يُعتبر العمل بالجنس ظاهرة عالمية، والتي تعني بيع وشراء الخدمات الجنسية مقابل ثمن تم الاتفاق عليه مسبقا. وإذا كانت بعضُ البلد تسمح بالاتجار بالجنس وفق القانون. إلا أنه محظور ويعاقب عليه القانون ظاهرياً في بعض البلدان الأخرى مثل إيران. إلا أن المشاهدة الواقعية تقرّر بأن معدّلات النمو في الاتجار بالجنس في إيران مستمرة في الزيادة بلا هوادة.

رايت ضيف في طهران

أثارت نجمة الأفلام الإباحية الأميركية، ويتني رايت، ردود فعل غاضبة بسفرها إلى إيران  في الأسبوع الماضي وسط حملة القمع التي تشنّها البلاد على حقوق المرأة وحرّياتها. فقد أعربت رايت في وقت سابق عن تضامنها مع الفلسطينيينَ خلال حرب إسرائيل و”حماس” في غزة، إلا أن التضامن لم يمنع عنها النقد أو أنها شخص غير مرغوب فيه في بلد تحكمه المرجعية الإسلامية.

السّر المُظلم في إيران الاتجار بالجنس (1)
امرأة تحتج على قانون الحجاب في يوم الحجاب والعفة الوطني في مشهد، إيران. (غيتي)

ونشرت رايت صوراً على الإنترنت من الفترة التي قضتها في طهران وتضمنت زيارة للسفارة الأميركية حيث تم احتجاز العمال كرهائن لأكثر من عام بعد الثورة الإيرانية عام 1979. ووصفته بأنه مكان “كان عليها زيارته”، وفقاً لوكالة “أسوشيتد برس”. 

يبدو أن رايت سجّلت نفسها في البلاد على الرغم من أن مسيرتها المهنية في مجال الإباحية كان من الممكن أن تجعلها نظرياً عرضة لعقوبة الإعدام. ونقلت وكالة “تسنيم” شبه الرسمية للأنباء عن مسؤول لم تذكر اسمه قوله إن رايت، وهي مواطنة أميركية من مواليد مدينة أوكلاهوما، حصلت على تأشيرة دخول من الحكومة الإيرانية، متعذرا بأنها لم تكن “على علم بطبيعة وظيفتها غير الأخلاقية”.

سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، عن رايت خلال مؤتمر صحفي يوم الاثنين، فقال إنه ليس لديه معلومات عنها. واستشهدت الممثلة الإيرانية، ستارة بسياني، بزيارة رايت لانتقاد الحكومة الإيرانية المتشددة بسبب سياستها الإلزامية المتعلقة بالحجاب، والتي أدت إلى اعتقال مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً ووفاتها. 

وكتبت بسياني على منصة “إنستغرام”: “أنتم تعاقبون الناس في هذا البلد بأساليب مختلفة لخلع الحجاب لكنكم تسمحون لممثلة إباحية بالقدوم إلى هنا من أجل السياحة!”.

شاركت رايت، واسمها الحقيقي بريتني راين ويتينغتون، لقطات على حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الاثنين من عدة مواقع في العاصمة الإيرانية طهران. (إنترنت)

عبد الرضا داوري، المستشار الإعلامي للرئيس المتشدد السابق محمود أحمدي نجاد، هو الآخر كتب على موقع “إكس” (تويتر سابقا): “إسرائيل شر وقذارة مطلقة”. وأضاف: “سنقف إلى جانب أي شخص يحارب ضد إسرائيل، حتى لو كان هذا الشخص هو ميا خليفة، نجمة الأفلام الإباحية السابقة التي مسحت سجّلها من القسوة والفساد من خلال دعم الأمة الفلسطينية المضطهدة علناً ومحاربة الجرائم الصهيونية”.

إن هذه الزيارة غير المرحّب بها من قبل الشعب في طهران أثارت الجدل من جديد حول ملف الاتجار بالجنس في إيران، وبحسب بعض الإيرانيين أكدت هذه الزيادة على الازدواجية التي يعاني منها النظام في طهران، ففي الوقت الذي توجد فيه شرطة الأخلاق في الشوارع للتفتيش في نوايا الشعب دواخله؛ إذ بالنظام يسمح باستقبال القائمين على المواد الإباحية.

تجارة الجنس في إيران

غالبا ما يصاحب المجتمعات ذات المرجعيات الدينية حالات من الانهيار الأخلاقي والانحطاط القيمي والانعدام الاقتصادي الذي يدفع بالأفراد إلى ممارسات غير أخلاقية مثل الاتجار بالجنس. 

بائعة هوى تتحدث مع زبون في الشارع. (إنترنت)

فإيران التي تحكم وقفاً لولاية الفقيه تعجّ بتجارة الجنس. فصحيح أنه لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد العاملين في مجال الجنس في إيران؛ إلا أن البوابة الإلكترونية الناطقة باللغة الفارسية “اهتمام”، في 24 نيسان/أبريل 2021 قدّرت أن هناك “عدة ملايين” من النساء الإيرانيات يعملن في هذه المهنة: في الشوارع، أو من خلال الإعلانات عبر الإنترنت، أو عبر الوكالات. 

قبل عامين، قدّر موقع “روايداد 24” الإخباري، عدد “مراكز التوظيف” في طهران بـ 8000 مركز. وبحسب الموقع، انخفض متوسط ​​عمر النساء من 20 عاما إلى 18 و12 عاما خلال السنوات الثماني الماضية.

نظراً للوضع الاقتصادي البائس في إيران، تشير صحيفة “اقتصاد 24” الإيرانية، إلى أن النساء المتزوجات يقدمن أيضاً خدمات جنسية بشكل متكرر أكثر – بموافقة أزواجهن، كوسيلة لدعم الأسرة. 

منظمات المجتمع المدني السياسة الإيرانية، تحمّل المسؤولية الكاملة عن تجارة الجنس بسبب العقوبات الاقتصادية التي لا تنتهي، وأيضاً توجيه الجزء الأكبر من الاقتصاد الداخلي إلى حروب الخارجية لا تعود بفائدة على الشعب الإيراني مما دفع بالنساء إلى الاتجار بالجنس في أدنى مستويات الأمان. 

في كانون الأول/ديسمبر 2019، ذكرت وكالة أنباء “ركنا” عن نساء يقمن في كهوف الدفن في مقبرة “بهشتي الزهراء” بطهران ويعرضن الجنس مقابل شطيرة فلافل. وكانوا يأخذون العملاء إلى “القبر” ويخدمونهم هناك. 

ومنذ حوالي عام، نشرت صحيفة “ديدار نيوز”، تقارير عن نساءٍ يائسات لدرجة أنهنّ يبعن أجسادهن مقابل 50 ألف أو حتى 20 ألف ريال (أي ما يعادل 16 سنتاً و6 سنتات).  

من وجهة نظر الباحث في الشأن الإيراني، محمد العبادي، في حديثه مع “الحل نت”، فإن ملف الاتجار بالجنس في إيران يحمل مفارقات غريبة؛ ففي الوقت الذي يمكن فرض عقوبة الإعدام على الدعارة في إيران إذا كانت المرأة المعنية متزوجة. وفي مثل هذه الحالات، يجوز أيضاً إعدام العميل. ولكن على الرغم من هذا الخطر، تزدهر تجارة الجنس في شوارع المدن الكبرى في إيران، وخاصة في طهران ومدينتي الحج الرئيسيتين مشهد وقم.

الدعارة خلف الحجاب

على الرغم من الحظر الديني والمعارضة الأخلاقية والعقوبات القانونية، لا تزال الدعارة موجودة في إيران اليوم. ولنفس المحظورات الدينية والأخلاقية والقانونية، تتم ممارسة الدعارة في سرّية. مثل أي نشاط سرّي آخر في السوق السوداء، فإن المعلومات المتعلقة ببيع الخدمات غير واضحة، وغير دقيقة وغير شاملة.

صورة لإحدى ضحايا الدعارة (المصدر: هيومن رايتس ووتش)

ومع  ذلك، فمن الصعب تجاهل وجود شابات الشوارع – والرجال الذين يبحثون عن خدماتهم في الحدائق والميادين وغيرها من الأماكن العامة. 

على الرغم من ندرة البيانات الشاملة عن الدعارة، تشير الأبحاث التي أجرتها المؤسسات الصحية والجامعات ونظام السجون، إلى أن معظم الفتيات الناشطات في تجارة الجنس في طهران هنّ في سنّ  الدراسة الثانوية. 

وفي هذا السياق، يرى العبادي، في حديثه مع “الحل نت “، أن بعض المرجعيات الدينية في إيران عملت على استغلال الدين من أجل الحصول على المتعة الجنسية تحت غطاء الإطار الشرعي، ويربط بين انتشار “الإيدز” وبين الاتجار بالجنس وما يصاحبه من أخطاء تضرّ بصحة النساء، فضلاً عن التعرّض للعنف الجسدي والنفسي. 

إحدى الفتيات الإيرانيات، تقول عن عملها في تجارة الجنس “لقد اعتدت الآن الذهاب إلى السجن والتعرّض للجلد”. حيث تم سجنها في ثلاث مناسبات مختلفة وتلقّتْ ما بين 60 إلى 70 جلدة في كل مرة. 

وتضيف، “لقد تعلمتُ التعامل مع ذلك. وعلى أية حال فإن المال جيد. حتى لو اضطررت للذهاب إلى السجن عشر مرات أخرى، فلن أترك هذا العمل”، فإذا كانت طهران تلوّح بقانون الطهارة والحجاب الإلزامي؛ فوراء ذلك التلويح مدنيةٌ قائمة على أجساد النساء.

الجنس داخل السجون الإيرانية

أن الاتجار بالجنس في إيران لم ينتهِ عند مجرد وجوده في المدن الكبرى والضواحي بفعل العوز الاقتصادي أو حتى في القبور بقرب الأموات بغاية الحصول على حفنة النقود الزهيدة لأجل البقاء على قيد الحياة، بل إنه امتد حتى دخل  مؤسسات الدولة  في السجون الإيرانية. 

السّر المُظلم في إيران الاتجار بالجنس (1)
التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية يقول إن “أسوأ المتاجرين بالبشر” روسيا وبيلاروسيا وإيران وتركمانستان. (صورة توضيحية)

يذكر شاهد عيان، أنه منذ ربيع عام 2018، عندما تم إحضار بعض المتورطينَ في قضايا فساد مالي واسعة النطاق إلى سجن “إيفين” العنبر 4، كان هؤلاء السجناء مختلفين تماماً عن الآخرين – أي المُدانين بتهم فساد. 

وفي نفس الوقت كان هناك سجين يُدعى علي محتجزاً في القاعة رقم 3، مُدانًا بعدّة تُهم، إحداها القوادة – تجنيد البغايا. واستمر في العمل كقواد في السجن، فقد كان مع علي ألبوم يحتوي على صور العديد من الشابات. حيث كان بإمكان بعض السجناء اختيار إحدى النساء من الصور، وبعد حوالي أسبوعين، يرسلهم علي إلى اجتماع شرعي مع السجين، حاملين المستندات القانونية لـ”المتعة الزوجية”. 

قواعد سجن “إيفين” الإيراني، تنصّ على السماح لمعظم السجناء بالزيارات الزوجية – المعروفة باسم الاجتماعات الشرعية – مع أزواجهم مرة واحدة في الشهر. 

مبنى اجتماعات الشرعية في “إيفين”، عبارة عن مبنى نظيف للغاية مكوّن من ثلاثة طوابق بالقرب من الجناحين 7 و8. وتبدأ الزيارة في حوالي الساعة 9 صباحًا وتستمر حتى الساعة 2 ظهراً.  

وكان عملاء علي “المشهورين” يدفعون ما يزيد عن 3 ملايين تومان (120 دولاراً أميركياً) لقضاء خمس ساعات مع إحدى فتيات. 

هل “الحرس الثوري” متورط؟

أن تلك الحالة لا تؤكد إلا أن دولة الفقيه تعمل وتبارك هذا العمل. مما يجعلنا نتساءل: هل “الحرس الثوري” له دور في تلك المنظومة وهذه التجارة في قلب طهران؟

السّر المُظلم في إيران الاتجار بالجنس (4)
يجب على النساء في إيران الالتزام بقواعد اللباس الصارمة. (إنترنت)

يعيش الشعب الإيراني حالة من الغليان بسبب سياسة بلده القمعية، والظروف الاقتصادية الخانقة مع ارتفاع معدل البطالة والفقر ولهذا يوجه الإيراني أصابع الاتهام إلى القائمين على نظام الحكم في إيران عما وصل إليه الوضع في تجارة الجنس. 

فقد اتُّهم المسؤولون بإدارة شبكات دعارة الأطفال. وفي إحدى العمليات البارزة، تم القبض على العديد من المسؤولينَ الحكوميينَ وضباط الأمن خلال مداهمات على خمسة منازل على الأقل تُستخدم كبيوتِ دعارةٍ حول بلدة نيكا في شمال إيران. 

كما تم القبض على ضباط من قوات أمن الدولة الإيرانية والمجلس الثوري الإسلامي، في بيوت الدعارة في مناسبات متعددة. وهو ما جاء متّفقاً مع ما نصّ عليه تقرير الأمم المتحدة عن تجّار الجنس في طهران عام 2023، من أنه لم توفّر الحكومة خدمات الحماية لضحايا الاتجار بالبشر على وجه التحديد. 

نظام الرعاية الاجتماعية الحكومي في إيران، لم يوفّر التغطية أو الحماية الكافية للفئات السكانية الأكثر ضعفاً في البلاد، بما في ذلك الأطفال والأفراد الذين يمارسون الجنس التجاري. وأيضاً لم تبذل الحكومة أي جهود لتقليل الطلب على الأعمال الجنسية التجارية في إيران أو السياحة الجنسية للأطفال من قِبل المواطنين الإيرانيين المسافرين إلى الخارج. 

وعلى الرغم من أن الجنس التجاري غير قانوني، إلا أن الجنس التجاري والاتجار بالجنس منتشران في جميع أنحاء البلاد. وبحسب ما ورد في التقرير الأممي، تتغاضى الحكومة عن ذلك، وفي بعض الحالات، تسهّل بشكل مباشر الاستغلال الجنسي التجاري والاتجار بالجنس للبالغينَ والأطفال في جميع أنحاء البلاد.

ليس ذلك فحسب، بل يُزعم أن الشرطة الإيرانية و”الحرس الثوري” الإيراني و”الباسيج” ورجال الدّين، متورطون في جرائم الاتجار بالجنس أو يغضون الطرف عنها. فالنساء والفتيان والفتيات الإيرانيون معرّضون للاتجار بالجنس في الخارج، بما في ذلك في أفغانستان وأرمينيا وجورجيا والعراق وباكستان وتركيا والإمارات العربية المتحدة. ويصادر المتجرون جوازات سفر ضحايا الاتجار بالجنس ويهددونهم بالعنف أو الإعدام إذا عادوا إلى إيران. مما يؤكد على وجود تواطؤٍ بين المتجرينَ والشرطة الإيرانية و”الحرس الثوري” الإيراني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات