تتكالب على المجتمع العراقي العديد من المشكلات الضارية التي تفترس وجوده في كل لحظة سواء من العصب الديني، الصراع العرقي، البطالة، الفساد، الفقر إلى انعدام اقتصادي. 

وبينما حاول المجتمع العراقي مواجهة هذه القائمة الممتدة من المشكلات والعقبات، تطلّ عليه مشكلة أخرى وهي الأكثر دمارا لكل فئات المجتمع العراقي أنها تجارة المخدرات تلك المواد السامة التي تصل إلى العراق عبر حدودها الطويلة مع إيران ومليشياتها. 

ربما لم تتعامل الحكومة العراقية مع خطورة موضوع المخدرات بتلك المسؤولية التي تتطلبها هذه الخطورة، فصحيح يوجد جهاز متخصص لمكافحة المخدرات ويتم إلقاء القبض من الجهاز بين الحين والآخر على أعداد كبيرة من الشباب، ولكن ما يدخل إلى العراق يصل إلى أطنان، فالعراق حدوده مفتوحة للكل ولكن أكثر الحدود التي يدخل منها هي عن طريق إيران وسوريا.

إيران ملكة الإرهاب الأبيض

على الرغم من المحاولات الخارجية لوزارة الداخلية العراقية لمحاربة تجارة المخدرات غير المشروعة، فإن الديناميكيات الداخلية للحكومة العراقية تشير إلى أن تجّار المخدرات المرتبطينَ بإيران ليس لديهم ما يخشونه من وكالات إنفاذ القانون العراقية. 

تحتفظ الكارتلات بوجودها في جميع أنحاء البلاد ولكنها تنشط بشكل خاص عند معبر مندلي الحدودي وأم قصر – إنترنت

وبحسب المحلل السياسي العراقي، فلاح الذهبي، في حديثه مع “الحل نت”، فإن “الحرس الثوري” الإيراني في العراق يمتلك من القوة والسطوة ما يفرضها بنفسه على الحكومة العراقية خلال تجّاره الفرعيين، وأحد أبعاد جرائم “الثوري” الإيراني ضد الشعب العراقي هو دوره في تهريب المخدرات وانتشار الإدمان في العراق.

الأرباح الضخمة من تجارة المخدرات تخدم أغراض “الحرس الثوري” وحكومة طهران، بالإضافة إلى الاستيلاء على ثروات الشعب العراقي والسعي لتحقيق الربح وكسب مبالغ كبيرة من المال فقد كشفت صحيفة “التايمز” الأميركية في مقال، عن الدور المركزي لـ”الحرس الثوري” في تهريب المخدرات في إيران وخارجها. 

وفي وقت سابق، تمكنت السلطات الإيطالية من تحديد شبكة تابعة لـ”فيلق القدس” الإيراني، والذي يدير عدداً من شبكات تهريب المخدرات إلى الاتحاد الأوروبي، وكشفت مصادر أمنية إيطالية أن “هذه الشبكة تضم تسعة عراقيين تابعين لميليشيا الحشد الشعبي العراقي التي يقودها قائد في الحرس الثوري الإيراني يدعى غلام رضا بغباني، الذي قام بتهريب المخدرات عبر العراق وتركيا إلى إيطاليا ومنها إلى أوروبا”.

كما أن تقريراً لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات، يظهر أن “حوالي 40 بالمئة من المخدرات المستوردة إلى إيران تبقى في هذا البلد، والـ 60 بالمئة المتبقية تذهب إلى العراق وتركيا وأذربيجان وأخيرا إلى أوروبا”. 

وجاء في تقرير سرّي للأمم المتحدة نشره موقع “ويكيليكس” نقلا عن تقرير السفارة الأميركية، أن “الحكومة الإيرانية تعتبر أكبر تاجر مخدرات في العالم”. وإيران لها أهدافها من هذه التجارة التي هي أولاً: تجارة المخدرات غير المشروعة هي إحدى الطرق التي تستطيع إيران من خلالها الحفاظ على نفوذها في المنطقة العربية. ثانياً: القضاء على المعارضينَ السياسيين للنظام الإيراني في الخارج، وخلق جوٍّ من الشعور بعدم الأمان النفسي عند المعارضين، وثالثاً: تمويلُ الميليشيات المدعومة من طهران.

الحدود غير الآمنة

يفسر مزيج من التاريخ الحديث والإجراءات الجمركية التي تعود إلى عقود من الزمن؛ افتقار العراق إلى السيطرة على موانئ الدخول إليه. فبعد حملة مكافحة التمرد الدموية التي بدأت في عام 2014 وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، حيث نجحت الحكومة العراقية تدريجياً، بمساعدة القوات الدولية والميليشيات المحلية، في استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي التي استولى عليها تنظيم “داعش”. 

يقوم الضباط عراقيون بوضع المخدرات في حفرة في الرمال، ثم يسكبون عليها الوقود ثم يشعلون فيها النار. (صباح عرار / وكالة الصحافة الفرنسية)

ومع ذلك، استغلت الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل قوات “الحشد الشعبي” ومجموعاتها الفرعية العديدة، الفوضى لتعزيز سلطتها في جميع أنحاء العراق، وبمساعدة “الحرس الثوري” الإيراني، على طول المعابر الحدودية الخمسة على طول الحدود الإيرانية العراقية.

وفقاً لوكالة “فرانس برس”، تحتفظ الكارتلات بوجودها في جميع أنحاء البلاد ولكنها تنشط بشكل خاص عند معبر مندلي الحدودي وأم قصر، الميناء البحري الرئيسي في العراق ونقطة الدخول الرئيسية للواردات، ويوجد وضع مماثل على طول الحدود مع سوريا وداخل إقليم كردستان شمالي البلاد. 

كان معبر البوكمال-القائم الحدودي العراقي، مغلقًا منذ عام 2011 حتى أيلول/سبتمبر 2019 بسبب النزاع السوري، بمثابة نقطة تهريب رئيسية بين البلدين. وبعد إعادة فتح الحدود، فرضت قوات “الحشد الشعبي” سيطرة غير رسمية وفرضت ضرائب الاستيراد على السلع المشروعة وغير المشروعة، بما في ذلك المخدرات وشحنات النفط

كما تستخدم قوات “الحشد الشعبي” وغيرها من الجهات الفاعلة غير الحكومية مجموعة من الممارسات الإجرامية والاحتيالية للتحايل على بروتوكول حرس الحدود والجمارك.

المخدرات الإيرانية تهدد استقرار العراق

السلطات العراقية تبذل جهودا لضبط الحدود وتنفّذ بانتظام عمليات أمنية ضد الآلاف من تجار المخدرات والمتاجرين بها. وفي آخر عملية، قام جهاز الأمن الوطني العراقي في البصرة في 9 أيار/مايو الماضي بإلقاء القبض على أربعة من تجار المخدرات وضبط 200 ألف حبة “كبتاغون” كانت بحوزتهم.

بارونات الإرهاب الأبيض بالعراق كيف يرتبطون بالنظام الإيراني؟ (2)
لوقف تجارة المخدرات في العراق، يجب كبح جماح الميليشيات التابعة لإيران – إنترنت

وفي 11 نيسان/أبريل الفائت، أحبط أيضاً دخول 20 كغ من مادة “الكريستال ميث” التي تتميز عن غيرها من المواد السامة بسرعة إدمانها، وفي اليوم نفسه، أعلنت عن تفكيك أخطر شبكة مخدرات في محافظة المثنى جنوبي العراق، وهي شبكة تضم 15 عضواً.

مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أكد أن مخدر الكريستال يعتبر الآن المخدر الأخطر والأكثر انتشارا في العراق، محذرا في تقرير صدر في فبراير/شباط من عام 2021 من أنه أصبح يُصنع سرا داخل العراق بعد أن كان يهرب سابقا من إيران.

حسب التقرير، فإن البؤر الرئيسية لانتشار “الكريستال” هي المحافظات الحدودية الجنوبية، مثل البصرة وميسان. 

وفي كانون الأول/ديسمبر 2023، أحرق العراق حوالي ستة أطنان من المخدرات غير المشروعة، بما في ذلك أكوام كبيرة من “الحشيش” و”الكبتاغون” و”الكريستال ميث” و”الكوكايين”، فيما قال المسؤولون إنها أكبر عملية تدمير منذ أكثر من عقد. 

وفي 11 كانون الثاني/يناير الفائت، أعلن المتحدث باسم الجيش العراقي يحيى رسول، أن جهاز المخابرات الوطني العراقي قام بتفكيك شبكة تضم 10 من كبار تجار وتجار المخدرات في بغداد، وفي جنوب شرق العراق، يجري العمل على بناء ساتر ترابي وخندق على طول الحدود مع إيران على طول مجرى نهر شط العرب.

وبدأت أعمال بناء التحصينات الجديدة في يونيو/حزيران الماضي، والتي تهدف إلى قطع طرق تهريب المخدرات التي تستخدمها شبكات التهريب.

قوّات الأمن العراقي ألقت عام 2023 القبض على أكثر من 15 ألف متهم بتجارة وتعاطي المخدّرات، وبلغ عدد المحكومين منهم 8 آلاف تقريباً، وتمّ ضبط 4 أطنان من المواد المخدّرة، و15 طناً من المؤثرات العقلية، وفقاً لوزارة الداخلية العراقية. 

يسلّط الارتفاع في معدل الجرائم المتعلقة بالمخدرات في العراق الضوء على الدور التخريبي و المزعزع للاستقرار الذي يلعبه “الحرس الثوري” الإيراني ووكلائه، الذين يشاركون بشكل كبير في تجارة المخدرات. ويذهب الذهبي إلى القول بأن “انتشار المخدرات في العراق يعود بشكل كبير إلى المستويات المتدنية من الفقر بين الشباب وغياب الوعي، وتصل نسبة الإدمان لدى الشباب لـ 40 بالمئة. 

وبحسب التقارير الرسمية أكثر المدن فيها معدلات مرتفعة من الأدمان هي السماوة، ثم الديوانية، ثم الناصرية؛ فالعراق لم يعد مجرد مكان لاستهلاك هذه السموم، بل أصبح أيضا مكاناً لتهريبها وممرّاً لتهريبها إلى دول أخرى.

بالأسماء.. المليشيات متورطة

يرى مراقبون إن “الحرس الثوري” الإيراني متهم بتوجيه ودعم عمليات التهريب عبر ميليشياته، التي تجني أرباحا ضخمة من تهريب المخدرات التي تستخدمها بعد ذلك لشراء الأسلحة وتمويل أنشطتها. 

بارونات الإرهاب الأبيض بالعراق كيف يرتبطون بالنظام الإيراني؟ (1)
رئيس الوزراء العراقي يخطب حول الحرب المعقدة على المخدرات في المؤتمر الدولي ببغداد – إنترنت

توجد قائمة طويلة تضم أسماء أشخاص من “الحرس الثوري” وكذلك فصائل من المليشيات الإيرانية تقوم بتهريب المخدرات تحت رعاية “الثوري” الإيراني فمثلا نجد، ناجي شريفي زيندشتي، أحد العناصر التابعة للحرس، أصبح اللاعب الأول في سوق المخدرات الإيراني بالتعاون مع قادة “الحرس”.

زيندشتي، يمتلك حوالي 20 بالمئة من تجارة المخدرات الإيرانية، والمخدرات القليلة التي يتم ضبطها أحيانًا، والتي ينتمي بعضها إلى زيندشتي، يتم الكشف عنها بعد صراع مع عصابات مخدرات أخرى داخل “الحرس الثوري” الإيراني. 

ونقلاً عن مصادر في القضاء الإيطالي لم يذكر اسمها، يزعم أن العقل المدبر لعمليات المخدرات غير المشروعة التي يقوم بها “فيلق القدس” هو الجنرال السابق في “فيلق القدس”، غلام رضا بغباني، وقد أدرجته وزارة الخزانة الأميركية باعتباره مهرب مخدرات أجنبيًا خاصًا. 

وبحسب ما ورد فإن أعضاء من “حزب الله” اللبناني و”قوات الحشد الشعبي” العراقية المرتبطة بإيران هم جزء من الشبكة الإجرامية. 

وكالة الاستخبارات الأميركية تمكنت في عام 2011 من التعرف على اثنين من كبار قادة “الحرس الثوري” الإيراني المتورطين بشكل مباشر في تهريب المخدرات، أحدهما هو القيادي عبد الله عراقي، والآخر هو محسن رفيق دوست القائد السابق لـ”الحرس الثوري”. 

كما تم القبض على الحاج حمزة الشمري، زعيم مليشيا عراقية بتهمة تهريب المخدرات، كما أن الشمري متهم بترأس إحدى أكبر شبكات القمار والدعارة القسرية في العراق، وقد اعتقل بعد مداهمات لعدد من الفنادق العراقية الحصرية. 

وأيضاً الجنرال عبدالله آراغي، الذي كان آنذاك قائدَ “فيلقِ محمد رسول الله” في طهران، ذكرت اسمه صحيفة “التايمز” نقلاً عن مسؤول سابقٍ في “الحرسِ الثوري” الإيراني، أنه كان متورطاً مع مافيا المخدّرات في أوروبا الشرقية. 

هذا على مستوى الأشخاص، أما الفصائل، تقول 4 مصادر أمنية مطلعة، إنّه “منذ العام 2016 والسنوات التي تلتها، أصبحت الأنبار مركزاً لدخول أطنان من المخدّرات، فالحشد الشعبي خصوصاً لواء 45 من كتائب حزب الله فرضت سيطرتها على معبر القائم الذي تدخل منه الحبوب المخدّرة وتوزّع على التجار في مدن المحافظة المختلفة”. 

أهمّ الفصائل التي تعمل بالمخدّرات هي “ميليشيات حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب سيد الشهداء، والنجباء”. وتقود الوحدتان (190 و400) من “فيلق القدس” عمليات تهريب سرية للمخدرات إلى العراق عبر الميليشيات المتحالفة. 

وأيضاً “قيادات وسطى في فصائل مسلحة، كفصيل “سرايا الخراساني“، وفصائل صغيرة كـ”الجهاد” و”البناء” و”منتظرون”، هي متهمة بالاستيراد من الجار الشرقي للعراق، وتشير المصادر إلى أنّ منفّذ “الشلامجة” تسيطر عليه قوّة تابعة لـ”منظمة بدر”، وهي تتولى أعمال التهريب المختلفة عبره باتجاه العراق وبالعكس (أي إلى إيران)، ومن ضمن تلك الأعمال إدخال المواد المخدّرة.

وأخيراً، أن بقاء النظام الإيراني في السلطة، يعني أن المنطقة ستظل تعاني من الاضطرابات وعدم الاستقرار والجريمة والإرهاب، ورغم أن الجمهورية الإسلامية تفتقر إلى القدرة العسكرية اللازمة، إلا أنها لا تزال قادرة على إلحاق الأذى من خلال التكتيكات الإرهابية والتهريب، ولهذا السبب تمت معارضة إزالة “الحرس الثوري” الإيراني، من قائمة المنظمات الإرهابية الأميركية، كونه بات أب للإرهاب العالمي، وقائد كارتيلات تجارة المخدرات، والجريمة المنظمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات