تجنيد “الحرس الثوري” للشيعة البريطانيين: لندن تنضم لدول “الهلال الشيعي”؟

في عام 2019، دعا مفوّض مكافحة التطرف في المملكة المتحدة، روبن سيمكوكس، الحكومة البريطانية إلى تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني كمنظمة إرهابية، مع تزايد المخاوف بشأن أنشطة طهران في بريطانيا، وقال روبن سيمكوكس، إن مثل هذه الخطوة ستكون في “المصلحة الوطنية”. 

اختلاف وزراء المملكة المتحدة حول ما إذا كان يجب إجراء هذا التغيير وسط مخاوف متزايدة بشأن التهديد الذي تشكّله قوة “الحرس الثوري” الإيراني على الأمن القومي للمملكة المتحدة برزت في كلمة ألقاها أمام المعهد الملكي للخدمات المتحدة، حيث قال سيمكوكس: “أنا أدرك أنه كان هناك جدلٌ حول ما إذا كان ينبغي لنا أن نتّبع خُطى الحكومة الأميركية، ونحظر الحرس الثوري الإيراني. إن تحديد من تحظره الحكومة أو لا تحظره ليس من اختصاصي”. 

ولكن من منظور مكافحة التطرف، كان يصرّ سيمكوكس أن ذلك يصبّ في المصلحة الوطنية”، ويبدو أن ما كان يقلق سيمكوكس أصبح أمراً واقعياً وعلى بريطانيا التعامل معه. ولكن ما قصة التجنيد الاستخباراتي الإيراني في بريطانيا، وهل تُهدّد طهران أمن لندن؟

عملياتُ تجنيد سرّية

ظهر في الأيام القليلة الماضية تقريرٌ في صحيفة “ديلي ميل” بريطانية، وكشف عن قيام “الحرس الثوري” الإيراني بتجنيدٍ للمسلمين الشيعة البريطانيين الذين يزورون المواقع الدينية في إيران والعراق. وذكر التقرير أن هؤلاء المجندينَ مكلّفون بجمع معلومات استخباراتية عن اليهود والمنشقّين عن نظام طهران في المملكة المتحدة، مما قد يؤدي إلى هجمات داخل البلاد. 

الحرس الثوري وحزب الله العراقي خفايا وألغاز بيانات الانسحاب (1)
رجال من جماعة “كتائب حزب الله” المدعومة من إيران يلوحون بأعلام الحزب أثناء سيرهم في شارع مطلي بألوان العلم الإسرائيلي خلال موكب بمناسبة يوم القدس السنوي، أو يوم القدس – إنترنت

وحسب ما جاء في التقرير، فإن مسؤولي التجنيد في “الحرس الثوري” يقتربون من المسلمين الشيعة الذين يزورون المواقع الدينية في الشرق الأوسط ويطلبون منهم جمع معلوماتٍ عن يهود بريطانيينَ بارزينَ أو أهداف مثل المعابد اليهودية”. 

وطبقا لما ورد، فقد طُلب من العملاء أيضاً التجسس على المنشقينَ الإيرانيينَ المقيمين في المملكة المتحدة. وقال مصدر لم يذكر اسمه في التقرير: “لا نعرف حجم العملاء الإيرانيين داخل أوروبا والمملكة المتحدة، ولكن كل ما يتطلّبه الأمر هو أن يتسلل أحدهم عبر الشبكة”. 

ونقلت صحيفة “ديلي ميل” عن خبير آخر، هو كسرى العربي، من مركز أبحاث “متحدون ضد إيران النووية”، قوله إن القائمين على التجنيد يركزون عادة على توظيف الشيعة البريطانيين الذين ينتمون إلى باكستان والعراق ولبنان، بدلا من الإيرانيين البريطانيين “الذين عادة ما يكونوا علمانيينَ ومتطرفينَ، ومعارضينَ لنظام آية الله”. 

الباحث في الشأن الإيراني، محمود عبد الكريم، في حديثه مع “الحل نت”، بيّن أن تجنيد “الحرس الثوري” للشيعة البريطانيين الذين يزورون المواقع الدينية في إيران والعراق له آثار بعيدة المدى. فهي لا تهدد سلامة اليهود البريطانيين والمعارضين فحسب، بل إنها تستغل أيضاً الحج الديني للملايين، وتحوّل الرحلة المقدسة إلى عملية سرية إرهابية تهدد أمن المجتمعات وهذه مردوده إلى أن “الثوري” الإيراني اتّخذ من الدين ستارا تُدار من وراءه العمليات الإرهابية”.

ووفقاً للتقرير، فإن المسلمين البريطانيين الذين يزورون مدينة كربلاء العراقية المقدّسة في سبتمبر/أيلول من كل عام لإحياء ذكرى الأربعين يبلغ عددهم ما يقرب من 20 مليون زائر سنويا. فهي واحدة من أكبر التجمعات الدينية في العالم، وتم الاتصال بهم للتجسس لصالح إيران. 

ونقل التقرير أيضاً عن مسؤول بريطاني قوله: إن النظام الإيراني غالباً ما يستخدم شبكات الجريمة المنظّمة التي تتخذ من بريطانيا مقرّاً لها لتنفيذ هجمات على أراضي المملكة المتحدة، وأن المعلومات التي جمعها الجواسيس البريطانيون قد تُستخدم في مثل هذه المؤامرات. ففي كانون الثاني/يناير الماضي فرضت بريطانيا عقوبات على سبعة مسؤولينَ إيرانيين ومنظمة واحدة قالت إنهم متورّطون في تهديداتٍ بقتل صحفيَين على الأراضي البريطانية، وآخرين قالت إنهم جزءٌ من عصابات إجرامية دولية مرتبطة بإيران.

“طوفان الأقصى” يمتد بظلّه على بريطانيا

إن نتائج عملية “طوفان الأقصى” لم تكن قاصرة فقط على فلسطين وإسرائيل، وحربٌ في غزة، وإنما امتدت بنتائجها لتشمل مناطق كبيرة من بريطانيا. 

المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يحضر عرضا عسكريا برفقة قادة “الحرس الثوري” – (فرانس برس)

فقد جاءت تعليقات المدير العام لجهاز “مكافحة التجسس والأمن” البريطاني، كين ماكالوم، والتي نشرتها وسائل الإعلام البريطانية في منتصف تشرين الأول/أكتوبر، في أعقاب الهجمات التي نفذّها متطرفون إسلاميون مشتبه بهم في فرنسا وبلجيكا منذ اندلاع الحرب في غزة في أعقاب الهجوم الذي شنته “حماس”، والذي شهد مقتل حوالي 1200 شخص واختطاف 250 آخرين معظمهم من المدنيين. 

وجاء تقرير “ديلي ميل” في الوقت الذي كان فيه اليهود البريطانيون على أهبة الاستعداد وسط تصاعد في الحوادث المعادية للسامية والعروض المستمرة للمشاعر المعادية لإسرائيل في لندن منذ هجمات “حماس”، وأشارت بيانات من “منظمة حماية المجتمع” وهي مجموعة أمنية يهودية، إلى أن الحوادث المعادية للسامية في المملكة المتحدة ارتفعت إلى مستويات قياسية منذ 7 أكتوبر، حيث تم الإبلاغ عن 2093 حادثة في 68 يوماً بعد الهجوم. 

وقال مسؤول إسرائيلي إنه منذ السابع من أكتوبر، قدّموا عدداً أكبر من المعتاد من التحذيرات إلى المملكة المتحدة، لتنبيه هذا البلد إلى هجمات محتملة من قبل الإيرانيين أو وكلائهم. 

على الرغم من هذا، يذهب عبد الكريم في حديثه مع ” الحل نت “، إلى رؤية مغايرة مشيرا إلى أن “الحرس الثوري” له سياسته الخاصة وغير القابلة للتغيير، فسياسته تعتمد أولاً وأخيراً على التمدّد والاستحواذ والانتشار البطيء داخل المجتمعات بما يخدم أغراضه التمددية. 

وأضاف عبد الكريم، أنه “بطوفان الأقصى أو بدونه ستستمر طهران فيما هي عازمة عليه من تكوين شبكات وخلايا إرهابية تنفيذ مخططاتها”.

محاولات تسلّل إيران

تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 400 ألف مسلم في المملكة المتحدة ينتمون إلى الطائفة الشيعية، التي تعتبر إيران نفسها حامية لها في جميع أنحاء العالم. وقد أُثيرت مخاوف بشأن الاختراق المحتمل للجامعات البريطانية من قبل جواسيس إيرانيين يتظاهرون بأنهم طلاب دوليون في منح دراسية حكومية. 

المعنويات في صفوف “الحرس الثوري” الإيراني قد تراجعت بشكل كبير – إنترنت

كما تلقّى أحد مهربي البشر المقيم في بريطانيا، والذي تحوّل إلى مُخبر، ما يقرب من 200 ألف جنيه استرليني من قبل “الحرس الثوري” الإيراني لاغتيال صحفيَين بريطانيَين يعملان في قناة “إيران إنترناشيونال” الإخبارية في العام الماضي. 

المسؤولون البريطانيون منذ عام 2016، أعربوا مرارا وتكرارا عن مخاوفهم بشأن خطط النظام الإسلامي لاستهداف المنشقّينَ الإيرانيينَ في المملكة المتحدة. ففي كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته، استدعى وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، القائم بالأعمال الإيراني في لندن مهدي حسيني متين، بعد أن نشرت قناة “آي تي ​​في” تقريرٍ يشرح بالتفصيل كيف خطط جواسيسٌ إيرانيون لاغتيال مذيعَين يعملان في قناة “إيران إنترناشيونال”، وفقاً لصحيفة “تي تلغراف”. 

وأصدر وزير المخابرات الإيراني، إسماعيل الخطيب، تهديداتٍ في ذلك الوقت ضد كلّ من المملكة المتحدة و”إيران إنترناشيونال”. وقال الخطيب إن “إنجلترا ستدفع ثمن الإجراءات التي اتّخذتها لمحاولة جعل إيران غير آمنة”، مضيفا أن المخابرات الإيرانية ستلاحق “عملاء” القناة الإخبارية.

في كانون الأول/ديسمبر الفائت، حُكم على الشيشاني محمد حسين دوفتاييف، 31 عاماً، بالسجن لمدة ثلاث سنوات بعد إدانته بالتجسس على المقر الرئيسي لشركة “إيران إنترناشيونال” من أجل تنفيذ هجوم إرهابي. وقالت شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية، إن دوفتاييف ينتمي إلى شبكة إجرامية منظمة أوروبية تم استئجارها لتنفيذ الهجوم. 

جهاز “مكافحة التجسس والأمن” البريطاني ذكر أنه منذ بداية عام 2022، حاول النظام الإيراني قتل أو إيذاء ما لا يقل عن 15 معارضاً إيرانياً مقيماً في بريطانيا، ودعا أحيانًا علناً إلى قتلهم. وكما تبيّن أن “الحرس الثوري” أرسل زوجَين إيرانيَين إلى السويد في عام 2015، مستخدماً غطاء طالبي اللجوء الأفغان. 

وعاش الزوجان في البلاد “كخلية نائمة ” حتى عام 2021 عندما تم تنشيطهما لاغتيال ثلاثة يهود بارزينَ. ولكن تم القبض عليهم من قِبل الأجهزة الأمنية. وفي العام الماضي، أفيد أن “الكلية الإسلامية”، وهي مؤسسة تعليمية شيعية مقرّها في ويلسدن جرين، شمال غرب لندن، لها روابط قوية مع جامعة “المصطفى” في إيران وأرسلت الطلاب إلى حرمها الجامعي في البلاد.

مدير “الكلية الإسلامية”، عيسى جهانجير، كشفت المواقع الإخبارية الموالية للنظام الإيراني أنه ممثل جامعة “المصطفى” في المملكة المتحدة، وذلك بعد أن فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على “المصطفى” لكونها ساحة تجنيد لـ”الحرس الثوري” الإيراني. 

في هذا السياق، قال خبير الإرهاب البروفيسور أنتوني جليس، إن هذا تهديد خطير يجب معالجته، فـ”الحرس الثوري” الإيراني يقف وراء “حماس” و”الحوثيين”، وهو يدير أيضاً شبكات التجسس في لندن، ويجب على الإيرانيين البريطانيين أن يكونوا حذرينَ للغاية عندما يعودون إلى إيران. 

الذراع الطويلة لـ”الحرس الثوري”

في العام الماضي، كشفت التحقيقات الاستقصائية لصحيفة “جويش كرونيكل” حول أنشطة النظام الإيراني في المملكة المتحدة عن عمليات توغل وانتشار لـ”الحرس الثوري” الإيراني في المؤسسات البريطانية:

1- المركز الإسلامي(ICE) في إنجلترا، وهو مسجد كبير يقع في وسط لندن ويسيطر عليه النظام الإيراني. تأسس عام 1995، ومديره الحالي، حسين موسوي، هو الممثل الشخصي للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في المملكة المتحدة. 

عناصر من الحرس الثوري الإسلامي ( تصوير مرتضى نيكوبازل / نور فوتو)

ويتمتع بإعفاءات ضريبية سخية باعتبارها مؤسسة خيرية. وفي 2020 نظّم المسجد وقفة احتجاجية حضرها ألفي بالغ وطفل حدادًا على وفاة قائد “فيلق القدس” الإيراني، قاسم سليماني، في غارة أميركية بطائرة بدون طيار عام 2020. 

2- أجرت الصحيفة مقابلة مع كاثرين بيريز شكدام، التي اخترقت النظام الإيراني من خلال أن تصبح محاضرة موثوقة في المؤتمرات التي نظمتها منظمة “نيو هورايزون”، والتي تضم أحزاباً جديدة وتضم أعضاء من “حزب الله” وجماعة “حماس”. واكتشف بيريز شكدام أن النظام الإيراني منخرط في رسم الخرائط للمجتمع اليهودي الدولي ومراقبة اليهود البارزين تحسّباً لاغتيالهم المحتمل. وأكد جهاز الأمن البريطاني، أنه أحبط عدّة مؤامرات اغتيال دبرها “الحرس الثوري” الإيراني في الأشهر الاثني عشر الماضية.

3- وقد طورت صحيفة “جويش كرونيكل” نظاماً خوارزمياً لتحديد التعاون بين الأكاديميينَ البريطانيينَ في الجامعات البريطانية، مثل “كامبريدج” وغيرها من المؤسسات المرموقة، مع الجامعات في إيران. وعلى وجه التحديد، أدى التعاون بين العلماء البريطانيينَ والإيرانيين إلى إنتاج العديد من الأوراق البحثية في السنوات الأخيرة حول الأسلحة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، والطائرات العسكرية بدون طيار، وأنظمة الاتصالات في ساحة المعركة، والحوسبة الكمومية.

4- يقدّم “اتحاد رابطة الطلاب الإسلاميين” في أوروبا (UISAE)، ومقرّه غرب لندن ويديره عطائي عبادي، محاضرات عبر الإنترنت لقادة “الحرس الثوري” الإيراني الذين يدعمون “حزب الله” و”حماس”. وتبيّن أن تسجيلات المحاضرات هذه، التي تدعو إلى تدمير اليهود وإسرائيل للتعجيل بعودة المهدي، مخصصة للطلاب في الجامعات البريطانية والأوروبية.

وأخيراً، وبناءً على ما سبق فإن المعطيات تشير إلى أن أذرع “الحرس الثوري” الإيراني في بريطانيا لا يشبه إلا ثعبان الكُبرى ينتظر اللحظة المناسبة لفريسته حتى يفرغ ما في جعبته من سموم إرهابية تدمرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات