدة الزينبيون” (المقاتلون الباكستانيون) هما من الوحدات الرئيسية عُرفت باسم “المدافعين عن الدين”، وأعلنت إيران مقتلهم على يد المعارضة السورية المسلحة. 

بدعم من إيران، تم أيضاً تشكيل وحدات شيعية عراقية مختلفة، تتألف بشكل أساسي من اللاجئين العراقيين في إيران. وأبرز مثال على ذلك هو “جيش بدر”، ولا توجد تقارير رسمية عن عدد هذه القوات المشاركة في معارك إقليمية، لكن في مراحل مختلفة من الحرب في سوريا، وردت تقارير تشير إلى وجود أكثر من 2500 مقاتل أفغاني في وحدة “فاطميون” وحدها. 

وقد طلب بعض هؤلاء المقاتلين اللجوء في الدول الغربية وتمكنوا من الفرار من معسكرات “الحرس الثوري”، وأخبروا الصحفيين أن المسؤولين الإيرانيين شجعوهم، أو حتى أرهبوهم، على الانضمام إلى الحرب مع وعود مثل الجنسية الإيرانية لهم أو لأفراد أسرهم الآخرين. 

إيران من جهتها تنفي مثل هذه الأنباء، وتدّعي أن تواجدها العسكري في العراق وسوريا، يأتي بناءً على طلبات مسؤولي هذه الدول، وأن وجودهم مشروع تماما. ومع ذلك، فإن نقل الأشخاص بالقوة أو الإكراه أو الخداع يُعتبر اتجاراً بالبشر، وهو أمر جديد نسبياً، ويعترف القانون الدولي بهذه الأنشطة باعتبارها جرائم.

وأخيراً، فإن القانون الذي صدر في طهران عام 2004، لم يكن إلا مجرد شكل فارغ دون محتوى فهو محاولة لسد فجوات قانونية، وحتى تكون إيران ضمن الدول التي تكافح الاتجار بالبشر على مستوى الكلمات وحسب، فالقانون في جوهره جاء في حالة من الافتقار إلى المعلومات الكاملة والوافرة، ولا يتمتع بالشمولية اللازمة، بحيث يصمت في العديد من المجالات ولذلك لوجود مشاكل بسبب عدم وجود تاريخ تشريعي إيراني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات