انعقد، مطلع الأسبوع الجاري، في العاصمة الأردنية عمان، اجتماعٌ على ‏مستوى وزراء داخلية العراق وسوريا ولبنان، وكذا وزير الداخلية الأردني، ‏بهدف بحث موضوع آفة المخدرات وسُبل مكافحتها والتي تمثّل قضية معقّدة ومركّبة من كافة الأوجه، فضلاً عن تداعياتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وآثارها المدمّرة مجتمعياً.

الاجتماع الرباعي الذي انطلقت إليه سوريا من مبدأ تفادي الضّرر بعد التوتر الأخير مع الأردن الذي كان السبب الرئيس في عودة في دمشق إلى “الجامعة العربية”، ونشلها من العزلة الدولية عبر “مبادرة خطوة مقابل خطوة”، هدف إلى تعظيم أُطر التعاون ‏الأمني بما يضمن تحقيق المصالح الوطنية العُليا في دول المنطقة.

عقِب الاجتماع الذي ضمّ وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، ونظيره العراقي عبد الأمير الشمري، والسوري محمد خالد الرحمون، واللبناني بسام مولوي، أُعلن تأسيس خلية اتصال مشتركة مع العراق وسوريا ولبنان، لمتابعة المعلومات وتتبّع الشحنات حتى وجهتها النهائية؛ وهنا يُطرح أبرز سؤال تداول منذ بدء تصدير سوريا للمخدرات عالميا: هل فعلا ستصدق دمشق في تعهّداتها لعمّان هذه المرة؟

ثقة مهزوزة

بحسب الفراية، فإن خلية الاتصال تعنى بتبادل الخبرات والتدريب والقدرات، ومتابعة المعلومات سواءً السابقة أو اللاحقة والتسليم المراقب، وهو تتبّع الشحنات الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية.

الأسلحة والمخدرات التي ضُبطت (القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي)

في هذا السياق، أشار العميد المتقاعد بالمخابرات الأردنية، الدكتور سعود الشرفات، أن الاجتماع الرباعي الذي دعا له الأردن مؤخراً جاء في ظل تداعيات التصعيد العسكري على الحدود الأردنية الشمالية الشرقية، وبالذات على مثلث حدود التنف بعد استهداف الجماعات الشيعية المسلحة الموالية للنظام الإيراني لقاعدة “البرج 22” الأميركية داخل الحدود الأردنية. إضافة إلى عدم توقّف موجات التهريب من سوريا.

ورجّح العميد الشرفات، وهو مدير مركز “شُرُفات” لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب بالعاصمة الأردنية عمان، في سياق حديثه لـ”الحل نت”، بأن ثقة الأردن بوعود الجانب السوري اهتزت كثيراً بعد تكرار الوعود بالتعاون ثم عدم الالتزام بها، بحجّة عدم القدرة على ضبط عمليات التهريب. 

رغم إدراك الأردن لصعوبة هذه العملية من قِبل حكومة دمشق بالنظر إلى الأوضاع الأمنية المنفلتة، وفشل الدولة بالسيطرة التامة والسيادة على كامل التراب السوري، إلا أن هذا لا يمنع من القول اعتماداً على تجربة السنوات الماضية بأن دمشق غير جادة بوقف هذه العمليات؛ لأنها تستفيد منها مالياً وسياسياً كوسيلة ضغط سياسية لتحقيق مصالحه.

وأضاف العميد الأردني، بأنه إلى جانب استفادة الحكومة السورية من عمليات التهريب الواسعة النطاق، فإن الجانب الإيراني يستفيد أيضاً مالياً لتمويل عملياته وإدامتها وكسب الحلفاء والشركاء، وسياسياً كوسيلة ضغط في إطار توسيع ساحات صراعها الإقليمي مع أميركا، وإبعاد قوس العمليات والتهديد لأمنها القومي قدر الإمكان عن الحدود الإيرانية. فكلّما كان قوس الصراعات والحرب بعيداً عن الحدود الإيرانية، كلما نجحت طهران في استراتيجيتها الأمنية ودعم خططها الإقليمية.

إن أكثر ما يخشاه الأردن، والحديث للمصدر ذاته، أن تنجح إيران بجر الولايات المتحدة إلى فتح جبهة وساحة صراع على حدوده النائية في الشمال الشرقي، وهو في غنى عن ذلك كله، وهو يواجه خطر تداعيات الحرب في غزة وتهديدات المتطرفينَ في إسرائيل بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن.

ويختتم مدير مركز “شُرُفات” لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب تصريحاته لـ”الحل نت”، بأن الأردن يعتمد أسلوب “دبلوماسية الحوار” المستمر كون ذلك في تقدير عمان أفضل من القطيعة والابتعاد عن التواصل. بيد أن ذلك لا يمنع إطلاقاً من ترجيح معاودة الضربات الأردنية في المناطق التي تقوم بتصنيع وتهريب المخدرات عبر الحدود المشتركة.

دمشق ليست صاحبة قرار!

نحو ذلك يتّهم مسؤولون أردنيون، غير مرة، ميليشيات مدعومة من قِبل إيران وسوريا بالوقوف وراء عمليات التهريب، ودعم تصنيع تلك المواد المخدرة والمساعدة المباشرة في تلك العمليات والاستفادة من عوائدها المالية.

سوريا الأردن مخدرات
صورة تم التقاطها خلال جولة نظمها الجيش الأردني تظهر جنودًا يقومون بدوريات على طول الحدود مع سوريا لمنع الاتجار بالمخدرات، في 17 فبراير 2022. (تصوير خليل مزرعاوي / وكالة الصحافة الفرنسية)

لم يمضِ أكثر من ساعات على إعلان الأردن ولبنان والعراق وسوريا تشكيل “خلية اتصال” لمواجهة “آفة المخدرات” حتى أعلن الأردن مقتل خمسة مهرّبينَ بينهم عنصر في الجيش السوري، وضبط كميات كبيرة من حبوب “الكبتاغون” أثناء محاولة تمريرها عبر الحدود.

ويعتبر مراقبون أن الحادثة المذكورة تعطي مؤشراً على أن القضية التي تم بحثها في العاصمة الأردنية عمّان بين وزراء داخلية الدول الأربعة تتجاوز ما تم الإعلان عنه. وإلى ذلك تُعدّ عمليات تهريب المخدرات من سوريا باتجاه الأردن واحدة من أبرز المشاكل التي يعاني منها الأخير. 

رغم اجتماع المسؤولين في العاصمة الأردنية عمّان والسورية دمشق غير مرة على مستوى الخارجية والداخلية والدفاع والاستخبارات لم تسفر مناقشاتهم عن أي جدوى فعلية على الأرض.

الأمر الذي عبّر عنه وزير الأعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا) بقوله: إن “الرسالة واضحة من قادة وميليشيات التهريب في سوريا بأنهم أصحاب القرار وليس مَن جاء مِن دمشق”.

وعقِب تصاعد المحاولات مؤخراً ووصولها إلى حدّ إدخال أسلحة وذخائر، شنّ الأردن غارات جوية في ريف السويداء ودرعا بالجنوب السوري. كما دخلت قوات من الجيش الأردني “المنطقة الحرة” شرق السويداء وألقت القبض على عدد من المهربينَ. وأصدرت خارجية حكومة دمشق الشهر الماضي بياناً اعتبرت فيه أن العمليات العسكرية الأردنية “لا مبرر لها”.

كما اعتبرت أن التصعيد الأردني السياسي والإعلامي والعسكري خلال الأشهر الماضية “لا ينسجم إطلاقاً مع ما تم الاتفاق عليه بين اللجان المشتركة من الجانبين حول التعاون”. وفي حين قال البيان إن دمشق قدّم “مقترحات إلى الأردن للقيام بخطوات عملية من أجل ضبط الحدود” فإنه زعم بأن عمان تجاهلت المقترحات، ولم تتلقَّ أي استجابة من الجانب الأردني. وهنا، أصدر الأردن بياناً في غضون ساعات أكد فيه أن الأخيرة لم تتخذ “أي إجراء حقيقي لتحييد خطر تهريب المخدرات”.

“فاقد الشيء لا يعطيه”

ردفا لما سبق، يشير العميد الركن، خالد حمادة، مدير “المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات” بقوله: “لا يمكن التعويل كثيراً على الاجتماع الرباعي الذي عُقد مؤخّراً في الأردن بين الدول الأربعة بهدف الحدّ من تجارة المخدرات العابرة للحدود”.

إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة الأتوماتيكية والصاروخية من قبل الجيش الأردني قرب الحدود السورية – إنترنت

وتابع الخبير الأمني والعسكري اللبناني حديثه لـ”الحل نت”، بأن تدقيق هذه القضية، فقط، من منظور قانوني يمكن القول إن هناك عصابات تهريب المخدرات، بما يشكّل مخالفة للقانون أو النظر إلى معالجة هذا الموضوع كذلك من قبيل المحافظة على المجتمعات من الانجراف وراء المخدرات وتعاطيها، هو جانب محض بسيط من المشكلة بحد ذاتها.

ويردف العميد حمادة، أن الاجتماع يجب ألّا يقتصر على كيف يتم تعاون هذه الدول فيما بينها في سبيل الحدّ من عملية تهريب المخدرات، ولكن يجب في الدرجة الأولى يكون هناك القدر الكافي من الشجاعة لمقاربة هذه المسألة على حقيقتها سواء من ناحية ما يخصّ زراعتها أو تصنيعها، فضلاً عن عمليات التهريب والموجودة تحديداً في لبنان وكذا سوريا.

إن قضية تهريب المخدرات ليست وليدة جنوح أخلاقي، أو ميل فطري لارتكابات غير قانونية إنّما ذلك بحسب المصدر ذاته، تجارة عابرة للحدود مرتبطة تماماً بمحددات الوضع السياسي الموجود بمعنى أن هذه التجارة هي ليست لخدمة بعض رؤساء العصابات الذين يريدون جمع المال، بل في حقيقتها تقف وراء تمويل مشروع سياسي ظاهره ميليشيات مسلحة وباطنه مشروع ميليشياوي ترعاه طهران وتسعى من خلاله عدم استقرار كل المنطقة.

هذه التجارة إلى جانب تبييض الأموال وإلى جانب تجارة الأسلحة وكل أنواع الممنوعات تشكّل العمود الفقري لدخل هذه الميليشيات وتمويلها. بالتالي لا يمكن فصل هذا الموضوع عن موضوع وجود ميليشيات مسلحة برعاية إيرانية موجودة في لبنان وفي سوريا تتسلل إلى الأردن ومنه إلى العراق، أو ربما إلى العراق مباشرة ومنه إلى دول الخليج في سبيل تسويق هذه المخدرات وجني المال.

إذاً فالموضوع ليس موضوعاً أخلاقياً أو حتى مسألة قانونية، إنما هو موضوع سياسي بل بالأحرى موضوع إقليمي بامتياز، وفق المصدر ذاته. ومواجهة هذه القضية هي مواجهة أحد الركائز الاقتصادية للميليشيات الإيرانية الموجودة في المنطقة.

وبالتالي يعتقد حمادة كون هذا الاجتماع لن يفضي إلى أي شيء محدّد وحاسم رغم التقدير الكبير لما تقوم به المملكة الأردنية، فهي تقوم بكل ما في وسعها لحماية شعبها ولحماية دول الخليج لمنع انتشار هذه الآفة من خلال جهود القوات المسلحة وإمكانيات السلاح الجوي.

تحت تصرف الميليشيات الإيرانية

رغم أن استئصال هذه الظاهرة ينبغي أن يتّخذ عدة أشكال، بيد أنه من الأهمية بمكان طرح عديد التساؤلات التي يجب أن تطرح ومن بينها هل تستطيع الدولة اللبنانية أو الدولة السورية أن تكافح فعلا زراعة وتصنيع تجارة المخدرات. الجواب قطعا لا، وفق العميد الركن خالد حمادة. ويتابع: “إذ يسيطر حزب الله في لبنان على كل شيء، خاصة كل ما يرتبط بهذه التجارة وهذه الزراعة”.

أسلحة الأردن وسوريا
إصابة جنود أردنيين إثر اشتباك مع مسلحين على الحدود مع سوريا – إنترنت

في سوريا يبدو الموضوع مماثل أيضا، بالإضافة الى أنه يشكّل بسبب الانهيار الاقتصادي في سوريا أصبحت تجارة المخدرات جزءاً من الدخل القومي للدولة السورية. وبالتالي من الواضح أن سوريا لن تقدم على هذه المكافحة، ولن تقدم على ملاحقة التجار.

فالجميع يعرف أن المناطق الحدودية هي تحت تصرّف الميليشيات الإيرانية وتحت تصرف “الفرقة الرابعة” التي يقودها شقيق رئيس الجمهورية في سوريا ماهر الأسد، الأمر الذي يضع كل مخرجات الاجتماع الرباعي حيّز الفراغ.

ثمّة رؤية أن الفراغ السياسي في بعض الدول لا سيما في لبنان، يعكس بشكل كبير عجزاً في السلطة لا يبدو بسيطاً، حيث كانت الدولة اللبنانية منذ سنوات عبر جهود الجيش اللبناني يقوم بإتلاف مساحات شاسعة من المزروعات الممنوعة أمام أعين الجميع، واليوم لا يستطيع الجيش اللبناني أن يقوم بأي نشاط حيال ذلك كون كل هذه المصانع والمزارع موجودة في جغرافيا يحميها “حزب الله”.

ويخلص العميد ركن خالد حمادة في سياق حديثه لـ”الحل نت”، بأن تجارة المخدرات العابرة للحدود وتوظيف الأراضي السورية والنظام لصالح المشروع الإيراني في المنطقة، هي الباب الرئيسي لتمويل الميليشيات المسلّحة ودمشق. وطبعا “الكل يعرف أن أسواق المخدرات لا تقتصر فقط على دول الخليج. هي وصلت إلى أميركا اللاتينية ووصلت إلى أوروبا الغربية.. بالتالي نحن أمام آفة لها وجه سياسي، ولها وجه مذهبي، ولها وجه إقليمي، وهي تتبع مشروع طهران وولاية الفقيه. ولجنة مؤلفة من أربعة وزراء تبدو مهمتها صعبة ومعقّدة أمام تجارة بهذا التعقيد وعابرة للحدود”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات