منذ وقت قريب، بدأت المملكة الأردنية في مرحلة حاسمة لمواجهة التحديات الخطيرة المتمثلة في تنامي نشاط عصابات تهريب المخدرات، والتي يُشتبه في دعمها من قِبَل ميليشيات إيرانية، إضافةً إلى وحدات عسكرية تنتمي للحكومة السورية، وأخرى تتبع لماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد. 

جاء هذا التّحول بعد تكبّدت القوات المسلحة الأردنية سلسلة من الهجمات المتزامنة من قبل المهرّبينَ، الذين استغلوا الطقس وسُترّوا بالسلاح، حيث تعرضت إحدى هذه العمليات لإطلاق نار من الخلف داخل الأراضي الأردنية، ولكن تمكنت القوات العسكرية من صد المهاجمين بنجاح.

ومع وجود معلومات غير مؤكدة بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، عن تورّط رجال أعمال أردنيين ومحسوبين على الطبقات السياسية بهذه العمليات، أعلن رئيس هيئة الأركان الأردني، اللواء يوسف الحنيطي، الأسبوع الماضي، تعزيز منظومة حرس الحدود الإلكترونية، ووضع الخطط والموارد اللازمة لبناء سياج إلكتروني يمنع كل أشكال التسلل والتهريب، وهنا يُثار التساؤل: هل استشعر الأردن خطرا من دمشق، وكيف باتت الأخيرة اليد الخفية لسقوط المملكة بيد إيران؟

الأردن: داخل رقعة الشطرنج

الأردن، المملكة الصغيرة ولكن ذات الموقع الاستراتيجي في بلاد الشام، تُعتبر منذ فترة طويلة حليفاً معتدلاً ومستقراً للغرب. لكن، في السنوات الأخيرة، واجه الأردن تهديدات وتحديات متزايدة من جيرانه، وخاصة من إيران ووكلائها، الذين قاموا بتوسيع وتعزيز وجودهم ونفوذهم في المنطقة، والذين كانوا يسعون إلى تقويض وزعزعة استقرار الأردن ومصالحه.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يسار) يلتقي بالرئيس السوري بشار الأسد في الرياض، المملكة العربية السعودية في 11 نوفمبر 2023. (تصوير الرئاسة الإيرانية /غيتي)

ومن بيروت إلى حلب وبغداد، تضع إيران بيادقها في كلّ مربع من رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط، حيث أنشأ “الحرس الثوري” الإيراني، شبكة من القوات الوكيلة التي تشكّل “الهلال الشيعي”، الذي يسيطر فعلياً على لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة وبعض المدن في الضفة الغربية.

لكن النظام الإيراني يبدو أنه لن يبقى راضياً عن معاقله العسكرية والسياسية الحالية، وقد بدأ بالفعل في استهداف آخر ممثّل عربي مستقل في بلاد الشام؛ الأردن. 

بحسب تسريبات حصل عليها “الحل نت”، كشفت تفاصيل المخطط الإيراني والدور السوري، حيث بيّنت أن إيران تستخدم سوريا كقاعدة وممر لعملياتها وأنشطتها ضد الأردن، وتستغل الحرب الأهلية السورية وتبعية حكومة دمشق وتحالفها مع طهران لتحقيق أجندتها وأهدافها في المنطقة.

طبقا لما حصل عليه “الحل نت” من مصدر دبلوماسي في الحكومة السورية، فإن وفداً سياسياً من دولة خليجية نقل لوزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، مخاوف المملكة الأردنية، والتي حصلت على معلومات تفيد بأن إيران تضطلع بإرسال ودعم مجموعات وميليشيات مسلحة مختلفة، مثل “حزب الله” ولواء “فاطميون” و”الحشد الشعبي”، للعمل والتسلّل في المناطق الحدودية بين سوريا والأردن.

ومهمة هذه المجموعات القيام بهجمات وعمليات ضد الأمن الأردني والقوات المسلحة السورية، فضلا عن قيام طهران بتهريب ونقل الأسلحة والمعدات، كالصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة والمتفجرات، إلى هذه الجماعات والميليشيات، عبر الأراضي السورية والمعابر الحدودية الخاضعة للسيطرة السورية

كما تقوم إيران بحسب المعلومات المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية الأردنية، بتوفير التدريب والتوجيه لهذه الجماعات والميليشيات، حول كيفية استخدام وتوظيف هذه الأسلحة والمعدات ضد الأهداف والأصول الأردنية.

دولة وكيلة لإيران

وفقا للمسؤول السوري، فإنه لا يستبعد أن تقوم إيران بتجنيد بعض اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين الأردنيين، وخاصة من الفلسطينيين والمجتمعات البدوية، الذين يعيشون في المخيمات والبلدات القريبة من الحدود السورية، والذين يعانون من ضائقة اقتصادية. 

تسريبات كيف باتت دمشق اليد الخفية لسقوط الأردن بيد إيران؟ (4)
استقبل وفد الحكومة السورية رسميًا وفد الحكومة الإيرانية في القصر الرئاسي السوري في 03 مايو 2023 في دمشق، سوريا. (متين قاسمي/ غيتي)

طبقا للمعلومات التي حصل عليها “الحل نت”، فإن إيران قدّمت لبعض الأشخاص داخل الأردن المال والخدمات والأيديولوجية لتعبئة خلايا وشبكات من هؤلاء المجندين، وتقوم بتلقينهم الرؤية والعقيدة الإيرانية، مثل الثورة الإسلامية، و”محور المقاومة”، وقضية المهدي الذي سيحرر فلسطين، وترجم هذا على منصة “تيك توك”، من خلال توظيف أردنيين يدعمون الرؤية الإيرانية. 

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي الأردني، هاني السرحان، أن إيران تستغل وتتلاعب بالتوترات والنزاعات السياسية والدبلوماسية بين الأردن و حلفائها وشركائها، كما حاولت سابقا إغراء عمّان وإقناعها بالانضمام والتعاون مع المعسكر والمحور الإيراني، والتخلي عن المعسكر والمحور الغربي ومعارضته، من خلال تقديم ووعد الأردن بحوافز ومزايا اقتصادية وسياسية، مثل التجارة، الاستثمار والطاقة والوساطة.

طبقا لما نقله الوفد الخليجي، فإن عمّان ترى أن حكومة دمشق لعبت دوراً حاسماً ومحورياً في تسهيل وتمكين المخطط الإيراني، والدور السوري سيكون بمثابة اليد الخفية وراء إسقاط الأردن في يد إيران.

دمشق اليد الخفية

الباحث والمختص بالشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، يلفت إلى أن سوريا تسمح وتستضيف القوات الإيرانية والمجموعات والميليشيات المدعومة من إيران، والتي تعمل وتتسلل إلى المناطق الحدودية بين سوريا والأردن، وتنفذ هجمات وعمليات وتلتحم مع قوات الأمن الأردنية والجيش الأردني. 

كوب يحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد معروض في سوق الحميدية بدمشق في 20 سبتمبر 2023. (تصوير لؤي بشارة / وكالة الصحافة الفرنسية)

كما تقوم سوريا بحسب حديث معلوف لـ”الحل نت”، بتوفير وتبادل المعلومات الاستخبارية مع هذه القوات والجماعات والميليشيات، حول التحركات والأنشطة الأردنية في المناطق الحدودية، وحول الأهداف والأصول الأردنية في المنطقة.

علاوة على ذلك، تسمح سوريا وتسهّل عمليات تهريب ونقل الأسلحة والمعدات الإيرانية إلى القوات الإيرانية والمجموعات والميليشيات المدعومة من إيران، عبر الأراضي السورية والمعابر الحدودية الخاضعة للسيطرة السورية. كما شاركت سوريا عبر “الفرقة الرابعة” وتتعاون في التدريب والتوجيه الإيراني لهؤلاء القوات المسلحة والمجموعات والميليشيات، حول كيفية استخدام وتوظيف هذه الأسلحة والمعدات ضد الأهداف في الأردن.

طبقا لحديث معلوف، فإن دمشق تدعم وتؤيد التجنيد الإيراني، كما كانت سوريا تساعد وتنسّق مع الإيرانيين في تشكيل وتعبئة خلايا وشبكات، وتوفّر لهم وتغطي الدعم اللوجستي والعملياتي، مثل المنازل الآمنة والنقل والاتصالات.

بتحليل معلوف، فإن المخطط الإيراني والدور السوري يأتيان ضمن الاستراتيجية والأطماع الإيرانية في المنطقة، ويعكسان الدعم والتحالف الإيراني مع الحكومة السورية وحلفائها. 

إن الاحتمال الحقيقي بأن يتحول الأردن إلى دولة وكيلة لإيران يجب أن يكون بمثابة إنذار حقيقي، وحتى لو أغلقت إسرائيل والولايات المتحدة الباب أمام الوكلاء الحاليين مثل “حماس” أو “حزب الله”، فمن الممكن أن يظهر وكلاء جُدد، ما دام النظام الإيراني قائما.

تعزيز وترسيخ الوجود والنفوذ الإيراني في المنطقة من قِبل دمشق، ودعم وحماية المصالح والأصول الإيرانية في المنطقة، مثل الممر البري والشبكة التي تربط إيران بالعراق وسوريا ولبنان والبحر الأبيض المتوسط، والذي يسهل نقل وتسليم الأسلحة والمقاتلين والموارد إلى وكلاء وعملاء إيران في المنطقة يعني أن هناك إعداد وتخطيط وربما بات الأردن في منتصف نيشان البندقية الإيرانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات