تحتشد عديد الأحداث خلال شهر آذار/مارس المقبل في إيران، وذلك على مستوى الوضع السياسي في ظل الاستعداد للعام المالي الجديد من خلال تقديم مشروع ميزانية العام الجديد بزيادة ضريبية على المواطنين تبلغ 50 بالمئة. 

هذا الأمر دفع الكثير من المراقبين للحديث عن خطورة سدّ العجز من دخول المواطنين، وتراكم تبعات الضغط الضريبي وانخفاض قيم ميزانيات الصحة والخدمات العامة في مقابل تصاعد موجات القمع والترهيب والإنفاق الكبير على القدرات التسليحية والمجهود الحربي، وما يرتبط بميزانيات قطاعات الجيش والشرطة وقوات “الحرس الثوري” وامتداد ذلك كلّه صوب انخراط نظام طهران نحو دعم الجماعات الوظيفية والميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط، بما يعادل ملايين الدولارات بغية تعزيز حلفائها في المنطقة وقدراتهم الميدانية، لا سيما على تصاعد تداعيات الحرب في غزة واشتعال جبهات متاخمة على هامش ذلك.

العجز يتخطى 450 تريليون

نحو ذلك، تناولت افتتاحية صحيفة “هم ميهن”، تردي الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الشعب الإيراني وكيفية تعامل المسؤولين مع مطالب الشعب التي تضمن لهم حياة معيشية كريمة.

طهران، إيران – أشخاص يرتدون أقنعة طبية كإجراء وقائي ضد وباء فيروس كورونا الجديد (COVID-19)، ينتظرون في طابور أمام المخبز بينما يواصلون العيش ضد الفقر وفيروس كورونا في جنوب شرق ني. (تصوير فاطمة بهرامي/ غيتي)

واستعرضت الصحيفة في افتتاحياتها نهاية الأسبوع الماضي، النقص الشديد في السلع المهمة وارتفاع أسعارها بما لا يمكن للمواطن الإيراني أن يمتلكها خصوصا بعد تدني مستوى الأجور بصورة كبيرة، وانخفاض سعر العملة مقابل الدولار على خلفية تصاعد معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة.

إلى ذلك، جاءت تصريحات رئيس مركز الدراسات التابع لغرفة إيران للتجارة بقوله، إن عدم التغيير في موازنة البناء يدق ناقوس الخطر بشأن ميزانية العام المقبل حول حوافز الاستثمار في البلاد. فالحكومة في هذه الموازنة تذهب نحو توفير نفقاتها الجارية ولا تعطي اهتماما يُذكر لعمليات الإنتاج وهو أمر ينذر بتوقّف محرك النمو الاقتصادي في إيران بحلول 20 آذار/مارس القادم (بداية العام الإيراني الجديد).

وأشار المسؤول ذاته إلى تبعات موازنة العام المقبل، فقال: “سنواجه عجزاً بنحو 450 تريليون تومان، وربما ستفرضه الحكومة على الشبكة المصرفية من خلال زيادة بيع السندات والسحب من صندوق التنمية الوطنية وربما سيتم تقدير جزء منه بسعر أعلى من خلال زيادة بيع العملات الأجنبية في حين أنه من الممكن أن تكون موارد النقد الأجنبي محدودة”.

السطو على النفط الإيراني

في هذا الشأن يشير كبير الباحثين بالمؤسسة الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، أن ثمة تحديات كثيرة تبرز بوضوح في موازنة إيران للعام المالي الجديد 2024، والتي تبدأ مع يوم واحد وعشرين من شهر آذار/مارس القادم.

رجل فقير يحمل أكياسًا بلاستيكية أثناء سيره بجوار كتابات على الجدران على سياج بالقرب من ضريح مقدس في مدينة قم المقدسة على بعد 145 كيلومترًا (90 ميلاً) جنوب طهران (تصوير مرتضى نيكوبازل / غيتي)

يتابع الباحث اللبناني في سياق حديثه لـ”الحل نت”، أن التحدي الأول في تقديره يتمثّل من خلال ضرورة العمل على احتواء نسبة التضخم وارتفاع معدلاتها كون هذا الارتفاع في نسبة التضخم، والمقدّرة بحدود خمسين بالمئة من شأنها أن “تأكل وتقضم المزيد من القدرة الشرائية للعاملين الإيرانيين، خاصة مع الرواتب المنخفضة بالرغم من إقرار زيادة على الرواتب والأجور بنسبة قد تصل إلى عشرين بالمئة”.

يضيف الباحث في المؤسسة الدولية للمعلومات، أن التحدي الثاني يرتبط أيضا بالتحدي الأول ويتجسد نحو مخاطر وتبعات خفض عجز الموازنة. اليوم والحديث للمصدر ذاته تشير التقديرات في إيران إلى عجز كبير في الموازنة قد يصل إلى سبعة وأربعين مليار دولار. وهو رقم كبير. 

بيد أن النظام في طهران يراهن على احتواء أو خفض هذا العجز في الموازنة الإيرانية من خلال استخدام وتوظيف طاقاته النفطية، حيث قدرت صادرات إيران النفطية بمليون وثلاثمائة وخمسين ألف برميل يومياً بمتوسط سعر نحو سبعين دولار.

بالتالي قد تكون الأسعار في ظل الأزمات الدولية الموجودة حالياً أعلى من ذلك، بما يصل سعر البرميل نحو ثمانين أو تسعين دولار للبرميل الواحد تقريباً، وفق المصدر ذاته، الأمر الذي يعني زيادة الإيرادات النفطية وبالتالي يقلص نسبة العجز بحسب المصدر ذاته.

الأمر الثالث والمهم في هذه الموازنة، هو السماح للجهات الحكومية والعسكرية ببيع ما قد يصل إلى واحد وعشرين بالمئة من صادرات إيران النفطية، وهذه طريقة للالتفاف على العقوبات. بالتالي من شأنها أن تزيد الصادرات الإيرانية كما يمكن استخدامها أو توظيف إيراداتها في دعم الجماعات الوظيفية خارج البلاد. 

إذا، المحصلة الأساسية أن الحكومة الإيرانية مطالبة بتقديم إجابات واضحة للمجتمع الإيراني، وتلبية مطالب الشباب خصوصا أن أربعين بالمئة من الشعب الإيراني هم من الفئات الشابة التي تحتاج إلى توفير المزيد من فرص العمل لتلك الطاقات الشبابية في المجتمع الإيراني.

سري للغاية

في سياق متصل، تشير تقارير متطابقة من الداخل الإيراني إلى ارتفاع ميزانيات التسليح للجيش و”الحرس الثوري” وفروعه، خاصة “فيلق القدس” المسؤول عن العمليات الخارجية بمبالغ تصل إلى ثلاثة ملايين يورو، بحسب رسالة سرّية من محمد باقري، رئيس هيئة الأركان المسلحة للجيش إلى محمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى يشكره فيها على الموافقة لاعتماد المبلغ لحساب القوة الدفاعية وطلب 500 مليون يورو إضافية، وذلك لصالح إنتاج العوامات والصواريخ والطيارات المسيّرة. 

الرئيس إبراهيم رئيسي يشارك في مسيرة بمناسبة يوم القدس في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في طهران. (تصوير متين قاسمي / غيتي)

بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً للوثائق المنشورة في 21 شباط/فبراير من العام الفائت، فثمة رسالة تحمل “سرّي للغاية” من العميد مجيد خادمي، رئيس منظمة حماية الاستخبارات في “الحرس الثوري” إلى محمد باقر قاليباف رئيس برلمان النظام، دعا إلى زيادة ميزانية الاستخبارات بالحرس إلى 2800 مليار تومان، للعام الإيراني الجاري واستجابة لهذا الطلب، كتب، قاليباف: “وفقا لأمر المرشد الأعلى، يجب الاهتمام بالقوة بأكملها بشكل خاص في جداول قوات الحرس”.

من ثم، لا ريب أن خامنئي قد اعتمد على زيادة غير مسبوقة في الضرائب المفروضة على المواطنين وطباعة الأوراق النقدية دون رصيد لتوفير هذه الأرقام الفلكية التي ينفقها النظام على قواته وأجهزته الأمنية رغم كافة المخاطر المرجحة، والتي تشي بجملة تداعيات على البنى الاجتماعية ووضع النظام السياسي برمته على حافة الهاوية جراء ذلك الإنفاق على القطاع العسكري وعملياته الميدانية بعيداً عن تأمين حياة المواطنين وتلبية احتياجاتهم الأساسية.

الأمر الذي عزّزه وزير الإرشاد السابق للنظام، علي جنتي، وقد كتب: “مع موافقة البرلمان على هذه الموازنة، والعجز الحاد في الميزانية الذي من المتوقع أن يسود البلاد تضخم رهيب خلال العام المالي الجديد وبالنظر إلى أن مصادر الدخل الرئيسية للحكومة هي الضرائب فمن الواضح أننا على حافة الهاوية إذا ما واصلنا قيادة الأمور بهذا المنوال”، بحسب قيادات في المعارضة الإيرانية.

مما يلفت الانتباه أيضاً، أنه على الرغم من حملات القمع التي أدت إلى اعتقال وتوقيف نحو ثلاثين ألف شخص ووفاة ما لا يقل عن 750 حالة وفاة والعديد من حالات الاختفاء، إلا أن أصوات المقاومة ما زالت حية في شوارع إيران وتسعى نحو مجابهة تلك القبضة رغم ارتفاع عدد عمليات الإعدام في عهد إبراهيم رئيسي، حيث بلغ عددها 1777 منذ توليه منصبه و 864 في العام الفائت شاملة عشرات المعارضين والنساء و88 منذ كانون الثاني/يناير 2024، بحسب تقديرات المعارضة الإيرانية.

ميزانية فرعية سرية

رغم أن ميزانية القطاع العسكري في إيران من الأمور غير المعلومة، والتي لا تتمتع بأي قدر واضح من المعلومات الدقيقة كونها خارج أطر بنود الموازنة العامة والمرتبطة صوب المؤسسات العسكرية الخمس: وزارة الدفاع وقيادة الأركان والجيش الإيراني و”الحرس الثوري”والشرطة ونصيب القطاعات المرتبطة بالقطاع العسكري مثل: وزارة المخابرات ومنظمة الطاقة النووية، بيد أن مستوى الإنفاق على القدرات التسليحية والانخراط في جبهات عديدة ودعم ميليشيات في نقاط جغرافية ساخنة عبر مسرح أحداث الشرق الأوسط يعكس بوضوح كون ذلك يستند إلى ميزانيات ضخمة ومبالغ مالية كبيرة.

يرتكز النظام في إيران على تأمين ما تحتاجه القطاعات العسكرية الإيرانية من موارد مالية عبر المؤسسات الاقتصادية التي تستحوذ عليها القطاعات العسكرية وتساهم وفق تقديرات المراقبين نحو ثلث حجم الاقتصاد الإيراني.

أشارت تقارير صحفية، إلى أن مطالبة حكومة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بتضمين ميزانية العام المالي الجديد 2024 ميزانية فرعية سرية ضخمة، لصرفها في المجالات الأمنية والعسكرية وصفها مراقبون بأنها “خرافية”، بينما تهدد بانفجار سياسي واجتماعي في الشارع نظراً للمعارضة التي يواجهها مشروع موازنة العام الإيراني الجديد الذي اقترحته الحكومة، بسبب الضرائب الباهظة والعشوائية التي يفرضها على عامة الناس، والتي تقدر بزيادة تصل إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه سابقاً.

يمثل الإنفاق على المؤسسات العسكرية في إيران والمؤسسات المرتبطة بها، نسبة كبيرة من أي موازنة مالية للنظام في طهران، بما لا يقل عن 21 بالمئة بحسب موازنة العام الجاري. فضلاً عن المبالغ السرية التي تعتمد لحصة القطاع العسكري والتي ستقترب في الموازنة الجديدة لنحو ثمانية مليارات دولار تنفق معظمها أو بالأحرى جميعها على الأنشطة العسكرية الخارجية بحسب مصادر في المعارضة الإيرانية. 

يدعم كبير الباحثين في المؤسسة الدولية للمعلومات ذات التوجه، ويقول إنه من الطبيعي أن يؤثر هذا الإنفاق الإيراني على المجموعات المؤيدة لها، سواء كان ذلك في لبنان أو في فلسطين أو في العراق أو في اليمن أو في غيرها من الساحات التي تتحرك فيها طهران بغية التأثير في مجالها الجغرافي. 

ويقيناً ذلك كله له كلفة باهظة على حياة الشعب الإيراني. بيد أن شمس الدين يتابع قائلاً: “ما لا نستطيع معرفته بيقين تام هو كيفية هذا الإنفاق فهو إنفاق لا يأتي من خلال الموازنة الحكومية. وبالتالي من الصعوبة فهم ذلك وربط أي محددات خاصة بها والإنفاق على تلك المجموعات المدعومة والمؤيدة لإيران”.

“حزب الله” ينتظر الأموال الإيرانية

إلى ذلك، ذهبت مصادر في الجنوب اللبناني بقولها إنها تعتبر أن حجم التدفقات المالية التي تأتي ومصدرها إيران لصالح “حزب الله” ومن خارج القنوات الشرعية ودون موافقة أو علم الحكومة اللبنانية يشكل تحديا كبيراً.

وأردفت المصادر التي تحفظت على الكشف عن هويتها، أن هذه التدفقات وسّعت دائرة نفوذ “حزب الله” في المناطق من خلال جذبه لفئات محتاجة مقابل الولاء والتبعية. وتساهم في خلق اقتصاد موازٍ لتعذّر دمج هذه التدفقات في حركة الاقتصاد والمال والنقد في لبنان على وجه شرعي.

المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يتحدث خلال اجتماع في طهران، إيران في 25 أكتوبر 2023. (تصوير المكتب الصحفي للزعيم الإيراني / غيتي)

أضافت المصادر في سياق حديثها لـ”الحل نت”، أن التقديرات المتطابقة، تشير إلى بلوغ هذه التدفقات ما بين 300 إلى 400 مليون دولار سنوياً، يتم ضخها لصالح “حزب الله”. فضلاً عن المرتّبات الشهرية المنتظمة لمنتسبيها، والتي تعد الأعلى بين كافة الفصائل والميليشيات الأخرى في الشرق الأوسط وتبلغ نحو ألفي دولار لكل فرد.

وفي ذات السياق في المقابل يذهب الكاتب اليمني همدان العليي، أن “الحوثيين” وارتباطهم بإيران ساهم بشكل كبير في سياسات التجويع الممنهج للشعب اليمني.

وتابع قائلاً، في إطار حديثه لـ”الحل نت”، إن إيران تدعم جماعة “الحوثي” بصور مختلفة منها المبالغ المالية المباشرة وكذلك سفن الطاقة التي يتم بيعها داخل البلاد فضلاً عن الأسلحة والصواريخ والاستشارات العسكرية.

يتفق الكثير من المراقبين، أن كافة التحديات التي يواجهها النظام في إيران بدءاً من الأزمة الاقتصادية وصولاً بتحرّك المعارضة المنظمة مروراً بخندق العزلة الإقليمية والدولية وتصاعد موجات الغضب الداخلي تصيغ صورة غامقة لواقع ومستقبل النظام السياسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات